كما هي في الشرق

السلفية الأوروبية .. ثلاثية الاتجاهات

بقلم - سمير أمغار

ترجمة - محمد عبود




تنوعت الاتجاهات والأصل واحد
حرصت الحركات الإسلامية في أوروبا على تحقيق ما تصبو إليه عبر الوسائل والآليات التي اعتبرتها مؤدية إلى الغاية الكبرى من الوصول إلى حلم الخلافة الإسلامية وأسلمة المجتمع.

وقد تنوعت هذه الحركات بين متشدد من جهة، وبين أكثر مرونة من جهة أخرى، ويتوسط هذين الاتجاهين حركات ومذاهب، فكان من بينها ما عُرف بالاتجاه الجهادي، وآخر عُرف بالاتجاه الدعوي التربوي، وأخيرا ما عُرف بالاتجاه السياسي.

وكل من تلك الاتجاهات تربطه علاقة خاصة، سواء بالمجتمعات الأوروبية أو حتى بالمجتمعات الإسلامية هناك. وكان للحركات الجهادية نصيب من هذه العلاقة مع المجتمع المسلم أو حتى غير المسلم، وكان يهدف إلى حث أتباعه على سرعة إقامة الدولة الإسلامية.

بدأ العمل الإسلامي المنظم في أوروبا منذ أكثر من نصف قرن (في خمسينيات القرن العشرين)، غير أنه في نهاية التسعينيات نشأت حركة أصولية جديدة كان أكثر أتباعها من ذوي الأصول المغربية والتركية والباكستانية ،الذين وُلد أغلبهم هناك، من الأجيال الثانية والثالثة، وكانوا رافضين التطبع بطبائع آبائهم، منكرين عليهم إسلامهم التقليدي، كما حرصوا على السعي إلى صبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية التي يتبعون فيها منهجا يهدف إلى تربية النشء تربية إسلامية صحيحة.

السبق للإخوان والتبليغ

حتى بداية التسعينيات، كان كل من حركتي "الإخوان المسلمين" و"التبليغ والدعوة" يلعبان دورا محوريا في العمل الحركي الإسلامي، وفي تبلور تلك الشخصية التي ظهرت في الساحة الأوروبية، والتي تهدف إلى إعادة أسلمة المجتمع المسلم في أوروبا من جديد.

وظلت هاتان الحركتان محتفظتين بالصدارة لفترة ليست بالقصيرة في أوروبا، ولم تستطع أي من الحركات الإسلامية الأخرى التي نشأت من بعد أن تسحب البساط من تحتهما.

وكان من بين من ظهروا على الساحة الأوروبية كقلة قليلة ومهمشة في مجال العمل الإسلامي: أصحاب الاتجاه الأصولي السلفي، الذين استطاعوا بحلول عام 2000 أن يوجدوا لأنفسهم مجالا رحبا ومميزا في ظل التنافس بين جماعتي الإخوان والتبليغ، اللتين كانتا آنذاك متشابهتين إلى حد كبير من ناحية التنظيم والمنهج.

نشأة الاتجاه السلفي

حرصت الجماعة السلفية على أن تحمل هذا الاسم تيمنا باسم السلف الصالح من أتباع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والذين يمثلون الجيلين اللذين تليا جيل الصحابة من التابعين، حيث شكلت الأجيال الثلاثة العصر الذهبي للإسلام، كما تمثل فيهم الزهد والورع والتضحية والفداء، مما أدى إلى اتساع رقعة الدولة الإسلامية من الهند إلى إسبانيا.

وهذه العلاقة بين الإيمان والجهاد هي التي ينادي بها دعاة هذه الحركة، حيث يعتقدون بأهمية وجود الإيمان لحل المشكلات التي تواجهنا، حتى لو كانت تلك المشكلات اقتصادية أو اجتماعية أو حتى سياسية.

وكان أول من نادى بهذه الفكرة أحمد بن حنبل (780 – 855م )، حيث كانت تلك الحقبة مليئة بالصراعات السياسية، ثم نادى بها من بعده ابن تيمية ( 1263 - 1328م ) حيث تعرضت الدولة الإسلامية للغزو من قبل المغول في عصره.

وظلت تلك الفكرة متوارثة هكذا جيلا بعد جيل، حتى جاء محمد بن عبد الوهاب (1720 - 1792م) مناديا بها، حاملاً أفكار ابن حنبل وابن تيمية، ومحاولاً حصر أسباب الضعف التي ألمت بالدولة العثمانية في محاولة منه لصد الهجمة الأوروبية.

فسر ابن عبد الوهاب حالة الضعف التي لحقت بالدولة الإسلامية آنذاك - اقتصاديا وسياسيا – على أنها أزمة غزو عقيدي حول مفهوم التوحيد الذي كان يسير عليه السلف الصالح.

السلفية الجهادية

نشأت في أوروبا ثلاثة اتجاهات تعبر عن الأصولية الإسلامية، فكان الاتجاه الأصولي الأول هو الجهاد، والذي كان في بادئ الأمر جزءا من جماعة الإخوان المسلمين، ثم ما لبث أن تنصل من أفكار الجماعة التي تدعو إلى الأخوة الإسلامية، ولم يبق لهم غير الاسم.

أخضع الاتجاه الأصولي الجهادي الأحداث السياسية والاجتماعية للمفهوم الإسلامي، محاولاً قراءة النصوص القرآنية كنصوص أدبية، في محاولة لاستنباط الدلالات السياسية من بين سطورها، وخاصة فيما يتعلق بالخليفة والقوة الحاكمة، مما أدى في نهاية المطاف إلى الدعوة لإحداث ثورة، واتضح ذلك في خطابهم الأصولي الذي يصطدم بالأفكار الداعية إلى التطبيع والتعاون بين المجتمعات الإسلامية والغربية.

أدت هذه الأفكار إلى التصادم بين هذه الحركة وبين الحكومات في الدول العربية، ثم اتسع الاصطدام إلى أن وصل إلى الدول الغربية، سعيا منهم لإقامة الخلافة الإسلامية، معتمدين على فتاوى ابن تيمية التي تدعو إلى وحدة الصف الإسلامي والحفاظ على كيان الخلافة إبان غزو التتار للدولة الإسلامية حينها، وبذلك جعلت حركة الجهاد لب اهتمامها هو العمل على عودة الروح الإسلامية من جديد، متمثلة في الجهاد في سبيل الله.

فرسان تحت راية النبي



أيمن الظواهري

ثم تطورت فكرة الجهاد عند أصحاب هذا الاتجاه إلى الجهاد المسلح، وظهر ذلك جليا في خطاب أيمن الظواهري، والذي يعد بمثابة المُنظِّر داخل تنظيم القاعدة، وذلك في كتابه "فرسان تحت راية النبي"، والذي دعا فيه إلى قلب أنظمة الحكم في الوطن العربي، كما دعا الشعوب إلى مؤازرته، حيث اقترح خطة لدعم جهاده، وأعلن الانتقال بعملياته المسلحة إلى الدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في محاولة منه لكسب الفئات المتمردة داخلها من جهة، ومن جهة أخرى محاولة الضغط على تلك الدول الغربية لسحب دعمها وتأييدها للدول العربية، التي يعتبرها دولاً مارقة خارجة عن الدين.

بمعنى آخر، يسعى إلى ضرب العدو الغربي في العمق الداخلي، محاولاً إضعافه وإنهاكه، وبالتالي يؤدي إلى ضعف الأنظمة العربية المدعومة منه، وبالتالي يسهل الوصول إلى حلم إقامة الدولة الإسلامية الراشدة.

خطتان استراتيجيتان

وبتتبع مسار الحركة الإسلامية داخل أوروبا، تظهر لنا خطتان استراتيجيتان يتبعهما الفكر الجهادي فيها، الأولى تعتمد على شن عمليات مسلحة داخل دول أوروبا في محاولة لإضعافها وإنهاكها، والثانية إلى جانب استهدافها الضغط على الحكومات الغربية لسحب تأييدها للدول العربية، تهدف أيضا إلى دعم المسلمين في تلك البلاد بسبب سوء معاملتهم فيها.

وكانت هناك منظمات عديدة، كان لها اتجاه ثوري جهادي، منها مجموعة انشقت عن حزب الرفاة الإسلامي بتركيا، وكانت تسمي نفسها (كابلان).

كانت تلك الحركات - سواء في فرنسا أو ألمانيا أو بلجيكا - تحلم بإقامة الخلافة الإسلامية، وكان هذا الحلم - على سبيل المثال - ظاهرا في خطاب حزب التحرير، الذي انفصل عن جماعة الإخوان المسلمين، والذي أنشأه تقي الدين نبهاني عام 1958م، والذي يملك تواجدا قويا في كل من بريطانيا والدانمارك.

في حين كانت السلفية الجهادية تتبنى الفكر الجهادي، كان الاتجاه الثاني يشق طريقه في الدعوة السلمية، مبديا رفضه واستنكاره للاتجاه الثوري الذي ينتهج العنف كوسيلة للتغيير و إقامة الدولة الإسلامية.

السلفية التربوية



ناصر الدين الألباني

لذلك فإننا نرى اليوم كثيرا من هؤلاء السلفيين يستنكرون مشاركة الإسلاميين الثوريين في العملية السياسية والحياة العامة. ومن بين من استنكر هذا الشيخ ناصر الدين الألباني الذي دعا إلى التخلي عن العمل السياسي والبعد عنه، حيث قام بالتجول في دول عديدة من العالم، وبرفقته ابن باز، وتبعهم ابن عثيمين، للعمل على نشر الدعوة الإسلامية، وكان كل منهم يعتقد أن الحل للمشكلات الإسلامية إنما يكمن أساسا في "التصفية والتربية"، أي تصفية الدين من البدع في الفروع والأصول، والعودة إلى المنبع الصافي الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) وتربية المسلمين للابتعاد عن العادات التي ليست من الإسلام في شيء.

لذلك فهم يستنكرون على من يتبعون المنهجين الجهادي والسياسي، حيث يرون أنهما لا يؤديان إلى شيء، فالأصل عندهم تصحيح العقيدة والشعائر الإسلامية، ولذلك فإن الاتجاه السلفي في أوروبا أصبح يستمد منهجه من السلفية الوهابية بالسعودية، والتي تتبع دار الإفتاء في المملكة، إضافة إلى العديد من الجامعات الإسلامية التابعة لها.

لا للمشاركة السياسية

كما يرفض السلفيون أية مشاركة في الحياة السياسية داخل المجتمع الأوروبي، ويستندون في ذلك إلى أن تلك المشاركة تخالف المبادئ الإسلامية، حيث إن الديمقراطية من وجهة نظرهم والتي ينادي بها الغربيون تعد شكلاً من أشكال الشِّرك، كما أن التشريعات المعتمد عليها في أوروبا تخالف الشريعة الإسلامية، لذلك فقد تبنى هؤلاء الدعاة فكرة الانسحاب من الساحة السياسية، حتى ولو للأمر تأثير على مسلمي أوروبا.

لذلك الموقف لم يكن للسلفيين نصيب ملحوظ في المشاركة في أي رد فعل إيجابي تجاه قانون منع ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية، في الفترة بين ديسمبر 2003 – يناير 2004، والتي شهدت خروج الآلاف من المتظاهرين ضد القانون، الذين قلما تجد من بينهم من ينتمي للتيار السلفي.

وربما يمكننا القول بأن غيابهم عن المشاركة يرجع إلى عدم اكتراثهم بقضايا المواطنة التي تعلق بالمسلمين، ولذلك لم يكن لهم حظ المشاركة في المفاوضات التي تمت بين ذوي الاتجاهات الإسلامية وبين الدولة التي من المفترض أن ترعى مصالحهم، معتقدين في ذلك أن الإسلام لا يعترف بمثل تلك المفاوضات!. واعتقادهم قائم على أن الإسلام يجب أن تكون له الأولوية عن غيره من الأنظمة القائمة، لذلك يحظر عليهم التفكير في التعامل مع أي نظام سياسي غير إسلامي، حتى لا يكون اعترافا ضمنيا بتلك الأنظمة.

وهذا الاتجاه الذي يسير فيه بعض الدعاة من العزلة السياسية داخل المجتمعات الأوروبية يتفق مع فتاوى فقهاء سعوديين حرصوا على دعوة المسلمين للعودة إلى دار الإسلام وترك بلاد الكفر لممارسة الشعائر الإسلامية بحرية.

وبالرغم من أن هذا الاتجاه الأصولي رفض فكرة الاندماج في المجتمع الأوروبي إلا إنه نجح في تكوين علاقة طيبة مع بعض الفئات داخل السلطة والحكومة، مستنكرا كل أنواع العنف.

إلى جانب التواجد الأصولي الإسلامي في بلد كهولندا أو بلجيكا، والذي نشأ بسبب هجرة المغاربة إليها، فقد وُجِد في فرنسا كذلك دعاة أصوليون من أصول جزائرية، وبدأت حركتهم الدعوية في التنامي بعد ذلك. ويرجع الفضل في اتساع رقعتها إلى كل من عبد القادر بوذيان في مدينة ليون، وعبد الهادي دودي في مرسيليا.

وإن كانت الحركة السلفية الدعوية أعطت أولوية في عملها للتربية الإسلامية، فإن الاتجاه الثالث يؤكد على أن العمل السياسي يعتبر ضروريا للوصول إلى المسلمين في محاولة لترسيخ مفهوم الحاجة إلى الدولة والمجتمع المسلم.

وفي مقابل ما ذكرته أدبيات الإخوان المسلمين فيما يتعلق بالنشاط السياسي ووسائله المتعددة من تظاهر ومشاركة وإنشاء منظمات ... إلخ، نرى الاتجاه السلفي يقول بأن السياسة يعتريها تناقضات لا تتناسب معهم، لذلك فهم يتهمون الإخوان بمحاولة تسييس الإسلام أو تمدين الإسلام، لذلك فإن هذا الاتجاه نشأ كرد فعل لكتابات الإخوان حول الإسلام السياسي، وكذلك نتيجة تأثير الاتجاه الدعوي للدعاة السلفيين، وبالأخص السعوديون.

سلفيون ولكنهم إخوان



علي بلحاج

آوت السعودية جماعة الإخوان في كل من مصر وسوريا عندما هربوا من بطش عبد الناصر والأسد، ورغم أن الجماعة ترعرعت في ظل نظام ملكي، إلا أنهم نجحوا في إنشاء مؤسسات وهيئات إسلامية كثيرة داخل السعودية، مثل الجامعة الإسلامية العالمية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وامتد عملهم في أوروبا متأثرين بالنهج السلفي، ومحتفظين في ذات الوقت بالسمت الأساسي لنهج الجامعة الإسلامية العالمية المتأثرة بدورها بجماعة الإخوان المسلمين، مما زاد من اتساع نشاطهم في بلدان عديدة عبر بناء المساجد وتمويلها.

ففي سويسرا، كان هذا الاتجاه ممثَّلا في شخص يوسف إبراهيم، إمام المركز الثقافي الإسلامي بجينيف، المرتبط ارتباطا وثيقا بالجامعة الإسلامية العالمية، كما ينحدر من أصول مغربية وحصل على الماجستير في الشريعة عام 1980 من الجامعة الإسلامية بالرياض، ثم عينته الجامعة في بادئ الأمر عام 1990 إماما لمسجد زيورخ قبل أن يضطلع بتلك المهام ابتداء من عام 2000، كما أنه عضو بالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وعضو بجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، وكان من بين من شاركوا في دفع الحركة الدعوية في أوروبا، إلا أنه كان من بين من يستنكرون فكرة دمج المسلمين في أوروبا، على الرغم ممن كونه منتميا إلى الإخوان إلا أنه كان معروفا بتشدده.

وإذا ما نظرنا إلى الاتجاه السلفي الذي يقترب أيديولوجيا من جماعة الإخوان، فإننا نلاحظ نموذجا آخر يجسد تلك الأيديولوجية، والذي يتمثل في الشباب الفرنسي المسلم الذين سافروا إلى العراق للجهاد ضد الغزو الأمريكي. وإذا ما كانت تلك التصرفات أضفت على أصحابها عناصر جهادية أخرى، فإنها أيضا أضفت عليهم نمطا سياسيا عبر المشاركة في المفاوضات مع الحكومة الفرنسية.

وبتعاقب الأيام، أصبح بنيتو ذو الأصول الجزائرية، موجها ومرشدا لأعضاء جبهة السلم الإسلامية، فيما يتعلق بمفهوم الإسلام السياسي، وذلك بشرحه عدة محاضرات حول هذا المفهوم، متأثرا في كتاباته بكل من علي بلحاج، وسيد قطب وسفر الحوالي.

وكان بنيتو من بين من يؤمنون بضرورة إلمام المسلم الأوروبي بأدوات الديمقراطية، وحرية التعبير، لكي يملك القدرة على تمييز الحركات السياسية القومية في الدول الأوروبية، رافضا لكل ألوان العنف باسم الإسلام، سواء كانت داخل أو خارج فرنسا أو في أوروبا كلها. ولذلك فقد شارك في كل التظاهرات والتجمعات التي كانت تتم عبر المؤسسات والهيئات الإسلامية أو عبر الهيئات العلمانية واليسارية المتشددة.

قواسم مشتركة

وبالرغم من عدم وجود عمل مشترك يجمع الحركات الإسلامية بعضها ببعض، إلا أن هناك قواسم مشتركة بين الحركة السلفية السياسية ومثيلاتها من الحركات الإسلامية على الساحة الأوروبية. وأول هذه القواسم هو الاعتقاد بأن الإسلام لا يقف عند الشعائر الدينية فقط، فليس معني الالتزام الديني هو ذلك الإطار المحدود بممارسة تلك الشعائر، بل هو المنهج الشمولي الذي يتناول مظاهر الحياة جميعها. وهذا القاسم تشترك فيه السلفية مع الإخوان المسلمين.

والقاسم الثاني هو تعظيم الدور الذي حققته الحضارة الإسلامية في بناء ونهضة الدول الأوروبية، فالحركة السلفية مثلها مثل بقية الحركات والاتجاهات الإسلامية فردية أو جماعية، ترى أن الإسلام هو الذي يملك الحلول الكاملة للمشكلات التي تعاني منها تلك المجتمعات الأوروبية، سواء كانت تلك المشكلات سياسية أو اقتصادية أو غيرها.

كما أن هناك ثمَّة اعتقادات في المفهوم السياسي للحركة السلفية الأوروبية باتجاهاتها الثلاثة الجهادية والسياسية والتربوية، وأول هذه الاعتقادات هو فكرة التقهقر الذي أصاب المسلمين، بمعنى أن المسلمين حدث لهم تفكك أعقبه هيمنة غربية، كما أن الانحلال الذي أصاب شباب الأمة الإسلامية يؤدي إلى التأخر عن القيادة العالمية، فالمسلمون جميعهم بمن فيهم الأقليات في الدول الغربية أصابهم نوع من التيه، وليس هناك مرجع يردهم عن هذا التيه سوى الإسلام.

كما أن هناك اعتقادا سائدا بين التيارات الإسلامية المختلفة، مفاده أنه ثمة تصادم سيقع لا محالة بين المسلمين وبين غيرهم، وأن نهاية العالم قد أوشكت، وسيكون النصر حليفا للمسلمين، مستندين في ذلك إلى الأحاديث النبوية.

ويعتقد السلفيون أن سبب التقهقر ينحصر في غزو العقيدة الإسلامية، وكثرة المؤامرات التي تحاك للإسلام والمسلمين، والتي يدبرها اليهود والغرب، بُغية إشعال فتيل الفتنة تحت مسمى محاربة الإرهاب، وعدم ترك الفرصة لأن يستعيد الإسلام ريادته العالمية مرة أخرى.

اتجاهات السلفية السياسية

تعمل السلفية السياسية الأوروبية في ثلاثة اتجاهات رئيسية: الأول ممارسة عمل المعارضة، والثاني العمل الدعوي، والثالث العمل الذي انتُخبت لأجله.

ويتمثل الاتجاه الأول في كونه تعبيرا عن المعارضة داخل النظام السياسي والاجتماعي في إطار سياسي ديني، ويوجد أكثر من تصور حول تلك النقطة: أولها غياب الرؤية الواضحة لفكرة مشروعهم السياسي الذي يسعى بدوره لعودة الخلافة الإسلامية، لذلك تخشى الطبقات الاجتماعية الوسطى والراقية من الإسلام السياسي، معتقدين بأنه سيضعهم داخل أطر محددة ومقيدة.

وباتساع تلك القاعدة الرافضة لسيطرة الإسلام السياسي، نما الاتجاه الأصولي الإسلامي من نماذج أصولية جديدة لا تمت للأحزاب السياسية ولا للتيارات الإسلامية بصلة. لذلك يمكننا أن نُجمِل القول بأن نشوء الأصولية الإسلامية كان نتيجة للأزمة التي أحدثها الفراغ السياسي في أوروبا، متبنيا ومستوعبا أعدادا من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا، والتي يراد حشدها للتغيير، حيث تُعتبر الأصولية الإسلامية نموذجا للتمرد والعصيان ضد القيم السائدة في المجتمع الأوروبي والعمل على ظهور القيم الدينية بدلا منها.

أما الاتجاه الثالث، فمنبعه اعتقاد السلفيين أنهم ورثة التابعين وتابعي التابعين، وأنهم جند الله في الأرض، لذلك عهدوا إلى أنفسهم بمهام الدعوة الإسلامية، والأخذ بيد الناس للهداية.

لقد نوَّع التيار السلفي من عمله داخل أوروبا، فاستطاع الاتجاه الثوري التعبير عن معتقده بأساليب العنف، وحرص الاتجاه الدعوي التربوي على تطوير علاقته بالآخر عبر الجهات الرسمية، وأخيرا الاتجاه السياسي الذي أبدى استعداده لخوض غمار العمل السياسي بالاشتراك مع الجهات الأخرى داخل المجتمع الغربي، رافضا في ذات الوقت فكرة الحزبية، حيث يراها مفرقة للأمة، ولذلك فإنهم يستنكرون على الإخوان عملهم من خلال الأحزاب أو الدعوة إلى إقامتها.



--------------------------------------------------------------------------------

كاتب مغربي متخصص في شئون الحركات الإسلامية. والمقال مترجم له عن اللغة الفرنسية.