أمر عوف بن لؤي ونقلته
قال ابن إسحاق وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش ، حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبطئ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان - ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان - فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه فشاع نسبه في بني ذبيان . وثعلبة - فيما يزعمون - الذي يقول لعوف حين أبطئ به فتركه قومه
احبس على ابن لؤي جملك
تركك القوم ولا مترك لك
مكانة مرة ونسبه وسادات مرة
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أن عمر بن الخطاب قال لو كنت مدعيا حيا من العرب ، أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف ، إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني : عوف بن لؤي .
قال ابن إسحاق : فهو في نسب غطفان : مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وهم يقولون إذا ذكر لهم هذا النسب ما ننكره وما نجحده وإنه لأحب النسب إلينا .
وقال الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع - قال ابن هشام : أحد بني مرة بن عوف حين هرب من النعمان بن المنذر ، فلحق بقريش
فما قومي بثعلبة بن سعد
ولا بفزارة الشعر الرقابا
وقومي - إن سألت - بنو لؤي
بمكة علموا مضر الضرابا
سفهنا باتباع نبي بغيض
وترك الأقربين لنا انتسابا
سفاهة مخلف لما تروى
هراق الماء واتبع السرابا
فلو - طووعت - عمرك - كنت فيهم
وما ألفيت أنتجع السحابا
وخش رواحة القرشي رحلي
بناجية ولم يطلب ثوابا
قال ابن هشام : هذا ما أنشدني أبو عبيدة منها .
قال ابن إسحاق : فقال [ أبو زيد ] الحصين بن الحمام [ بن ربيعة ] المري ثم أحد بني سهم بن مرة يرد على الحارث بن ظالم ، وينتمي إلى غطفان :
ألا لستم منا ، ولسنا إليكم
برئنا إليكم من لؤي بن غالب
أقمنا على عز الحجاز وأنتم
بمعتلج البطحاء بين الأخاشب
يعني : قريشا . ثم ندم الحصين على ما قال وعرف ما قال الحارث بن ظالم ، فانتمى إلى قريش ، وأكذب نفسه فقال
ندمت على قول مضى كنت قلته
تبينت فيه أنه قول كاذب
فليت لساني كان نصفين منهما
بكيم ونصف عند مجرى الكواكب
أبونا كناني بمكة قبره
بمعتلج البطحاء بين الأخاشب
لنا الربع من بيت الحرام وراثة
وربع البطاح عند دار ابن حاطب
أي أن بني لؤي كانوا أربعة كعبا ، وعامرا ، وسامة وعوفا .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجال من بني مرة إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم ، فارجعوا إليه .
قال ابن إسحاق : وكان القوم أشرافا في غطفان ، هم سادتهم وقادتهم . منهم هرم بن سنان بن أبي حارثة وخارجة بن سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف ، والحصين بن الحمام ، وهاشم بن حرملة الذي يقول له القائل
أحيا أباه هاشم بن حرمله
يوم الهباءات ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغربله
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات لعامر الخصفي خصفة بن قيس بن عيلان
أحيا أباه هاشم بن حرمله
يوم الهباءات ويوم اليعمله
ترى الملوك عنده مغربله
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
ورمحه للوالدات مثكله
وحدثني أن هاشما قال لعامر قل في بيتا جيدا أثبك عليه فقال عامر البيت الأول فلم يعجب هاشما ، ثم قال الثاني ، فلم يعجبه ثم قال الثالث فلم يعجبه فلما قال الرابع
يقتل ذا الذنب
ومن لا ذنب له
أعجبه فأثابه عليه .
قال ابن هشام : وذلك الذي أراد الكميت بن زيد بن الأخنس الأسدي في قوله
وهاشم مرة المفني ملوكا
بلا ذنب إليه ومذنبينا
وهذا البيت في قصيدة له .
وقول عامر يوم الهباءات . عن غير أبي عبيد .
قال ابن إسحاق قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلها ، فأقاموا على نسبهم وفيهم كان البسل .
--------------------------------------------------------------------------------
وذكر شعر الحارث بن ظالم . وقوله سفاهة مخلف وهو المستقي [ للماء ] ، وفيه لم يذكر
لعمرك إنني لأحب كعبا
وسامة إخوتي حبي الشرابا
وقوله وخش رواحة القرشي رحلي بناجية . أي بناقة سريعة يقال خش السهم بالريش إذا راشه به فأراد راشني وأصلح رحلي بناجية ولم يطلب ثوابا بمدحه بذلك . ورواحة هذا : هو رواحة بن منقذ بن معيص بن عامر كان قد ربع في الجاهلية أي رأس وأخذ المرباع .
وقوله لو طووعت عمرك كنت فيهم ونصب عمرك على الظرف .
وقوله وما ألفيت أنتجع السحابا . أي كانوا يغنونني بسيبهم ومعروفهم عن انتجاع السحاب وارتياد المراعي في البلاد .
وقول الحصين بمعتلج البطحاء : أي حيث تعتلج السيول والاعتلاج عمل بقوة قال الشاعر
لو قلت للسيل دع طريقك وال
سيل كمثل الهضاب يعتلج
وفي الحديث إنكما علجان فعالجا عن دينكما ، وفي الحديث إن الدعاء ليلقى البلاء نازلا من السماء فيعتلجان إلى يوم القيامة أي يتدافعان بقوة .
وقوله لنا الربع بضم الراء يريد أن بني لؤي كانوا أربعة أحدهم أبوهم وهو عوف وبنو لؤي هم أهل الحرم ، ولهم وراثة البيت . والأخاشب : جبال مكة ، وقد يقال لكل جبل أخشب أنشد أبو عبيد :
كأن فوق منكبيه أخشبا
وذكر خارجة بن سنان الذي تزعم قيس أن الجن اختطفته لتستفحله نساءها لبراعته ونجدته ونجابة نسله وقد قدمت بنته على عمر فقال لها : ما كان أبوك أعطى زهيرا حين مدحه فقالت أعطاه مالا ورقيقا وأثاثا أفناه الدهر فقال لكن ما أعطاكم زهير لم يفنه الدهر وكان خارجة بقيرا أمرت أمه عند موتها أن يبقر بطنها عنه ففعلوا فخرج حيا ، فسمي خارجة ويقال للبقير خشعة قال الحطيئة يعني خارجة بن سنان
لقد علمت خيل ابن خشعة أنها
متى ما يكن يوما جلاد تجالد
وقول عامر ترى الملوك حوله مغربله . قيل معناه منتفخة وذكروا أنه يقال غربل القتيل إذا انتفخ وهذا غير معروف وإن كان أبو عبيد قد ذكره في الغريب المصنف وأيضا : فإن الرواية بفتح الباء مغربلة وقال بعضهم معناه يتخير الملوك فيقتلهم والذي أراه في ذلك أنه يريد بالغربلة استقصاءهم وتتبعهم كما قال مكحول الدمشقي : ودخلت الشام ، فغربلتها غربلة حتى لم أدع علما إلا حويته ، في كل ذلك أسأل عن البقل .
وذكر الحديث فمعنى هذا : التتبع والاستقصاء وكأنه من غربلت الطعام . إذا تتبعته بالاستخراج حتى لا تبقى إلا الحثالة . وقوله
يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
إنما أعجب هاشما هذا البيت لأنه وصفه فيه بالعز والامتناع وأنه لا يخاف حاكما يعدي عليه ولا ترة من طالب ثأر . وهاشم بن حرملة هذا هو جد منظور بن زبان بن يسار الذي كانت بنته زجلة عند ابن الزبير فهو جد منظور لأمه واسمها : قهطم بنت هاشم . كانت قهطم قد حملت بمنظور أربع سنين وولدته بأضراسه فسمي منظورا لطول انتظارهم إياه وفي زبان بن سيار والد منظور يقول الحطيئة
وفي آل زبان بن سيار فتية
يرون ثنايا المجد سهلا صعابها
ولم يصرف سيارا لما سنذكره بعد - إن شاء الله .
مزينة
وذكر زهيرا ونسبه إلى مزينة ، وهم بنو عثمان بن عمرو بن الأطم بن أد بن طابخة . قال حسان بن ثابت :
فإنك خير عثمان بن عمرو
وأسناها إذا ذكر السناء
يمدح رجلا من مزينة ، ومزينة : أمهم وهي بنت كلب بن وبرة وأختها : الحوأب بنت كلب التي يعرف بها ماء الحوأب المذكور في حديث عائشة أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب .