مشاهد من مناسك الحج / غالب الغول
بسم الله الرحمن الرحيم , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين , وبعد
لم أجد في حياتي سفراً أفضل من شد الرحال إلى البيت الحرام , محرماً بالعمرة من الميقات ( بيار علي ) . ثم نية الإحرام للحج من مكة المكرمة , متمتعاً ومستمتعاً بمحظورات الإحرام بين العمرة والحج , ألبس ما أشاء , وأتطيب كما أشاء إلى اليوم الثامن من ذي الحجة لأبدأ بعد ذلك بنية الإحرام إلى الحج .
قال تعالى ( َولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )
وصلنا المدينة المنورة ومكثنا بها ثلاثة أيام متتالية في العبادة والخشوع وتقديم الطاعات لله سبحانة ,
,من يدخل المدينة يشعر براحة البال واطمئنان النفس , ويشعر أيضاً بإيمان أهلها وصدق معاملاتهم وصفاء قلوبهم وطهارة أرواحهم فيها هدوء وسكينة, فهي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم , وقد انتشر الإسلام فيها أولاً وسيعود إليها بعد فساد القرى , لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ( إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا ) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ودعا النبي لأهل المدينة أن يرزقها قائلاً: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومُدِّه )) تلك المدينة التي تنير بنور الله ونور نبي الله , فهي طيبة , وقد طيبها رسولنا الكريم ,
وقال رسولنا الكريم :
(من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا بخير يتعلمه أو يعلمه، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل جاء ينظر إلى متاع غيره )
وفيها قبر رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام , وقبر أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب , وفيها مهبط الوحي , وجدار حجرة السيدة عائشة ,وبيت السيدة فاطمة الزهراء , وغيرها .
ثم توجهنا إلى مكة المكرمة بعد الإحرام من الميقات بنية العمرة والتمتع إلى الحج , وما أن وصلنا البيت الحرام إذ بالمرشد يرشدنا بأداء مناسك العمرة وهو الطواف حول العكبة, لنكثر من الدعاء والاستغفار , والخشوع والدموع راجين من الله العفو والعافية , والرضا والعتق من النار , وأن ينصر أمتنا العربية على الأعداء أينما كانوا , ثم قمنا بصلاة ركعتين من مقام إبراهيم , ثم السعي بين الصفا والمروة , ثم حلقنا رؤوسنا وتحللنا من الإحرام لنعود إلى مسكننا المخصص لنا , لننتظر يوم الإحرام للحج .
وبعد أن نوينا بالإحرام والتلبية للحج , ( لبيك اللهم لبيك ,لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد , والنعمة لك والملك , لا شريك لك ,... ) التفّ الحجاج حول المرشد , وبدأ يشرح لنا عن مناسل الحج قائلاً :
أيها الحجاج , إن أركان الحج أربعة وهي ( الإحرام ,والوقوف بعرفة , وطواف الإفاضة أي طواف الزيارة , ثم السعي بين الصفا والمروة ) , , سنتوجه غداً التاسع من ذي الحجة ( ليلة عيد الأضحى ) إلى جبل عرفة , , وستجدون خيامكم جاهزة , للمبيت هناك ,.
ركبنا حافلاتنا متوجهين برعاية الله وحفظه إلى جبل عرفة الذي يبعد عن مكة أكثر من 15 كم . ودخلنا خيامنا , وصلينا جميع صلواتنا المفروضة جمعاً وقصراً , وقدم لنا أهل الخير ما تيسر من الطعام والشراب والفواكه ,
كنت تواقاً لمعرفة جبل عرفة, وكنت أتمنى الوقوف عليه منذ عقود مضت لِما سمعته عن فضائل الدعاء للحاج , واستجابته من رب العالمين , لكنني كنت أتخوف من مخاطر الوصول إليه , لأن الحجاج كلهم سيتوجهون إليه بيوم واحد وليلة واحدة , ومن كثرة الحجيج وازدحامهم يخشى الإنسان على نفسه , لكن الله رحيم بالعباد , فلم نلاحظ إلا الهدوء وسماع الذكر والتسبيح والدعاء والبكاء والخشوع .
فما هو جبل عرفة ولماذا سمي بهذا الاسم , وكيف يتسع هذا الجبل لملايين من البشر , سأجيبكم على هذه الأسئلة كما شاهدت وكما عرفت وسألت .
تحركت الحافلة من باب الفندق الذي نسكنه , متوجهاً إلى جبل عرفة , الواسع في مساحته, وترى شوارع مكة كلها مكتظة بالحجاج كالسيل الهادئ , يلبون دعوة الله للوقوف على جبل عرفة, ولم تتمكن الحافلة من الوقوف بالقرب من المخيم المخصص للحجاج , بل وقفت بعيداً ليتمكن الحجاج من الوصول إلى مخيماتهم .
سرنا على الأقدام ما يقارب 1000 متر لنصل إلى المخيم الأردني , وكل خيمة تتسع لأكثر من 50 حاجاً , ولكل حاج 70 سم عرض في 150 سم طول , والأرض مفروشة بالسجاد العادي , وتحت السجاد لا يخلو من الحجارة التي كانت تضايقنا عند الجلوس , ومن حولنا مكيف هوائي وأواني كبيرة مملوءة بالماء , وبين فترة وأخرى كان رجال من أهل الخير يوزعون علينا وجبات غذائية كاملة , وبعض المشروبات الباردة والفواكه .ونرى المرشد بين الفينة والآخرى يتقدم بمحاضرة دينية إرشادية , يعرفنا بها , على أهمية الدعاء وكان ملخص ما حفظناه كما يلي :
يعتبر جبل عرفات من أهم مناسك الحج لقول رسولنا الكريم ( الحج عرفة )
يقف الحجاج علية في اليوم التاسع من ذي الحجة , فيه يتعارف الناس على بعضهم , وقد قيل أيضاً أنه سمي بهذا الاسم بعد أن التقى آدم بحواء وتعارفا على جبل عرفة , أو لأن جبريل طاف بسيدنا إبراهيم فوق جبل عرفة , والله أعلم .
سطح الأرض من صخور الجرانيت الصلدة , وهي أجمل الصخور وأغلاها , وتحيط بكل مكة المكرمة وكل جبالها , وجبل الرحمة جزء من جبل عرفة , ونرى عليه مسجداً ومنبراً لإقامة الصلاة ,
وإن اليوم الذي يقف به الحجاج على جبل عرفة من أفضل أيام السنة , كما أن الجمعة هي أفضل أيام الأسبوع , وفي هذا العام صادف يوم عرفة يوم الجمعة , فزادت بركته وفضائله , ويكثربهذا اليوم ذكر الله , والدعاء والاستغفار . اللهم تقبل دعاءنا وارحمنا واغفر لنا فأنت أرحم الراحمين .
ثم جاء يوم النحر , وهو يوم عيد الأضحى , حيث تقوم مؤسسة الراجحي بذبح الذبائح نيابة عنا, ووكلناهم بذلك,( مقابل دفع مبلغ من المال ) ,
, وبعد الوقوف بعرفة ثم المزدلفة , قمنا بطواف الإفاضة , وجاءت أيام التشريق ( الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ) وهي أيام ذكر الله وشكره , وهي أيضاً أيام أكل وشرب , مع شكر الله على النعم , وأكثرنا من التكبير بعد كل صلاة , وفيها فضل وأجر كبير , وذهبنا إلى الكعبة لطواف الوداع , وحلقنا رؤوسنا , وصلينا ركعتين من مقام إبراهيم , لنستعد إلى العودة لبلادنا , وجزاكم الله خيراً راجياً المولى سبحانه أن ينعم عليكم لأداء هذه الفريضة الروحانية الهامة .