منكر باسم وصية خادم الحجرة النبوية
الشيخ د. صالح الفوزان: الوصية المكذوبة خرافة صاغها شيطان
الوكيل رئيس مركز هيئة جلاجل: سوء الفهم للقرآن والسنَّة والتكبر عن معرفة الحق من أسباب انتشارها


تحقبق: يوسف بن ناصر البواردي
ما أجمل أن يوصف الانسان بأنه عبدالله، لم يخلقه عبثاً ولم يتركه هملاً في شؤون حياته. دلَّه على طريق الخير الذي يوصل اليه سبحانه، وجعلها واحدة، دليلها الكتاب وبابها السنة، فمن أراد سلوك الطريق من غير دليل تاه، ومن أراد الولوج من غير باب الرسالة، فقد ضيَّع دنياه وأخراه.ولهذا جاء الأمر الحتمي بلزوم الاعتصام بالوحي المنزل؛ لكونه الصراط المستقيم الموصل الى طريق النجاة. ولكن يا ترى من حاد عن هذا الطريق ألا يكون قد ضلَّ!، ومن أحدث من الأمور وقال إنها من أصل الدين فماذا نسميه؟ ألا يسمى في شرعنا مبتدع وهو ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«... وكل بدعة ضلالة».
فما هو إذاً أثر هذه البدع على المجتمع؟ وماذا لو تساهل الناس فيها؟ كيف يكون الحال؟ وهل لهذه البدع من أثر في قتل السنن؟ كما أخبر بذلك العلماء
أخي الكريم لن أطيل فالموضوع يتعلق بديننا وعقيدتنا وغيرتنا عليهما، وموضوعنا اليوم عبارة عن نهي عن منكر، وهذا المنكر عبارة عن بدعة انتشرت منذ زمن طويل جداً وما زالت تتداول بين الجهلة من الناس مصدقين لها، إنها الوصية المكذوبة!
نعم تلك الورقة التي حملت بين طياتها خرافات وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان، يظن من يقرؤها لأول وهلة أنها من أساطير الأفاكين.
مواقف
لقد دعاني الى طرح هذا الموضوع بعض المواقف التي وقفت بنفسي عليها وتدل على ان هذه الوصية ما زالت تروج بين الناس ولم تمت حتى الآن واليك أخي بعض المواقف:
* في أحد الأيام كنت في محل نسخ وتصوير أوراق فإذا بأحد الشباب يدخل ويطلب تصوير ورقة فأراد العامل ان يصورها فلما لمح ما فيها قال بأننا لا نصور هذه الورقة، فرد الشاب وقال لماذا؟ فأخبره بأن صاحب المحل منع ذلك لأن هذه الورقة بدعة لا يجوز تصويرها وتوزيعها، نظر الي الشاب فقال هل في هذه الورقة شيء فنظرت فيها فإذا بها الوصية المكذوبة والتي تعرف بوصية المدعو أحمد خادم الحجرة النبوية، أخبرته مباشرة بأن العلماء تكلموا فيها وأنكروها فقال لي هل هناك كتاب معين فدللته عليه فقال بأنني أريد أن أشتري كمية منه وأوزعه على أقاربي وأهلي لأنها منتشرة بيننا!!
* الأخ أبو عمر المصري صاحب محل خدمات تصوير أوراق سألته عن نفس المشكلة وهل يأتي أحد يصور من هذه الوصية فأخبرني بأنه للأسف تصور ويكثر تصويرها في الأوقات التي ينشط فيها المبتدعة كشهر رجب وشعبان خصوصاً، وأما بالنسبة للانكار على صاحبها فيشير إلى أن هناك مطوية حذَّرت من هذه الوصية يقوم بشراء كمية منها ويوزعها على من يريد تصويرها.
صياغة شيطان
وحول هذه الوصية المكذوبة وبداية قصتها فقد تحدث فضيلة الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء موضحاً أنها خرافة صاغها شيطان مضل على صورة رؤيا نسبها الى الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف، وقد ضمَّن هذه الرؤيا المزعومة أكاذيب وتهديدات وتخويفات زعم انه تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه في المنام وقال له أخبر أمتي بهذه الوصية لأنها منقولة بقلم القدر من اللوح المحفوظ ومن يكتبها ويرسلها من بلد الى بلد ومن محل الى محل بني له قصر في الجنة، ومن لم يكتبها ويرسلها حرمت عليه شفاعتي يوم القيامة، ومن كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو كان مدينا قضى الله دينه، أو عليه ذنب غفر الله له ولوالديه ببركة هذه الوصية، ومن لم يكتبها من عباد الله أسود وجهه في الدنيا والآخرة، ومن يصدق بها ينجو من عذاب الله، ومن كذب بها كفر. مشيراً فضيلته إلى ان هذا بعض ما جاء في هذه الوصية المكذوبة التي تجرأ مخترعها على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال:«من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» وهذه الوصية المكذوبة قديمة، فقد ظهرت في مصر منذ أكثر من ثمانين سنة وقد دحضها أهل العلم وبيَّنوا ما فيها من الكذب والباطل. منهم الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله، وقد قال في رده عليها قد أجبنا عن هذه المسألة سنة 1322هـ وإننا نتذكر أننا رأينا مثل هذه الوصية منذ كنا نتعلم الخط والتهجي الى الآن مراراً كثيرة، وكلها معزوة الى رجل اسمه الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية والوصية مكذوبة قطعاً لا يختلف في ذلك أحد شم رائحة العلم والدين، وإنما يصدقها البلداء من العوام الأميين. ثم رد عليها رحمه الله رداً مطولاً مفيداً. دحض فيه كل ما جاء من الافتراءات. ويستطرد الشيخ الفوزان بقوله: إن هذه الوصية اختصرت وجيء بها الى هذه البلاد على يد بعض المخرفين والدجالين بقصد إفساد عقائد الناس وصرفهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم حتى يسهل تضليلهم بمثل هذه الوصية الكاذبة. وبما ان هذه البلاد - والحمد لله - هي بلاد التوحيد فإنها لا تروج فيها هذه الخرافة بإذن الله وتوفيقه، مشيراً إلى ان بعض الجهلة قد تلقفها وأخذوا يطبعونها ويوزعونها متأثرين بما فيها من الوعد والوعيد.
مؤكداً فضيلته ان العلماء قد قاموا ببيان كذب هذه الوصية، وحذروا الناس من نشرها والتصديق بها، ومن هؤلاء العلماء: الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله فقد رد عليها برد جيد مفيد، وبيَّن ما فيها من الكذب والتدجيل، ولما رأى مروجوها ان المسلمين قد تنبهوا لدسهم وعرفوا حقيقتهم، أخذوا ينشرونها خفية ويغرون بعض الجهال بنشرها وتوزيعها.
أسباب الانتشار
وحول أسباب انتشار هذه البدعة فقد أوضح الشيخ عبدالله بن سليمان الوكيل رئيس مركز هيئة جلاجل ان انتشار هذه البدعة وأمثالها لها من الآثار السيئة ما الله به عليم ويكفي في ذلك ما أخبر به بعض السلف ومن أبرزهم الأوزاعي وهو نزع السنن وموتها إذا أحيت البدع الى غير ذلك من الآثار. وأما أسباب انتشار هذه الوصية المكذوبة وأمثالها يشير الوكيل للجهل بمقاصد الشريعة عند بعض الناس الذين يرون ان هذا الدين بعين النقص لا بعين الكمال، وكذلك من الأسباب عدم التسليم للنصوص الشرعية والانقياد لها، فأهل البدع أهل أهواء وهم كما سماهم عمر بن الخطاب «أعداء السنن»، ومن الأسباب كذلك يشير الوكيل الى اتباع العوائد والمشايخ والتقاليد وكذلك سوء الفهم للقرآن والسنة وكذلك التكبر عن معرفة الحق.
هدفها
ما الهدف الذي يقصده صاحب هذه الوصية؟ وما هو الدافع لقيامه بافترائها وترويجها؟ يجيب على ذلك الشيخ صالح الفوزان فيقول: ان هدفه من ذلك تضليل الناس عن كتاب ربهم وسنة نبيهم وصرفهم الى الخرافات والحكايات المكذوبة، فإذا صدقوه في هذه وراجت بينهم اخترع لهم أخرى وأخرى حتى ينشغلوا بذلك عن الكتاب والسنة فيسهل الدس عليهم وتغيير عقائدهم، فإن المسلمين ما داموا متمسكين بكتاب ربهم وسنة نبيهم فلن يستطيع المضللون صرفهم عن دينهم لكنهم إذا تركوا الكتاب والسنَّة وصدقوا الخرافات والحكايات والرؤيا الشيطانية سهل قيادهم لكل مضلل وملحد، وقد يكون من وراء ذلك منظمات سرية من الكفار على ترويج هذه المفتريات لصرف المسلمين عن دينهم. ويؤكد فضيلته على تعاون المسلمين في نبذ هذه الوصية والتصديق بهذه المفتريات، مؤكداً فضيلته على عدم ترويجها وسؤال أهل العلم عما أشكل على المسلم، ومن رأى من يكتب هذه الوصية المكذوبة ويروجها فليبلغ عنه أهل العلم وأهل الحسبة والسلطة للأخذ على يده وردعه وكف شره عن المسلمين.
كذب واختلاق
الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان المدرس بالكلية التقنية بالرياض فنَّد هذه الوصية وأشار الى كذبها من عدة وجوه:
الوجه الأول: زعمت الوصية ان المدعو أحمد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الدعوى باطلة؛ لأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة كذب وزور، باتفاق العلماء.
الوجه الثاني: زعمت الوصية ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج من قبره. وهذا كذب واختلاق، فالقبر النبوي لا ينشق عنه صلى الله عليه وسلم إلا عندما يقوم الناس لرب العالمين، كما قال صلى الله عليه وسلم:«أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع» أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الوجه الثالث: جاء في نص هذه الوصية المزعومة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان خجلاً من ربه وملائكته بسبب ذنوب أمته، وهذا الزعم الباطل يلزم منه عدم اكمال النبي صلى الله عليه وسلم ابلاغ رسالة ربه، وهذا منكر من القول وزوراً، وهو واضح البطلان، فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بواجب الرسالة على أتم وجه، فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده. قال تعالى: {اليوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً وّأّتًمّمًتٍ عّلّيًكٍمً نٌعًمّتٌي وّرّضٌيتٍ لّكٍمٍ الإسًلامّ دٌينْا}.
الوجه الرابع: جاء في الوصية ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المدعو أحمد بأنه قد مات في أسبوع واحد وستون ومئة وألف على غير الاسلام، وهذا من آكد الأدلة على بطلان تلك الوصية المزعومة، إذ ان ذلك من خبر الغيب، ومرد ذلك الى الله تعالى: {قٍل لاَّ يّعًلّمٍ مّن فٌي السَّمّوّاتٌ وّالأّرًضٌ پًغّيًبّ إلاَّ اللهٍ وّمّا يّشًعٍرٍونّ أّيَّانّ يٍبًعّثٍونّ}.
ومما يؤكد بطلان ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يقف عند حوضه يوم القيامة، يرد عنه أقوام من أمته، فيسأل عن سبب ذلك، لعدم علمه بحالهم، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه؛ «إني فرطكم على الحوض، أنتظر من يرد اليَّ، فوالله ليقطعن دوني رجال، فلأقولن: أي رب، مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم». أخرجه مسلم.فهذا الحديث دليل من أدلة كثيرة على عدم علمه صلى الله عليه وسلم بما يكون من شأن أمته بعده، إلا ما أعلمه الله سبحانه إياه بواسطة الوحي.
الوجه الخامس: مما يدل على بطلان تلك الوصية المزعومة: أن ما ذكر فيها من الثواب المترتب على نشرها جعلها في منزلة أفضل من نشر الكتاب والسنة، كما ان العقاب الوارد في من أهملها أعظم من العقاب المتوعَّد به من ترك بعض الواجبات الشرعية.
الوجه السادس: زعمت الوصية ان من أهملها أصيب بعقوبات متعددة وكثير من أهملها ولم يحصل لهم مثقال ذرة من أذى، بل إنهم في إهمالها وتكذيبها وتمزيقها مأجورون مشكورون؛ لأن فعلهم ذاك من انكار المنكر الذي أمر الله بتغييره.
الوجه السابع: ركاكة أسلوبها، مما يؤكِّد أنها من وضع الكذابين فمثل هذا الكلام لا يخرج من مشكاة النبوة.
الوجه الثامن: من الأدلة على كذب تلك الوصية: ما كتبه وقرره غير واحد من أهل العلم المعتبرين من تكذيب تلك الوصية، والتحذير منها، وكشف عوارها وزيفها. ومن أبرز أولئك إمام أهل السنة في هذا العصر العلاَّمة الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى