يغفر الله لي



ربِّ : إنِّي أسائلُ النَّفسَ حيناً :
هلْ أنا مَيِّتٌ و ما زلْتُ حَيّا ؟

وبأنِّي أقضي قِصاصَ حياةٍ
عشتها قبل أن أموت وأحيا

لأعاني (عنْ سالفِ العمرِ) ما أقـْ
ـدَمْتُ فيهِ مِنَ الحَماقةِ غَيّا

أم تُراني (وقدْ عجِزْتُ عن العَدِّ) :
أسيراً في قيدِهِ ، مَنْسِيّا .؟

ليسَ شَكّاً بِما قضَيتَ ، ولكنْ :
ضاقَ عقلي بما أراهُ ، رُجِيّا !(1)

***


ما لِزهْرِ الرِّياضِ يعبِقُ ( إنْ يأ
تي الرَّبيعُ الخضيلُ ) : طيباً زكيّا

يمسح الأرض بالفتون وبالعطـ
رِ ، و يُغْني الحَياةَ بَوحاً ورِيّا(2)

ثم يَذْوي (إذا الخريفُ تراءى)
فتَرى الزَّهرَ يابِساً مَرْمِيَّا

تسْرقُ الرِّيحُ عِطرَه ، ثمّ تَهوي
ببقـــاياهُ للتُّـــرابِ هَــوِيّا

***



ويحَ نفسي ، أبعدَ هَذا التَّغَنّي
سَوفَ يَطْوي الزَّمانُ عَهْديَ طَيّا

وأُوارَى مُطَوَّقا ، يَلجِمُني المو
تُ ، كأنّي ما كنْتُ في العُمْرِ شَيّا

قصصُ الحُبِّ تستحيلُ رَماداً
، وصَدى صوتيَ الأجشِّ خَفِيّا

وتَصيرُ الأقمارُ (ساجيةُ الطلـْ
ـعِ) : خُسوفاً مِنَ الظَّلامِ دَجِيّا

و يَصيرُ الحادي كأنْ لمْ يكنْ طيـ
راً يرودُ الـأفياء بَوحاً شَذِيّا

وأجيجي في الصَّدرِ يُنثَرُ في الرِّيـ
ـحِ هُباباً ، و لَهْبـُـهُ مَطْفِيّا

***



أينَ منِّي الغِرِّيدُ يصْدَحُ بالحُبِّ
، و يختالُ في الدُّروبِ حَيِيّا

اين منِّي ذاكَ الذي كنتُه بالـ
ـأمـسِ : بَوحاَ وصُحْبَةً ومُحَيّا

أينَ منِّي قصائدُ البَوحِ ، والأيـّ
ـامُ تَطْوي صَحائفَ العمْرِ طَيّا

أينَ ماضِيَّ ؟ أينَ أصْحابُ ، كنّا
فيهِ نَحْسو حُلْوَ السُّلافِ سَوِيّا؟

أين أمْسَتْ رفيقةُ العمْرِ ( مجو
دٌ) ؟وأين انتهتْ لَما و ثُريّا؟

***



من عِثارِ الحَياةِ : كنتُ أمَنِّي الـ
ـقلبَ دَوماً : أنِّي أعودُ صَبِيّا

لرَبيعٍ قطفْتُ من أجملِ القطـْ
ـفِ ، وجُبْتُ الحياةَ فيه حَلِيّا(3)

فأُدَاني ( إذا استَطعْتُ ) زَماناً ،
كنْتُ أغْزوهُ : مارداً أنسِيّا

وأُساقيهِ من عُيونِ قصيدي ،
وأُغيدُ الغَرامَ فيه هَنِيّا

و لِداتُ الحسْنِ الأثيلِ يُثِرْنَ الـ
القلبَ : عِطْراً من البَهاءِ و رَيّا(4)

فتَراهُنَّ يرتَجِلنَ منَ الأشْــ
ـعارِ نَظْماً من الغَرامِ رَخِيّا(5)

هكذا عِلَّةُ المَشيبِ ، يُخَلِّي الـ
التَوقَ للأمْسِ حافِزاً أبَدِيّا

إنَّما تصْدُمُ الفُؤادَ خَوافٍ
من شُرورِ الدُّنا ، فأقْنَعُ عَيّا(6)

***



لو تَأمَلْتَ الكونَ والخَلْقَ يَوماً
أو تَفَكّرتَ في الوجودِ مَلِيّا

راعَك النَّظْمُ في الطَّبيعةِ والأفْـ
لاكِ في الكَونِ ( دانِياً وقَصِيّا)

و دَهاكَ البَديعُ في سِرِّنا الزَّا
هي : بهيّا كما الرَّبيعُ ، بَهِيّا

لسْتُ أُفْضي بالسِّرِّ للنَّاس ، هَلْ في
نِعَــــمِ الله مايَظـَـلَّ خَفِيـّا؟

***



لنْ تُعيدَ الحياةَ للعمرِ ذِكرى
ما أقامَتْ بهِ هَدى و لُمَيّا

برزخٌ هذِهِ الحَياةُ ، يَعيشُ الـ
المرءُ فيها حياتَهُ يَتَهَيّا

فادعِ لي من المَثوبةِ غُفرا
ناً وعَفْواً من الرّحيمِ علِيّا

واسْكبي العِطرَ فوقَ جيديَ أطيا
باً ( تثيرُ الشُّجونَ ) : سَكْباً سَخِيّا

واجمعيني بثائرِ الشِّعْرِ إنِّي
أشتهي البَوحَ : مُدْنَفاً مُضَرِيّا

فمِنَ النَّظمِ ما يُباحُ ليَحكي
سيرةَ الحبِّ بَكْرَةً وعَشِيّا

***



(ربِّ إنِّي آمَنْتُ بالحقِّ ، والإسْـ
ـلامِ ديناً وبالحبيبِ نبيَّا)

أنـتَ أدْرىَ بِما أُسِرُّ ، وما أسْـ
ـرَفْتُ عُمْري ، وما فعَلْتُ فتِيّا

فاعْفُ عَنِّي واسْتُرْ مَخازِيَ أيَّا
مي ، فإنِّي ما لي سِواكَ وَلِيّا

واغفرِ اللهمَّ مِنَ الفِعلِ ما أو
تيتُه غافِلَ الضَّميرِ عَتِيّا

***



تلكَ أيَّامُ غفلةٍ . أسأل الرحـ
ـمن فيها أن لا أصارَ شقيَّا

وَ يُثيبَ العزيزُ صالحَ أعْما
لي بأجْرٍ من العَطاءِ ثَريّا

أتَرَجّى مِنْهُ الجِنانَ مَلاذاً
و بآلاءِ فَضْلِهِ أتَفَيّا


***


ماجد الملاذي

1- اُرتِجَ عليه الأمر
2- المَنْظَرُ الحَسَنُ
3- الحلو في العين والفم
4- الريح الطّيّبة
5- سَعَةُ العَيْشِ‏
6- راضياً بالأمر