مشكلات تدريس علم العروض
1
ربما صاح بي تَربويّون:
ما لك ولمشكلات التدريس!
هلّا عرفت حدك فوقفت عنده!
وصدقوا؛ فلا طاقة لي بمناهجهم ولا وسائلهم ولا أهدافهم؛ فما أنا غير كاتب أديب باحث لغوي، أتعلم إذ أتذوق وأتذوق إذ أتعلم، وآبى أن يكون تلامذتي إلا كذلك؛ فأستودع اجسامهم وقلوبهم وعقولهم عقلي وقلبي وجسمي، ولا أدوم على حال؛ فربما أبدلت اليوم ما اخترت أمس، أو أخرت ما قدمت، أو حذفت ما أضفت، أفعل ذلك إذ أفعله كله جميعا، أو بعضه؛ فلا يجد أولئك التربويون ما يزَعُهم عما زعموا!
ولكن من التربويين من يطّلع من تلامذتي الذين انضافوا إليهم، على مهارات واضحة غالبة؛ فلا يملك إذا صَدَق نفسَه إلا أن يجادل عني بظهر الغيب، ويعزم عليّ إلا ما شاركتُهم في كشف مثالب التدريس الحاضر ووصف مناقب التدريس الغائب!
ولابد لي أولا من التنبيه على استعصاء الإحاطة بمشكلات التدريس كلها جميعا، ثم على وجوب تمييز اربعة أقسامها الآتية:
1 مشكلات الكتاب،
2 ومشكلات المدرس،
3 ومشكلات الطالب،
4 ومشكلات المدرسة.
حرصا على التنظيم والتدقيق والتوجيه، وإن تردّدتْ بين الأقسام الأربعة بعضُ المشكلات؛ فلم تنحصر في أحدها.


مشكلات تدريس علم العروض
(مشكلات الكتاب)
2
عدم استلهام واقع الحياة
فليس من الحكمة الإعراض في تأليف كتاب المقرر من علم العروض، عن التمثيل بما يجري به واقع الحياة من وقائع اشتغل بها شعراء الوقت أو أسلافهم؛ فخلفوا من القصائد ما لا ينقضي العجب من حسن تعبيره عن طبائع الناس الثابتة وأهوائهم المستمرة.
وهل أكثر تأليفا للطالب من أن تكون مشاغله هو وأهله ومجتمعه وشعبه وأمته، هي مادة الكتاب المقرر؛ فيتمسك به تمسكه بعماد وجوده، ويلهج بمراجعته لهجه بترديد وصايا الأحباب!
أم هل أكثر تنفيرا للطالب من أن تنقطع علاقته هو وأهله ومجتمعه وشعبه وأمته، بمادة الكتاب؛ فيزهد فيه زهده فيما لا يعنيه، ويعرض عنه إعراضه عن أخبار الغرباء!
توظيف مصادر الأدب
وتوظيف مصادر الأدب في تدريس علم العروض وغيره من علوم اللغة العربية، باب كبير انقطعت لشرحه طويلا بمقال خاص، ولم أستحسن أن أُمرَّ هذا الموضع من غير أن أُذكّر به؛ فمن هذه المصادر يمتاح المؤلف ما يُحيي المقرر ويغنيه، ولاسيما أنها تشتمل مع القديم على الحديث، ومع البعيد على القريب.
الاستهانة بالإملاء والتشكيل والترقيم
إن ضبط النطق هو أساس التخريج العروضي؛ فإن الباحث عن عروض قصيدة جديدة، لا يملك غير لغتها؛ فهو يعتمد عليها وينفذ منها إلى العروض الكامن فيها، فإن اضطربت لغتها انسد عليه منفذه، وعيَّ بأمره!
وإن في الاستهانة بضبط نصوص كتاب المقرر من علم العروض إملاء وتشكيلا وترقيما ضبطا تاما، لغفلة واضحة عن منزلة ضبط النطق من التخريج العروضي، فكيف بالخطأ، أم كيف بكثرة الخطأ وغلبته!
وإذا كان علماء العروض استحسنوا في طلابه أن يكونوا ممن شَدَوْا قبلئذ شيئا من علوم العربية، فإنهم لو شهدوا هذا المقام لأوجبوا إيجابا أن يكون مؤلف كتاب المقرر من علم العروض، ممن أتقنوا علوم العربية كلها جميعا.
استعمال الكتابة العروضية
ولا أدري ما حاجة كتاب المقرر من علم العروض مع ضبط النطق السابق التنبيه عليه تنبيها شديدا، إلى ما يسمى الكتابة العروضية (إعادة كتابة بيت الشعر من تحت كتابته الأولى المعروفة، بإظهار كل منطوق -وإن اختفى من الكتابة المعروفة- وإخفاء كل متروك -وإن ظهر- وفك كل مدغم، حتى لتبدو الكتابة مثل أُحْجيّة الساحر)، إلا أن يريد مؤلفه خداع القراء عن جهله، بما يوهم العلم والدقة والحرص، وما هو منها في شيء!
إن العلم والدقة والحرص إنما هي في ضبط البيت إملاء وتشكيلا وترقيما ضبطا صحيحا تاما، فأما كتابته كتابة عروضية فمشغلة عن إتقان ضبطه، ثم هي لا حاجة معه إليها.





مشكلات تدريس علم العروض
(مشكلات الكتاب)
3
سوء ترتيب البحور
إن بين بعض بحور الشعر العربي وبعض من العلاقات التركيبية ما ينبغي أن يراعيه مؤلف كتاب المقرر من علم العروص حتى يستطيع أن يقنع بها طلابه ويتدرج بهم ويتقدم إلى غايته التي ينبغي أن تكون تمكينهم من إدراك أوزان الشعر العربي وقوافيه وتمييز بعضها من بعض حرصا على اكتمال أدوات تحليل الشعر العربي وتكاملها.
إنه إذا تكون بيت بحر الطويل من التفعيلتين اللتين تكون منهما بيتا بحري المتقارب والهزج، وبيت بحر البسيط من التفعيلتين اللتين تكون منهما بيتا بحري الرجز والمتدارك، وبحر المديد من التفعيلتين اللتين تكون منهما بيتا بحري الرمل والمتدارك… وهكذا؛ فإن من الأجدى تقديم كل بحرين مقردين تكون منهما بحر مركب، والتنبيه على ما يختص به المركب دون المفردين.
الاشتغال بتعديد الصور عن تخريج القصائد الكاملة
إن صور بحور الشعر بعدد الشعراء، وإن بعض صور البحر الواحد يدل على بعض ولاسيما الصورة المشهورة؛ فمن عرف البحر من خلال هذه الصورة استطاع أن يميزه مهما اختلفت صوره؛ فمن ثم كان الأولى أن ينصرف كتاب المقرر من علم العروض إلى تخريج القصائد الكاملة من مطلعها إلى مقطعها لا يخرم منها حرفا، فيدرب الطالب تدريبا كافيا، ويقفه على روح العروض المتلبسة بجسم القصيدة، لا أن يعدد عليه ما لا يحصى من صور البحر، يدعي بذلك العلم والدقة والحرص عبثا، وما هو منها في شيء!
عدم التنبيه على المتَشابهات والمشْتبهات
تتقارب بعض بحور الشعر العربي فتتشابه -ومنها: الطويل المخروم والكامل، والوافر المعصوب والهزج، والكامل المضمر والرجز، والسريع المكشوف العروض والضرب والرجز- وتكاد بعض المتشابهات تتطابق فتلتبس؛ فيحتاج الطالب إلى أن يطمئنه الكتاب فلا تطول حيرته فيعيا بأمره ويعرض إعراض اليائس. وليس أحب إلى الطلاب ولا أجذب لهم ولا أدل على إخلاصهم واجتهادهم ولا أنجح في المنافسة بينهم، من التنبيه على مثل هذه المتَشابهات والمشْتبهات!