المسرحي هشام كفارنة:
تجربتي الإخراجية ليست أسيرةً لتجربتي الكتابيةالفنان والكاتب والمخرج المسرحي «هشام كفارنة» رئيس مكتب الدراما في نقابة الفنانين، ومدير المسرح القومي سابقاً، وصاحب تجربة مسرحية طويلة، يقوم حالياً بكتابة نصّ مسرحي بعنوان «على حافة القمر».. التقته البعث وتحدثت معه حول عمله المسرحي الجديد، وعلاقته بفن الدوبلاج، ودوره في تدريب الممثلين على اللهجة البدوية.
< الرقص على حافة القمر... عملك المسرحي القادم - تأليفاً وإخراجاً...ماذا تحدثنا عنه؟؟
<< الرقص على حافة القمر... النصّ المسرحي الذي مازلتُ أخضعه للمعالجة والتطوير... وحينما أشعر أنه أصبح يمتلك إمكانية الانتقال إلى الخشبة، سوف أجد الفضاء المناسب له، النصّ اجتماعي يتحدث بصورة رئيسية عن المرأة ومعاناتها في غياب الرجل، وسعيها إلى استحضاره من أجل أن تكتمل دورة الحياة، وتشعر بالسعادة، إنه يشبه الى حدٍّ كبير في أجوائه العامة مسرحية «بيت برناردا ألبا» من حيث المضمون العام، الذي يدور حول مجموعة نساء يمارسن القهر والظلم على أنفسهن في حالة غياب الرجل، وقد اعتمدت أسلوبيةً جديدةً، إذ تركت حيزاً كبيراً للرقص التعبيري في بنية النصّ ، بالإضافة إلى استخدام لغة فصحى تنمّ عن شاعرية شفافة قادرة على التعبير عن مكنونات المرأة ومشاعرها الخفية والحزينة التي تعتلج داخلها.
النصّ تعبيري اجتماعي إنساني يعالج محاور أساسية في حياة المرأة.. ويعتمد على مجموعة شخصيات رئيسية تربطهن قرابة.
< أنت كاتب مسرحي.. فلماذا تُقْدم على إعداد نصوص لكتّاب آخرين، على سبيل المثال «الموت والعذراء»؟
<< أَدخل عالم الكتابة على ألا تكون تجربتي الإخراجية أسيرةً لتجربتي الكتابية، لذلك تجدين هذا التنوّع ، إذ بدأت بتقديم أول العروض المسرحية لنص « الحلاق الخاص» من تأليفي وإخرجي طبعاً، ثم جاءت التجربة الثانية « الزنزانة» للكاتب هارولد كاميل، إذ قمت بإعداد النص وإخراجه لصالح المسرح القومي 1987، وبعد ذلك تابعتُ مشروعي المسرحي بالتناوب بين عدة عروض من تأليفي وإخراجي مثل بيت الدمى، وبيت العيد وبروفا - شوباش، بالإضافة إلى مجموعة عروض قمت بإعداد نصوصها لكتاب عالميين مثل الغزاة لأكون وولف، والبيت ذو الشرفات السبع لأليخاندرو كاسونا، وأخيراً عنتر وعبلة للدكتور رياض عصمت، أما الموت والعذراء لدورفمان على سبيل الذكر، فوجدت فيها تقاطعاً غير مباشر بين المحاور والنص، وما يدور حولها في الساحة العربية لا سيما القضية الفلسطينية، وما يرتكب من جرائم ومجازر يومية بحق الفلسطينيين، وما نسمعه ونشاهده كل يوم عبر المحطات الفضائية، هذا التقاطع كان سبباً مباشراً لاختيار هذا النص، وأنا أشعر وأقر بأن هذا التنوّع أغنى تجربتي الإخراجية، ومكنني من البحث في عوالم أبدعها كتاب مشهود لهم بكفاءتهم وحضورهم المسرحي المتميز.
< من يعجبك من الكتاب المسرحيين المعاصرين؟
<< حقيقةً أشعر بأسى كبير، لأننا إذا أردنا أن نقوم باستعراض بانورامي للإنتاج الأدبي عامة، وأردنا أن نعرف من هم الكتاب الحقيقيون الذين حققوا مكانة في المجالات الأدبية، لوجدنا أنهم جميعاً ينتمون إلى جيل الستينيات «حنا مينة - سعد الله ونوس - فرحان بلبل - وليد إخلاصي - رياض عصمت».
طبعاً لا أقول إن أعمارهم متقاربة، لكنهم جسدوا إبداع الفترة الأدبية القوية، وعلى الرغم من ولادة كتاب لهم أهمية كبيرة، ويتمتعون بمقدرة لغوية وملكات إبداعية ووعي بآلية الكتابة، إلا أنهم للأسف لم يحظوا بالاهتمام الذي يقدمهم كمؤلفين مسرحيين، أذكر على سبيل المثال لا الحصر «طلال نصر الدين» الذي قدم للمسرح عدة نصوص مسرحية مهمة... ومع ذلك - كما قلت - لم يلق الاهتمام الكافي.
باختصار وبرأيي الشخصي، أعتقد حينما يذكر المؤلفون المسرحيون فلا أحد يتطرق إلى ذكر اسمه، وإن فعل فإنها لا تتعدى الإشارة الخجولة.
< قمتَ بإعادة صياغة نص «صراع على الرمال» إلى اللهجة البدوية ما رأيك بهذا النوع من الدراما؟
<< اللهجة البدوية مفردة بيئية مثلها مثل أية لهجة أخرى، وهي قادرة على استيعاب الكثير من الانفعالات والمشاعر والتعبير عنها بلغة عالية، ونستطيع من خلالها معالجة المجتمع البدوي الغني بقصصه وحكاياته ومواضيعه القابلة لأن تكون مادة درامية مهمة...
وقد درجت العادة على استسهال هذا النوع من الإنتاج التلفزيوني، وكان هذا الاستسهال ينعكس على الترشيد الإنتاجي، وبالتالي كانت تُنْتَجُ أعمال فقيرة إلى أن جاء مسلسل «صراع على الرمال» إخراج حاتم علي الذي أعدت فيه صياغة النص من اللغة الفصحى إلى اللهجة البدوية، وقد شكل نقطة انعطاف وقفزة نوعية في دراما الأعمال البدوية... طبعاً تم دعم العمل إنتاجياً، وأدى انتقاء الممثلين الذين يمتلكون كفاءات عالية دوراً كبيراً في إنجاح العمل، إضافةً إلى النص القوي لهاني السعدي، والاستناد إلى أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وإبداع المخرج حاتم علي....وهذه العوامل كلها عملت على تقديم عمل فني متميز...
في نهاية المطاف الدراما البدوية نوع من أنواع الدراما تندرج ضمن التنوع الدرامي، وتلقى متابعة وتعرض في محطات فضائية متعددة لاسيما الخليجية.
< تشارك في عملية الدوبلاج «ممثلاً ومؤلفاً» في عدد من المسلسلات التركية، هل ترى أن هذه الأعمال تشكل منافساً للدراما السورية؟
<< بدأت عمليات الدوبلاج في سورية من خلال استديو الزهرة والتلفزيون العربي السوري، حيث اختصا بدبلجة أعمال الأطفال، وقد كان لها أثر كبير في تمتين اللغة العربية الفصحى، ودخولها بسلاسة إلى البيوت وتسللها إلى لغة الأطفال، وقد أسهمت في الارتقاء بذائقتهم من خلال أعمال مدروسة تربوياً وفنياً، أما فيما يتعلق بمتابعة المسلسلات التركية أو الإسبانية أو المكسيكية... فالأمر مختلف جداً لاشك بأن اللهجة الشامية المحكية وإبداع الممثلين السوريين كانا العامل الأساسي الذي أسهم في إنجاح هذه الأعمال، على الرغم من أن أغلبها يتسم بحبكة درامية ساذجة، وأحداث مفتعلة وبعيدة عن مجتمعنا ومفبركة، وحتى أداء الممثلين فيها يعد أداء بدائياً، وهي بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا.
لكن الأجواء العامة والبيئية المطروحة على صعيد الشكل، التي تشبه الكثير من مناطقنا، دفع المشاهدين إلى متابعتها، وقد أسهم بذلك ما عانته المسلسلات السورية من تكرار للوجوه نفسها في أغلب المسلسلات وللديكورات، والأسلوب الإخراجي، فرأى في هذه المسلسلات وجوهاً جديدة باللهجة نفسها، فأقبل على متابعتها لاسيما أنها تركز على البطولات الفردية والرومانسية في علاقات الحب، وطبعاً هي ليست بأهمية وسوية الدراما السورية، ولا تشكل منافساً لها، وإذا صُدّرت على أنها أعمال سورية فإنها ستؤثر سلباً على سوية الأعمال الدرامية السورية...
حوار: مِلدة شويكاني