الرمز في وحي الشروق والضحى
عند الشاعر فاروق شوشة
الشروق ، والضحى عند شاعرنا رموز لخطوط الحلم المتمدد بالنقاء
والمحقق للآمال المتوهجة في النفس الذي يومض ثم يختفي وهو يلاحق أشعته تلمع وتخفت .
أين هذا الزمن ؟ تلك هي القضية ، التي نلمس في كلمات الشاعر فيها
عذاب الذات المتألمة الصارخة ، وهي تتمنى لو تبدأ من جديد من ميقات الشروق فجر حياة جديدة مشرقة بالضحى مرة أخرى
آه لو ترجع للصفو الذي كان
لحلم كان في أعماقنا
غضًا طفوليًا بريء السمتِ
عذريًا نقيا
عندما ..أرجع بالتذكار أستدني الذي فات
يلتف الصبايا حول ناي الحب
تغريهن بالترنيم
منضورا فتيا
عاشقا طلق المحيا
وانتصف النهار
يصحو وتر الشجو
الكتابات التي جفت على الأوراق
كانت ذات يوم صوتنا العالي
لفح الشوق
والرؤيا الحميمة
خرجت منه وجوه لفعتها دورة الأيام
جربت الذي كان
تخطيت الزوايا والصفوفا
كم تطامنت وأسرعت الخطى عَدْوًا
وجازت حدود الوهم
شارفت على الأفق
ظلالا قابعات وطيوفا
وعندما يأتي المساء
ها أنا في دورة الإعصار
أرتد عنيفا
خائب المسعى أسيفا
وانهمار العمر من حولي خطى
مبهورة الأنفاس
فقاعات لغوٍ زائفٍ
صارت على الوجه أخاديد وفي القلب حروفا
سكنت همتك الشمطاء يا نفس
فقد تحول الزمن من لوحة مستقبلية في إبداع الشاعر للقصيدة الرمزية ترسم الذات فوقها أحلامها إلى مكان محفور في وجه الذات يذكرها بأنها تحمل آثاره على صفحة وجهها المتحولة إلى أخاديد أو دهاليز تسكنها الأحلام المنكسرة وبقايا الذكرى المنهزمة بعد أن توارى المستقبل أو ارتد متجاوزا وجودها .
أما القلب فهو مملوء بالحروف لم يعد متوهجا بالأحلام بل أصبح مسكنا للتاريخ ، ذلك القلب الذي سينطلق للاعتراف في ظلام المساء حين يقول :
ها أوان الفصل
بوحي اعترفي ..لا تدعي بعد عزوفا
واهتكي عنك ستار الرغبة الحبلى
قناع الأسف الكاذب
ذاك المضحك المبكي
ما عاد يفيد الصمت
كوشفت وأترعت من اليأس صنوفا
كم تبدلت قناعا وتلبست خداعا
وتواريت وراء الأمل الخُلَّب
سيفا ورغيفا
وصحونا حين طار العمر نقتات الحصاد المر
نهتز لمرأى الغد إذ يفجأنا عارين
ننهار جراحا ونزيفا
ما الذي سدد في قلبك سكينا
وفي عينيك حزنا أبديا
بهذه التجربة الشعورية الرمزية يضرب الشاعر فاروق شوشة على أوتار الزمن الضائع ويرفع الستار عن العمر الخائب ليعيد صياغة حاضره ومستقبله متجنبا ما كان في الماضي برؤية إنسانية تجاوزت حدود الذات الفردية ليصبح الزمن هو محور التجارب الإنسانية التي تتشكل في شروق وضحى ونهار وليل له مساحته الشاسعة التي يتقلب فيها إنسان الماضي والحاضر والمستقبل على وعي بالقيم التي يحاول مجتمعنا تبنيها وهي خلاصة تجارب الإنسان المعاصر الطامح لتغيير وتجدد متلاحق لتصوراته عن مستقبل أفضل من واقعه اليومي .