الرؤية الأمريكية لتشكيل الحكومة العراقية – تحليل سياسي
الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
من خلال متابعة الأحداث والتطورات التي مرت على العراق منذ احتلاله عام 2003 يتأكد أن هذا البلد يراد له أن يكون قاعدة مفصّلة وفق القياسات الأمريكية الإسرائيلية ومركز انطلاق للأنشطة الأمريكية في المنطقة العربية والشرق الأوسط فضـلا عن كونه يشكل قاعدة أمينة لحماية إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة ..
فالإجراءات والفعاليات التي نفذتها – ولا زالت تنفذها – قوات الاحتلال الأمريكي ، رغم الانسحاب المزعوم ، تؤكد بما لا يقبل الشك أن الأمريكان الذين يتدخلون في العملية السياسية الجارية في العراق وأسسوا لها نظاما طائفيا ، استنادا إلى إستراتيجيتهم الطرق على الجدران من أسفلها ، يريدون تشكيل حكومة تحقق لهم أهدافهم التي طالما كانوا يخططون لها منذ عقود طويلة ، وبعد أن فشلت سياستهم حتى الآن في تحقيق هذه الأهداف وفشل النظام الطائفي الذي أسسوا له والذي تسبب في خراب البلاد ودمارها وقتل أبنائها وتقسيمه إلى دويلات طائفية ابتدع الأمريكان لعبة جديدة يمكن استقراؤها من خلال تصريحاتهم وزيارات مسئوليهم المتكررة للعراق وكما سنلاحظ لاحقا ..
وقبل الدخول في تفصيلات هذه اللعبة لابد للمحلل أن يضع تصورا عن أسباب وخلفيات تعثر تشكيل الحكومة بعد ستة أشهر من الانتخابات وعن القوى المؤثرة في هذه العملية كي نكون على بينة من حقيقة ما يجري على الساحة العراقية ..
يعتقد الكثيرون أن أسباب هذا التعثر يعود إلى أسباب عراقية داخلية بحتة تتمثل في صراع القوى السياسية العراقية التي تمثل المكونات العراقية المختلفة على النفوذ وعلى الإستحواذ على المناصب السيادية ، إلا أن المتابعين للشأن العراقي لهم وجهة نظر أخرى ، فهم يرون – إضافة لما تقدم - أن هذا الصراع ليس صراعا داخليا فقط يمكن لهذه القوى احتوائه والتعامل معه برؤى ومواقف ذاتية بمعزل عن قوى ضغط خارجية وإرادات أجنبية لها أجندتها التي تريد فرضها على العراقيين انطلاقا من مصالحها الخاصة واستراتيجياتها التي ترسمها وفقا للأحداث والتطورات الجارية في العراق والمنطقة ، ومن ابرز هذه القوى الإدارة الأمريكية وإيران ، فالمعروف أن أمريكا وإيران تخوضان صراعا مريرا منذ عدة عقود ومنذ سقوط نظام الشاه الموالي للغرب وقيام الجمهورية الإسلامية التي رفعت شعارات الموت لأمريكا ولإسرائيل ، وأما ساحات هذا الصراع فتمتد من منطقة الخليج مرورا بالعراق ولبنان وسوريا وانتهاء بفلسطين..
ورغم معارضة إيران للغزو الأمريكي للعراق إلا أن مشاركتها القوات الأمريكية المحتلة الإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين قد أزاح ثقلا كبيرا عن كاهلها وهي الساعية لان تصبح قوة إقليمية كبيرة وبلا منازع أو مدافع ، والذي ساعدها في ذلك هو استحقاقاتها التي فرضتها مشاركتها في غزو العراق مما وضعت الأمريكان في موقف حرج كان من نتائجه نشوء صراع بين الجانبين قد يبدو خفيا للبعض لكنه في حقيقته هو الأخطر بالنسبة للشعب العراقي ومصيره ومستقبل أجياله وهو الأكثر إيلاما وقسوة عليه لأنه ما زال يدفع التضحيات الجسيمة من دم أبنائه وتدهور أوضاعه الاقتصادية والأمنية والخدمية حتى زج في نفق مظلم لا يعلم إلا الله متى يجد ضوءا في نهايته ..
إن وجود القوات الأمريكية في العراق وعلى حدود إيران قد دفع هذه الأخيرة لبذل كل ما في وسعها لإجهاض المشروع الأمريكي في العراق الذي اعتبرته أمريكا حجر الزاوية لمشروعها الكبير في منطقة الشرق الأوسط والقائم على إجراء تغيير ديمقراطي في دول المنطقة ، واستنادا إلى استحقاقها السياسي انف الذكر فقد سارعت إيران إلى ممارسة دور كبير في العراق معطية نفسها الحق في التدخل في الشأن السياسي العراقي طيلة السنوات الماضية وكذلك اليوم في تحديد شكل الحكومة القادمة ولأسـباب مختلفة ومنها أنها احتضنت عددا من القوى السياسية العراقية الحالية أيام معارضتها للنظام السابق وقدمت لها الدعم السياسي والمالي والعسكري وخاصة حزب الدعــوة الحاكم والمجلس الأعلى والتيار الصدري ..
وأما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فهي تعتقد بان لها اليد الطولى في العراق ولها كلمة الفصل فيه, فهي التي خاضت هذه الحرب رغم عدم وجود غطاء قانوني لها، وقد كلفها ذلك الكثير بدأ من خسائرها في الأرواح والأموال وانتهاء بخسائرها على الصعيد السياسي، ولما كانـت الولايات المتحدة( وحلفائها ) هي الراعية الأساسية للعملية السياسية الوليدة في العراق سواء عبر محاربتها ما أسمته الإرهاب أو عبر دعمها المنقطع النظير للقوى السياسية العراقية المختلفة والسعي للتوفيق بينها فهي لازالت تحتفظ بقوات وقواعد عسكرية كبيرة في العراق وتتمتع بنفوذ سياسي كبير في هذا البلد ولذا فهي تعطي لنفسها الحق في قول كلمة الفصل في تحديد شكل الحكومة المقبلة ..
هذا هو توصيف العملية السياسية التي تأسست قواعدها منذ الاحتلال وتشكيل مجلس الحكم المؤقت وعبر الحكومات المتعاقبة على النظام الطائفي واستبعاد أطياف مهمة من أبناء الشعب العراقي تحت حجج وذرائع غير مبررة وخلافا لما يزعمونه من أنهم يطبقون الديمقراطية ، فأي ديمقراطية هذه التي تستند على التمييز وإبعاد قوى وطنية مهمة والقتل على الهوية والتهجير والملاحقة والفساد والنهب والفساد وكل هذا يجري بعلم وتشجيع من قوات الاحتلال الأمريكي وهذا ما يعرفه كل العراقيون الذين لازالوا يعانون الأمرين من هذه السياسة ..
ومع دخول الصراع الأمريكي الإيراني في مرحلة حرجة في الآونة الأخيرة فقد ساعد هذا الأمر وإلى حد كبير في تعقيد المشهد السياسي العراقي حيث أضحى العراق ورقة في هذا الصراع كما هو عليه الحال في لبنان وفلسطين، فالولايات المتحدة تمكنت مؤخرا من إقناع مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يشدد العقوبات الدولية المفروضة على إيران على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل والذي تعتبره أمريكا ذي أغراض عسكرية فيما تصر إيران على طبيعته السلمية ، ولذا فإن الصراع بين الطرفين قد بلغ ذروته هذه الأيام وإن أي نجاح لأي من الطرفين في ساحات الصراع هذه سيكون على حساب الطرف الأخر، من هنا نجد أن أزمة تشكيل الحكومة في العراق هي في قلب الصراع الأمريكي الإيراني!
فالرؤية الأمريكية لشكل الحكومة القادمة وكما عبر عنها عدد من المسئولين الأمريكيين الذين زاروا العراق مؤخرا وكما رشح من أجواء المباحثات بين هؤلاء والكتل السياسية العراقية تشير إلى رغبة أمريكية في رؤية تحالف بين دولة القانون والعراقية يكون نواة لتشكيل الحكومة الجديدة ، وأما إيران فتسعى لعقد تحالف بين دولة القانون والائتلاف الوطني يكون نواة للحكومة المقبلة، غير أن كلا الموقفين الأمريكي والإيراني يصطدم بعقبات داخلية، فالمشروع الأمريكي يصطدم بعقدة منصب رئيس الوزراء..
فرئيس الوزراء الحالي ليست لديه رغبة بالتنازل عن منصبه وهو يرفض الاعتراف بحق قائمة العراقية الدستوري – التي يترأسها أياد علاوي - الذي تعتبره خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، وأمام هذه المواقف المتباعدة لا تمتلك الولايات المتحدة حلولا واضحة لهذه العقدة ، حتى الآن ، وهو الأمر الذي يفسر طلب الرئيس الأمريكي من المرجع السيستاني التدخل لحل الأزمة الأمر الذي يؤشر على عجز أمريكي كما أشار لذلك النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان..
من ناحية أخرى فإن نجاح أمريكا في التوفيق بين الطرفين ستعتبره إيران تحجيما لها وبالتالي فإن ردة الفعل الإيرانية لا يمكن التكهن بمدى خطورتها على الوضع العراقي خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار انسحاب القوات الأمريكية خلال الفترة القادمة ، وان كنا نشك كثيرا في حقيقة هذا الانسحاب لان ما سيبقى في العراق عشرات القواعد العسكرية الأمريكية وأكثر من خمسين ألف جندي مجهزين بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة من دبابات وطائرات ومدافع وطائرات سمتية وصواريخ .. الخ ستكون جاهزة للتدخل في الشأن العراقي متى ما وجدت أمريكا أن مصالحها في العراق والمنطقة مهددة بالخطر ..
وأما الرؤية الإيرانية فهي الأخرى تواجهها عقبة رئاسة الوزراء ، فقوى الائتلاف الوطني العراقي أجمعت على رفض ترشيح المالكي لولاية ثانية الأمر الذي أوصل التحالف الشكلي الذي أعلن بين كتلتي دولة القاون والوطني إلى طريق مسدود ولربما سنشهد خلال الأيام القادمة دخول هذا التحالف في مأزق كبير ..
هكذا تكون العقبة الرئيسية أمام نجاح كلا المشروعين هي تمسك رئيس الوزراء العراقي الحالي بترشيحه ، فسحب المالكي لترشيحه وتقديم كتلته لمرشح أخر سيفتح الباب على مصراعيه لقيام تحالف حقيقي بين الائتلاف الوطني ودولة القانون مما يعطي دفعة قوية للرؤية الإيرانية لشكل الحكومة المقبلة وسيدفع إيران لممارسة نفوذها لإنجاح هذا التحالف ، لكن ان انسحاب المالكي من السباق وتسليم كتلته بحق العراقية الدستوري سينعش آمال المشروع الأمريكي في النجاح..
وأمام هذا الواقع فلا تبدو أن هناك فرصة تشير إلى نجاح أي من المشروعين الأمريكي والإيراني – وحسب المحلل السياسي ساهر عريبي - ستبقى الأزمة الحكومية تراوح في مكانها بانتظار توافق أمريكي إيراني ، غير أن هذا التوافق مرهون بتوافق اكبر بين الطرفين على العديد من الملفات العالقة بين البلدين وأهمها البرنامج النووي الإيراني الذي تسعى إيران إلى انتزاع اعتراف دولي به فيما تريد الولايات المتحدة تطويقه معتبرة إياه تهديدا للسلم والأمن العالميين. ولقد شهدت الآونة الأخيرة العديد من التطورات التي تشير إلى تصعيد بين الطرفين حول هذا الملف الحساس.
وإزاء هذه التطورات والتعقيدات فإن الولايات المتحدة قد تكون بحاجة إلى تفاهم مع إيران حول العديد من الملفات العالقة بينهما ، ولا يبدو أن إيران مستعدة لتقديم تنازلات لأمريكا في العراق بعد أن نجحت الأخيرة في تشديد العقوبات الدولية على إيران ، لذلك تبدو الورقة العراقية هي الورقة الرابحة اليوم بيد إيران التي ستسعى لتسجيل انتصار فيها على الإرادة الأمريكية ولو جزئيا أو كليا كرد على الخطوة الأمريكية في مجلس الأمن وهذا ما تحاول الولايات المتحدة تفاديه بعد أن بات أن تحقيق نصر على إيران في العراق صعب المنال ، لظروف تتعلق بالوضع العراقي وقد ظهر ذلك جليا في خطاب الرئيس اوباما مؤخرا والذي دعا فيه إيران إلى الحوار مع بلاده على خلفية الدعوات التي وجهها الرئيس الإيراني أحمد أحمدي نجاد لأجراء حوار مباشر مع الرئيس اوباما..
واستنادا لما تقدم فان التهدئة ( أو الحل الوسط ) يبدو هو الحل الأقرب للقبول بين أطراف المعادلة السياسية العراقية داخليا وخارجيا ولذا فإن هذا الحل يتمثل بتشكيل حكومة شراكة وفق القياسات الأمريكية ، ومن تحليل الأحداث ومعطياتها التي اشرنا إليها آنفا تبدو هناك عوامل ثلاثة رئيسية تؤثر على تشكيل الحكومة المقبلة هي :
1 .المحافظة على استقلال العراق وسياسته وأمنه القومي ...
2 . زيادة قوة العراق ، وتشكيل مجلس امن قومي لا يرتبط برئيس الوزراء ( هذا الموضوع سنفرد له مقالة خاصة أن شاء الله ) ..
3 . تطوير المستوى الاقتصادي للعراق ..
على هذا الأساس فان الرؤية الأمريكية لشكل الحكومة العراقية المقبلة قد يبنى على الهيكلية الآتية ( وان كانت هذه الهيكلية قابلة للنقاش والحوار ) :
1. تفعيل التوجه العربي للعراق : أي أن الأمريكان وجدوا خلال الفترة السابقة ضعفا في علاقات العراق العربية وطبعا هذا لا يخدم إستراتيجيتهم ومصالحهم لذلك سيعملون على زيادة التوجه العراقي نحو الأقطار العربية والإقليمية ودول العالم المختلفة باعتبار العراق بلدا عربيا فاعلا في الساحتين العربية والإقليمية وله دور مرسوم في الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية لا يمكن التخلي عنه ، أي أنهم في مسعاهم هذا ليس حبا بالعراق بقدر ما هي لعبتهم الجديدة ومصالحهم التي تتطلب أحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يريد الأمريكان والإسرائيليون أن يلعب العراق فيه دورا فاعلا من خلال عناصر المشروع الشرق أوسطي الجديد وهي ( المياه والتكنولوجيا والعمالة والأموال ) وهي عناصر وكونات يمتلكها العراق ، ويرى الأمريكان أن كتلة العراقية هي الأكثر إمكانية للعب هذا الدور ومنحها وزارة الخارجية مع عدد من الوزارات والمناصب التي تخدم هذا الاتجاه ..
2 . التوجه نحو تعزيز الداخل العراقي : هناك محللون يرون أن دولة القانون هي الأكثر قدرة على لعب هذا الدور من خلال خبرتها السابقة وأنها قادرة على تحقيق التوازن في السياسة الداخلية وتحقيق الأمن والاستقرار لعموم العراقيين ، وهذا يفسر حرص الأمريكان على أن يكون هناك تحالفا بين العراقية ودولة القانون ..
3 . الجانب الاقتصادي : وهو تنشيط فعاليات الخدمات واستغلال قدرات العراقية الزراعية والصناعية والمالية والاقتصادية في رفد حركة التقدم والتطور للمجتمع العراقي والانفتاح على العالم وخاصة دول الجوار وإبقاء الباب مفتوحا معها لزيادة حركة التجارة والتعاون في كل المجالات ويرى متابعون أن الأمريكان يرغبون بتولي الائتلاف الوطني هذه المسؤولية خاصة إذا تعرضت إيران للمزيد من العقوبات فان غاية الأمريكان هي فتح منفذ للإيرانيين بدل مواصلة الحصار عليهم لأسباب يقدرونها أنها تخدم استراتيجيهم في التعامل مع إيران ، وهو ما يتوافق مع الرؤية الإيرانية لإقامة تحالف بين دولة القانون والائتلاف الوطني ..
4 . استقلالية مجلس الأمن القومي .. هناك رغبة لدى الأمريكان بعدم ربط هذه المنظومة الأمنية المهمة والحساسة في صناعة القرار العراقي برئيس الوزراء وهم يفضلونها مستقلة أو ترتبط برئيس الجمهورية كي يسهل عليهم التدخل في مسائل الأمن القومي العراقي والقرارات الإستراتيجية المهمة والخطيرة ..
وخلال كتابتنا لهذا التحليل طرأت أمور لها علاقة بموضوعنا منها نفي المتحدث باسم القائمة العراقية حيدر الملا أن يكون الوفد الأميركي الذي زار بغداد مؤخرا برئاسة جيفري فيلتمان معاون وزيرة الخارجية الأميركية قد حمل ( تصورات جديدة) بشأن تشكيل الحكومة، في وقت أكد عضو ائتلاف دولة القانون خالد الاسدي أن الرؤية الأميركية لشكل الحكومة تقوم على ( بقاء رئيس الوزراء نوري المالكي و جلال طالباني في منصبيهما لدورة جديدة، مع توسيع صلاحيات المجلس السياسي للأمن الوطني وتكليف زعيم القائمة العراقية إياد علاوي برئاسته) .
مراجع تم الاستفادة منها
1 . ساهر عريبي ، بانتظار توافق أمريكي إيراني ، على الرابط