ما هي وظائف الجسم النوراني في حياتنا ؟
الجسم النوراني هو الذي يحوِّل الاهتزازات الآتية من المستوى المادي بواسطة الحواس ، إلى أحاسيس ومشاعر. فهذه الاهتزازات تنتقل إلى الدماغ المادي عن طريق الجهاز العصبي؛ ومن الدماغ المادي تنعكس على الدماغ الأثيري ، ومنه إلى مراكز الجسم النوراني المطابقة لمراكز الدماغ ، حيث تظهر على شكل أحاسيس . وبعد ذلك يقدِّر فيما إذا كانت هذه الأحاسيس ممتعة ومستحبة أو غير مستحبة ؛ حيث يحولها إلى مشاعر وعواطف . وأخيرًا يتبنى الجسم النوراني ، تحت تأثير العقل، أو تحت تأثير الذاكرة ، تكرار هذه الأحاسيس المستحبة وعدم تكرار الأحاسيس غير المستحبة . وبسبب "ولادة" هذه الرغبة ، يكون من الصعب فصل الجسم النوراني عن الجسم العقلي الأدنى . ولكننا سندرسهما كلاً على حدة ، بشرط أن نرسخ في فكرنا أن التشكيلات الأربعة للشخصية (المادي ، الأثيري ، النوراني ، العقلي الأدنى) يؤثر كل منها في الآخر باستمرار .
بعد أن عرفنا دور الجسم النوراني ، سندخل في الجزء الأهم ، ألا وهو السيطرة على هذا الجسم وكيفية تطهيره وتنقيته ليصبح أكثر فعالية في حياتنا اليومية .
من خلال ما ورد في دراستنا للجسم المادي رأينا إلى أية درجة نتماهى مع هذا الجسم ونتطابق بينه وبين هويتنا الحقيقية . وقد أدركنا ضرورة تصحيح نظرتنا إلى نظرة جديدة عند اكتشافنا أن الجسم المادي ليس "نحن"، أو الذات الإلهية فينا ، بل هو الغلاف الخارجي ، لا أكثر ولا أقل ، يعمل على مستوياته بحسب الوظيفة المحددة له . كذلك في دراستنا للجسم النوراني ، سندرك أننا لسنا هذا الجسم النوراني ، ولا ينبغي علينا بالتالي التماهي معه ومعاملته وكأنه "الذات الإلهية" فينا .
لنحاول استيعاب فكرة أن المجتمع الإنساني يهتم بالثقافة المادية والفكرية ، وإن كان بطريقة مثالية ؛ ولكنهما تبقيان في دائرة اهتمامه القصوى ؛ ونادرًا ما نجد ذاك الإنسان الذي يتكلم عن الثقافة "العاطفية" وعن التربية على المستوى "العاطفي". ولهذا السبب نتماهى كليًا مع عواطفنا ومشاعرنا . ونحن لم نتعلم بعد أن نخطو خطوة إلى الوراء وننظر إلى الجسم النوراني من حيث كونه أداة خارجية عنا لا أكثر . وتعود الصعوبة في إدراك هذه الحقيقة في أننا لا نرى إلا السطح الخارجي الظاهر لـ"جبل الجليد"، في حين يظل الجزء الآخر (الأضخم بكثير) من الجبل في اللاوعي ، في محيط اللاوعي . فاللاوعي "هو الملجأ لكل ما هو مرفوض أو غير مرغوب". علينا أن ندرك بأننا نقضي معظم حياتنا في الرفض : رفض الأحاسيس غير المستحبة ، رفض الألم ، رفض ما ندعوه بالهفوات والأخطاء ، رفض كل ما نعتبره سلبيًا .. إلخ . وكل هذا يغذي لاوعينا ، وبالتالي يُبقي الجسم النوراني مجهولاً بالنسبة إلينا ، بحيث تزداد الصعوبة في السيطرة عليه لجعله أكثر نقاوة وشفافية .
الوظيفة الأولى للجسم النوراني – هي تحويل الاهتزازات إلى أحاسيس – تحدث تلقائيًا بدون تدخل العقل ؛ فالجسم النوراني لا يسبب مشكلات في وظيفته هذه . المشكلات تبدأ مع وظيفته الثانية التي تبدأ بتصنيف الأحاسيس إلى ملذوذة وغير ملذوذة ، أي يبدأ بـ"الحكم" عليها . وفي وظيفته الثالثة ، يضيف إلى هذا الحكم الرغبة في استرجاع الأحاسيس الملذوذة ونبذ الأحاسيس غير الملذوذة . فالمشاكل تبدأ إذًا مع التقويمات العقلية الثنوية : ملذوذ/غير ملذوذ، إيجابي/سلبي، فضيلة/رذيلة ، التي هي أساس كل التعارضات والتناقضات التي يجب الخلاص منها لنتحرر من سيطرة الرغبات وإنهاء نزاع العواطف والمشاعر التي تتصارع في داخلنا .
عن الأستاذ : عوني الحوراني