الغرب والإسلام
الألفباء واللغة العربية اللغة الأم (57)
مصطفى إنشاصي
الألفباء الأوروبية معظمها اشتقت من الألفباء واللغة الإغريقية التي أتت لليونان من الفينيقية الكنعانية: "إن الألفباء، حسب اعتقاد اليونانيين أنفسهم، تأتي رأساً من الفينيقية، ويصف هيرودوت فوينينكيكا (حروف هذه الألفباء) التي يعزو أصلها إلى قدموس الكنعاني الذي نفي من صيدا فذهب يؤسس مدينة طيبة في أرغوليدا ... والحقيقة، أنه بينما كانت الهيروغليفية المصرية تستعمل في بابل، فإن المسمارية كانت مستعملة في مصر، والخطان تجاوزا في الاستعمال حتى عيلام. وأن وجود اللغتين معاً مشار له في أكثر الأماكن قِبل علماء العمارة وهما مختلطان بصورة مبهمة بحيث أنهما انتهيا إلى إعطاء لغة مشتركة. مكتوبة في إشارات مصرية مبسطة أعطت اللغة الآرامية".
أما اللغة الآرامية التي تشكلت صورتها الأثرية في فلسطين في القرن الخامس عشر قبل الميلاد "فإننا نجد قبل ذلك التاريخ في سارده وكابل وفي أرمينية وفي شبه جزيرة العرب رقما مسمارية تحمل تعليقات هامشية آرامية، هذا وإن وجود اللغة الآرامية حول القرن الخامس عشر والسادس عشر قبل الميلاد، وفي ظل حكم الأسرة الثامنة عشر الفرعونية، غزير بحيث أنه يصبح أحياناً مستحيلاً التمييز بين حثي أو مصري أو آرامي ... يظهر شكل مسماري حول القرن الخامس عشر قبل الميلاد يتكون من ثلاثين حرفاً بدل أربعمائة إلى خمسمائة على الأقل، "وكانت تعرض في فلسطين دائماً، تقليد للخط المبسط، ألفباء ذات عشرين حرفاً ليست مسمارية، وهي التي كانت مقدمة الألفباء الإغريقية، والألفباء اللاتينية، وأخيراً في نهاية المطاف للغتنا الأوروبية الأثرية. ويتشكل في العصر ذاته في جزيرة كريت خط يقل خط مص، إن الألفباء واللغة الفلسطينية تمتحان من أصول وأشكال بابلية نسختا على هذا المنوال؛ واللغة اليونانية والآرامية اللتان كان خطهما استثنائياً مدهشاً، لأنهما منذ القرن السابع قبل للميلاد، غدتا لغة المجموع الآسيوي المحدد بالنيل والهندوس، والذي يسكن أرضاً عربية، بالتعريف سيصبح الشرق المتوسطي الآسيوي، سريعاً، مزدوج اللغة، على أن اليونانية كانت مستعملة في الأوساط المثقفة اللغة الثانية وظلت الآرامية اللغة الأولى، اللغة الأكثر استقراراً لأنها لم تنقطع عن أن تكون محكية، ومتطورة، دون شعور إلى اللغة العربية المعاصرة، مما كان الأمر بالنسبة للاتينية التي تطورت إلى الفرنسية أو الإيطالية. أي أن اللغتين الإغريقية والآرامية المجتمعتين إحداهما إلى الأخرى بشدة، قد كانتا وسيلة نقل ثقافة قادمة من أعماق العصور". ولم يمر أرنست رينان في كتابه عن اللغات (السامية) دون أن يلاحظ الكمية الكبيرة من التعابير اليونانية التي تضمنتها اللغة الكنعانية بصورة متبادلة مع الأخرى.
لِما لا؟! "لقد غدت ألفباء فلسطين مع الأراضي الإيجية جزراً ومحيطات لتراكيب دينية. فلم تخترع اليونان أو اليهود شيئاً. وإنه البانتيون المصري – البابلي الذي سيصبح بواسطة من فلسطين والأناضول مجمع آلهة الإغريق والرومان، فآلهة الإغريق آسيويون كما كان العرب".

اللغة العربية اللغة الأم
والعالم القديم لم يكن يعرف التعصب الديني أو الفلسفي الذي هو صفة العالم المعاصر، لكن كانت تسوده حالة روحية واحدة لغتها هي اللغة العربية، وأن "اللغة الإغريقية شاهداً ثميناً بشكل خاص أو بالأخرى أن اللغة العربية قد أعطت دون انقطاع منذ أصولها النيوبوتيكية والرافدية حتى يومنا هذا، وفي جميع أشكالها وصورها ... تديناً صاغ منه مجتمعنا (الغربي)، جميع التأملات، والفلسفات، والجماليات والعلوم الخفية أو العامة. فلقد كان كاهن بعل يتكلم العربية، وبها كذلك يتعبد التقي المؤمن بإيزيس، أو موسى المصري، وباللغة العربية يتكلم من ثم عيسى المسيح عندما يتحدث مع قيافا أو شعب فلسطين، ولعلها بديهية أن نسجل هنا أن محمداً قد بشر بالعربية، وبها نشر رسالته. وأن الخط المستقيم لثقافتنا لم يكن يوماً ما منحرف أدنى انحراف. وأنها، في الحقيقة، لعبة أطفال بالنسبة لعالم اللغة، أن يجد في أصول اللغات المصرية والكنعانية والأناضولية والآشورية ـ البابلية العناصر الأساسية للغة العربية".
تلك اللغة التي جعلها الإسلام لغة عالمية: "إن الإسلام قد جعل من اللغة العربية، لغة التعبير، العالمية التي لا مثيل لها، لغة إنسانية قوية في دوامها واستمرارها". ووقد حظيت اللغة العربية بما لم تحظى به أي لغة أخرى، وقد خضع لسلطانها شعوباً كثيرة ذلك لأنها كانت لغة حضارة مهيبة قبل الإسلام، "وإذا كان الدين الإسلامي قد انتشر في قارات بأكملها، وإذا كانت اللغة العربية قد لقيت حظاً لم تعرفه أية لغة أخرى، وإذا كانت لغة اليهودية والمسيحية والإسلام، فلأن حضارة مهيبة قد أعطتها سلطة تجاوزت أبعاد هضبة الحجاز. وقد خضع لهذه السلطة اليونان ثم الرومان ومعهم الاتروسكيون، قبل أن تنضم إليهم ممالك فيزيقوط الغرب وأمراء الهند.
ويُرجع سرعة وسعة انتشار الإسلام إلى وحدة الجغرافية (الوطن) ووحدة الأصل واللغة والثقافة و..."إن المسلمين لم يكونوا بحاجة إلى احتلال الشرق والمتوسط عسكرياً حيث كانوا في وطنهم منذ آماد طويلة. وهم، بالمقابل، قد غزوا ثقافياً الغرب الأوروبي مدخلين إليه دياناتهم، وفلسفاتهم، وذوقهم الجمالي... لم يكن الإغريق أبداً إلا شرفة وملحق لبناء العرب في الشرق، ذلك البناء الذي راح اليونانيون أنفسهم يعترفون به بصورة كاملة".