تجربتي مع القصة لأول مرة
عبد القادر عبد الحفيظ
(الظل)
غرفتي غرفة عادية ، إضائتها خفيفة ومربعة الشكل ولاشيء فيها لافت للنظر سوى عودي المعلق في صدرها
أصبحت غرفتي الخاصة عندما بدأ شاربي بالظهور ، أمي قالت لي حينها : (صار لازم تنام لحالك صرت رجال)
الليلة الأولى كانت طويلة ، ويوما يليه يوم بدأت أتأقلم وأتقن مهارة أن أكون وحيدا ، هكذا إلى أن جاء شتاء عام ألفين وباغتني كانون ، والكهرباء فيه تفارقنا دون وداع ، وفي ذلك الوقت لم تكن لدات الإضاءة منتشرة ، كنا نستخدم الشموع بكثرة والذي حدث ذلك اليوم ما زال يحيرني حتى يومي هذا
عندما أنرت شمعة ووضعتها في أعلى الرف الخشبي قرب عودي المعلق ، ارتسم ظل رجل عجوز ، منحني الظهر ، مدبر الظهر مشيحا برأسه نحوي، لقد أرعبني ذلك المشهد ، قلت ربما هو ظل العود ، وركضت مسرعا لأغير مكان الشمعة ، لكن الظل بقي كما هو بل أصبح رأسه يتوجه نحوي كلما اتجهت باتجاه مختلف ، امتلأت رعبا وهرعت إلى أمي التي سخرت مني عندما أخبرتها بذلك ، وبعد إصراري سايرتني وجاءت لترى ، لكنها لم تر شيئا ، كنت أقسم لها أن هذا ظل رجل عجوز وهي تقول لي : (حاج جنان)
لم أستطع النوم حينها وذهبت للنوم بالصالون ، فضولي كان يبعثني لأسترق النظر ، لقد أصبح ظل العجوز أكبر ، ظهره ازداد تقوسا وبدأت ملامحه تصبح أكثر وضوحا ، لم يصدقني أحد ، وبعد خصام كبير وجدل كثير سايرني أبي وبدل لي غرفتي بغرفة أخي لكي أتخلص من أوهامي ، تمت المبادلة وبدأت التأقلم ، وصرت أتجنب دخول تلك الغرفة،
هكذا إلى أن وقعت حرب سورية وتركنا منزلنا كحال معظم السوريين المهجرين ، وسارت الأعوام السبعة العجاف كسير سلحفاة فوق جهنم ، وحان الوقت الذي انتظرته كل تلك المدة
وقت زيارة منزلي ، خرجت منه شابا فتيا مليئا بالأمل والجنون وعدته زائرا متعبا حزينا عابر سبيل...
فضولي دفعني لدخول تلك الغرفة ؛ غرفة الظل ، نصحني صديقي الذي كان معي ألا أدخلها خوفا من وجود لغم أو مواد منفجرة، دخلتها دون خوف بل على العكس دخلتها شجاعا لأواجه الظل القديم الذي طالما أرعبتني فكرته ، شغلت ضوء هاتفي وحدقت طويلا فلم أجده ، وضعت الجوال على الرف ونظرت ولم أر شيئا وعندما هممت للخروج من الغرفة أشحت بوجهي لألقي عليها نظرة أخيرة ، نظرة على ذكرياتي المحطمة وأيامي الأجمل التي عشتها هناك ، لكني تفاجئت بشكل ظلي على الأرض ، كان ظلا غريبا يشبه ذلك الظل المرعب الذي في ذاكرتي ، صديقي رآه معي أيضا ، ظل رجل عجوز مشيح الوجه نحو الخلف، ظل رجل عجوز شاب ...