من قواعد الدين والعلم المعتبرة لدى أهل السنة والجماعة : إقامة منهج الانتقاد على الإنصاف ، وهو منهج وسط بين الأخذ بالكلية ، والطرح بالكلية .
وأول شروطه التمكن ، والتثبت في نسبة القول المردود ، وتحرير دليل الرد على طريقة أهل العلم .
ومنها حمل القصد على أحسن وجوهه ، وطرح المساوئ ما أغنت عن ذكرها المحاسن ، فإذا اقتضى المقام تحذيرا مما لا يجوز السكوت عنه ، فلا يمنعنك ذكر المساوئ من ذكر المحاسن .
ومن أمثلة الإنصاف والعدل في الرد ما اشتمل عليه كتاب ( الانتصاف من الكشاف ) للإمام أحمد بن المنير الإسكندري ؛ حيث تتبع أخطاء الإمام الزمخشري في حمل معاني القرآن على أصول المعتزلة ، لكن ذلك لم يحمله على إخفاء محاسن هذا التفسير النفيس .
فقال تحت قول الإمام الزمخشري – يفسر قوله تعالى من سورة الأنعام « وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا » - :
( وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألزموا ما لا بد لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى عليه السلام ، وأدرج تحت الإلزام توبيخهم ، وأن نعى عليهم سوء جهلهم لكتابهم ، وتحريفهم ، وإبداء بعض ، وإخفاء بعض ) .
فقال تحته الإمام أحمد بن المنير : ( وهذا أيضا من دقة نظره في الكتاب العزيز ، والتعمق في آثار معادنه ، وإبراز محاسنه ) .