المصدر : ليال حسن 13/03/2009
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعييقدّم مجمّع دمّر الثقافي حالياً، وتحت رعاية وزارة الثقافة والمجلس الثقافي البريطاني مسرحية بعنوان «دمشق» من تأليف الكاتب الاسكتلندي ديفيد كريغ، وإخراج فيليب هاورد. يقدّم كريغ في مسرحيته حكايةً مثيرةً للجدل بطلها «بول» الزائر الاسكتلندي، مؤلف مناهج عالمية لتعليم اللغة الإنكليزية، الذي يأتي إلى دمشق ليناقش في مؤسساتنا إمكانيّة تدريس كتبه لطلابنا السوريين،
وهنا يصطدم بإيديولوجيا نقيضة للغرب من خلال "منى"، الفلسطينية المقيمة في دمشق، والتي تطلب منه تعديل مسائل ترفضها ثقافياً في المنهاج، مثال ذلك، استعداد إحدى شخصيات الكتاب اللطيفة للهجرة إلى إسرائيل بكلّ حبور، أو إبراز النساء المنقّبات من العائلات الشديدة التديّن في دمشق كشخصيات كاريزمية ذات آراء حاذقة مما يشجع التطرف ويعيق سعي المرأة للتحرر كما ترى.. وهنا تبدو "منى" ذات عقلية متحجّرة برأي الاسكتلندي، لكنها تلين بعد الاطلاع على آراء بول في التسامح والانفتاح على الآخر، أي الفكر "السامي" بكلمات أخرى .. شخصية ثانية هي الشاب "زكريا" الذي يعمل في مكتب الاستقبال في الفندق الذي ينزل بول فيه. طموح زكريا الأقصى هو الزواج من أجنبية للهجرة وبعد رفضه الأجنبيات اللواتي ينظرن إليه بسخرية أو شفقة، وبعد أن يكتب سيرة حياته ويطلب من بول أن يبيعها في هوليوود، وبعد أن يتملص بول من الموضوع، ينتهي يأس زكريا ووحدته و نبذه من الأوروبيات بالانتحار.. الأمر السلبي في المسرحية، عدا بساطة الديكور الواقعي البحت، وجموده ككتل متيبسة تقتل المَسرحة في السينوغرافيا، هو حصر الشباب السوري في عيّنة جاهلة بائسة من مثل زكريا، فلدينا شباب طموح مثقّف وله مشروع شخصي يسعى لإنجازه، ولا يفكر في الانتحار، لأنّ الغرب لم يعترف به جنسياً أو سينمائياً، في المقابل زكريا شخصية حقيقية فاشلة دراسياً ومهنياً تلاحق الأوروبيات طمعاً بالجنسية الذهبية، وهي موجودة بكثرة، ولا يستطيع أحد المتحمسين، والمفرطين في وطنيتهم في بلادنا، قول العكس.
أمر آخر هو أنّ "منى" ذات المبادىء القائمة على معاناتها الشخصية، معاناة الشعب الفلسطيني بأسره، المقتول أو المهجّر أو المحاصر بلا ماء أو كهرباء، وبلا تعليم أو طبابة في سيرورة أقرب إلى تطوّر معاناة الهنود الحمر في ظلّ النظام الأمريكي منذ القرن الثامن عشر، تتراجع عن أفكارها ببساطة، و تخضع لغسل دماغ مارسته كلمات بول المبشرة بالمحبّة والتسامح مع القاتل، وتتوصل في النهاية إلى الوقوع في غرامه!! هذه النقاط السامة تثير الحنق في العرض، لكن المثير للسخرية أن بعض المشاهدين من الجمهور شعروا بالإهانة ووجهوا كلمات قاسية إلى المخرج بسبب قول "بول" إنه فقد حاسة الشم بعد وصوله إلى دمشق "فرائحة البول تطغى على رائحة الياسمين"، و تصوير زكريا كمصاب بعقدة جنسية،