براءة اختراع كويتية.. د. إبراهيم الرشدان:
أمل جديد لمرضى القلب بلا استثناء:
إبراهيم فرغلي
نجح الطبيب الكويتي د. إبراهيم الرشدان - رئيس قسم القسطرة القلبية في المستشفى الصدري بالكويت - في فتح أفق جديد لعلاج أمراض القلب باستخدام القسطرة، عبر اختراع جهاز جديد يمكن من خلاله منع الصبغات المستخدمة في عمليات القسطرة العلاجية لمرضى القلب من الوصول للكلى، مما يمنح الأمل للمرضى الذين يعانون ضعف الكلى أن تتأثر وظائف الكلى لديهم أو تتوقف عن العمل. ويعد هذا الاختراع أحد الإنجازات العربية في مجال الطب العلاجي الذي يؤكد أن الأطباء العرب يقدمون إسهامًا عالميًا لا يقل عن منجزات الأطباء العالميين في أي مكان بالعالم.. في هذا الحوار محاولة للتعرف على هذا الاختراع وكيفية عمله والآفاق التي يفتحها في مستقبل علاج الأمراض القلبية:
- علم القلب التداخلي هو العلم الذي يتعلق بتشخيص وعلاج أمراض القلب باستخدام القسطرة ومن دون إجراء جراحة. ومن الأمراض الذي يختص بها هذا العلم أمراض شرايين القلب وأمراض الصمامات، وعلاج بعض العيوب القلبية.
- بداية وقبل أن ندخل لتفاصيل هذا الاختراع هل يمكن لك أولا أن توضح لنا طبيعة التخصص الذي تنتمي إليه وهو علم القلب التداخلي؟
- الاسم باللاتيني Dye Drain System، وإذا أردنا ترجمة هذا الاسم بشكل تفصيلي فيمكن القول إنه «نظام استخلاص صبغة القسطرة القلبية من الجسم قبل وصولها إلى الكلية».
- وبالنسبة للجهاز الذي تم اختراعه من قبلكم ما الاسم الذي يعرف به؟
- الحقيقة أننا لكي نوضح ذلك ينبغي أولا أن نوضح الكيفية التي تتم بها عملية القسطرة بشكل عام. فالقسطرة عبارة عن إدخال أنبوب (قسطرة) إلى داخل الشريان الفخذي بحيث يتم الوصول منه إلى قلب المريض، ثم يتم حقن صبغة إلى داخل الشرايين حتى تصل في النهاية إلى شرايين القلب.
- ما الدوافع التي جعلتكم تعكفون على هذا البحث وإنجاز هذا الجهاز الجديد؟
مشكلة هذه الصبغة أنها بعد أن تصل للقلب تعود لتسري في الدورة الدموية للجسم وتذهب إلى الكلى. وفي الحالات العادية لا توجد مشكلة، أي في حالة مرضى القلب الذين لا يعانون مشكلات في الكلى أو حتى من لديهم قدرات متوسطة لأداء الكلى.. لكن المشكلة تواجهنا في حالة مرضى القلب الذين يعانون من أمراض مزمنة في الكلى أو يعانون من ضعف شديد في عمل الكلى مما يهدد الكلى بالتوقف الكامل أو بالعديد من المضاعفات في حال وصول هذه الصبغة إلى الكلى، وهو ما قد يهدد ببعض المضاعفات الخطيرة، مثل الاضطرابات التنفسية الشديدة أو الاحتياج لتنفس صناعي أو التواجد في العناية المركزة لفترات طويلة، وأحيانا، لا قدر الله، تؤدي للوفاة. وهذه الأعراض تعرف في مجموعها Contrast Induced Nephropathy، ويمكن ترجمتها بأمراض ضعف الكلى الناتج عن استخدام القسطرة.
- هناك بالفعل بعض الحلول التي يتم استخدامها وهي أربعة:
- قبل هذا الاختراع ما الوسائل التي عادة ما تتبع في حالة إجراء القسطرة لتلافي هذه المشكلة؟
- تزويد المريض بمحاليل وريدية خاصة Saline Infusion مهمتها تخفيف أثر الصبغة قبل وبعد القسطرة بهدف تقليل احتمالات الإصابة بضعف الكلى، ومشكلة هذا الحل أنه بالرغم من استخدامه لاتزال نسبة تعرض مستخدميه للخطر كبيرة.
- استخدام عقار N -acetylecysteine قبل إجراء القسطرة، غير أن الأبحاث العلمية بينت أن فاعلية هذا العقار غير مؤكدة في ضوء اختبارات تشير إلى أن بعض الحالات قد تأثرت إيجابًا، وبعضها تأثرت سلبًا مما لا يجعل منه حلاً نهائيًا.
- استخدام أنواع حديثة من الصبغات الخاصة بالقسطرة، لكن هذا العلاج أيضًا لم يؤثر كثيرًا في خفض نسبة أمراض الكلى التي تتسبب فيها تلك الصبغات بالنسبة لمن يعانون من مشاكل في الكلى.
غسيل الكلى.. وبشكل عام يمكن القول إنه إذا وصل المريض إلى مرحلة غسيل الكلى فهذا يعني أن هناك مشكلة كبيرة في الكلى، والمفترض من فكرة العلاج تجنب المريض الوصول لمرحلة يحتاج فيها للغسيل الكلوي.
- بسبب عدم كفاءة الحلول السابق ذكرها، وهي الحلول المعمول بها عالميا الآن، في الوصول لحل ناجع للمشكلة، بدأنا نجتهد في التفكير بحيث نجد طريقة ناجعة تمنع وصول الصبغة للكلية.
- وماذا بالنسبة لفكرتك الخاصة بالجهاز الجديد أو Dye Drain System؟
ولكي نفهم الفكرة الأساسية التي بنيت عليها فكرة الجهاز علينا أن نعرف كيفية عمل القسطرة بشكل عام، حيث سبق أن أشرت إلى أنها تقتضي إدخال القسطرة للقلب وضخ مقدار من الصبغة عن طريق القسطرة حتى تصل للشرايين القلبية.
بعد وصول الصبغة للقلب تستغرق ما يناهز نحو 4 أو 5 ضربات قلبية حتى تصل الصبغة للكلى، أي أقل من نحو 3- 4 ثوان.
ولمزيد من التوضيح علينا أن نعرف أن الشرايين التاجية وكما ستوضح الصور المصاحبة، هي شرايين دقيقة جدًا مهمتها تغذية عضلة القلب، لا يمكن رؤيتها، ولهذا تستخدم الصبغة لإظهارها، وبعد أن يتدفق الدم في الشرايين التاجية فإنه يحتاج للعودة إلى الجسم مرة أخرى لاستكمال الدورة الدموية.
ولكي يعود الدم من القلب إلى الجسم فإنه يذهب إلى أوردة صغيرة جدًا، ثم تتجمع في النهاية في وريد مركزي أكبر نسبيا مهمته إعادة الدم من القلب للجسم، يعرف باسم Coronary Sinus.
وبعد ذلك يخرج الدم الراجع من القلب إلى الأذين الذي يضم غرفة صغيرة تعد مركز تجمع الدم الراجع من أرجاء الجسم قبل أن يعاد ضخه مرة أخرى إلى الجسم، هذه الغرفة لها مدخلان: المدخل أو الوريد العلوي ويعرف باسم Superior Vena Cava، ويختص بمرور الدم العائد من أجزاء الرأس المختلفة ومن الأيدي والرقبة، أما المدخل أو الوريد السفلي Inf. Vena Cava، فهو المسئول عن مرور الدم العائد من الأمعاء والبطن والكبد والأرجل.
السؤال الآن.. من أين يرجع إذن الدم العائد من القلب؟ والإجابة أنه له ثقب أو ممر ثالث لا يُلتفت له كثيرًا Coronary Sinus، هو المسئول عن عودة الدم الراجع من القلب فقط، هذا الثقب هو سر نجاحنا في الاختراع الذي أنجزناه.
- بالضبط.. فالجهاز الذي اخترعناه كان الهدف منه الوصول إلى هذا الثقب بحيث نتمكن في هذه المنطقة من منع عودة الدم الخارج من القلب والمختلط بالصبغة واستخلاصه في أنبوب صغير ومنه إلى بالون صغير جدا يقوم باحتجاز الدم، ثم نقوم باستخلاصه من دون أن يختلط بالدورة الدموية للجسم.
- هل يعني ذلك أنكم أجريتم التجربة على هذا الثقب فقط؟
- هذا جزء أساسي من مهمة إجراء القسطرة؛ أي اختيار التوقيت المناسب والدقة الكافية لوضع الجهاز في هذا المكان أخذا في الاعتبار حركة القلب أثناء هذه العملية. خصوصا أنها لا ينبغي أن تستغرق أكثر من الثواني التي تفصل بين ضخ الصبغة ومرور زمن حركة القلب ما بين 4 و5 دقات.
- هناك صورة مصورة بالفيديو عبر كاميرا خاصة توضح وجود الجهاز في القلب في أثناء هذه العملية، والقلب يتحرك، فكيف يتم تثبيت الجهاز؟
- أحب أن أوضح بداية أننا صممنا حوالي ستة أنماط من الجهاز، بحيث لا يستطيع أن يأتي أحد في المستقبل ويضيف أي إضافة للتصميم، ثم يقول إنه توصل لاختراع جديد أو تصميم مختلف. وإذا لاحظنا صورة الجهاز فسنجد أنه عبارة عن أنبوبين دقيقين يتصلان ببعضهما بعضا موصول بهما بالونان صغيران بينهما مسافة صغيرة متغيرة.
- ما هو التصميم الرئيسي للجهاز الجديد؟
عندما نحقن الصبغة لتصل إلى شرايين القلب، ننتظر حتى تتجمع في الأوردة، ننفخ البالون فيمنع سريان الدم من مخرج الوريد الخاص برجوع الدم من القلب، ثم نخرج الجهاز ونستخلصها. ولا يستغرق زمن هذه العملية أكثر من 3 ثوان.
- أجرينا التجربة الأولى عام 2006 هنا في الكويت على مريض قلب يعاني ضعفا في الكلى، وتعد هذه التجربة أول حالة في العالم يتم فيها حقن الصبغة واستخلاصها من خلال عملية القسطرة، وقد نجحت التجربة.
- متى بدأتم أول حالة تجريبية؟
ثم أجرينا بعد ذلك تجارب أخرى على حوالي عشر حالات أخرى، باستخدام النماذج المصنعة تجريبيًا من الجهاز. وبعد انتهاء هذه التجارب نشرنا نتائج البحث في المؤتمر العالمي لأمراض القلب في باريس.
وبهذه التجارب وبالنموذج المصنع تجريبيًا حصلنا على براءة الاختراع للجهاز من مكتب براءات الاختراعات الأمريكي، وبهذا أنهينا المرحلة الأولى لفكرة الجهاز بنجاح. أما الخطوة التالية فيفترض أن يتم فيها الحصول على تصريح طبي لتعميم استخدام الجهاز وتصنيعه طبيا للاستخدام العام.
وماذا عن هذه الخطوة؟ هل اقتربتم من إنجازها؟
- لكي يتم تصنيع الجهاز طبيًا لابد من إجراء التجارب في أكثر من بلد، وقد حصلت بالفعل على موافقات عدد من الأطباء الزملاء المختصين في قسطرة القلب التداخلية، في مراكز علمية متخصصة في أوربا لكي يقوموا باستخدام الجهاز في عدد من الحالات في طور بحثي تجريبي، وبعد انتهاء هذه التجارب يتم بعدها طلب الترخيص الطبي لتصنيع الجهاز طبيًا، وأتوقع أن الجهاز سيجد القبول خصوصا أن هناك العديد من الزملاء الذين أبدوا حماسهم واستعدادهم لاستخدامه تجريبيًا.
- لعلك تعلم أن القسطرة القلبية اليوم تلعب دورًا كبيرًا في علاج العديد من الأمراض القلبية، وبفضل القسطرة قلت كثيرًا نسب العمليات الجراحية الخاصة بأمراض القلب. ولأن القسطرة خطوة أولى للعلاج، بمعنى أنه لا يمكن إجراء جراحة إلا بعد إجراء القسطرة، فإن العديد من المرضى الذين تحول أمراض الكلى لديهم دون إجراء الجراحة أو القسطرة سيصبح لديهم، بفضل هذا الاختراع، الفرصة لإجراء القسطرة وعلاج الأمراض القلبية التي يعانون منها، من دون أن يؤثر ذلك على أجهزة أخرى في أجسامهم، وخصوصًا ما يتعلق بأمراض الكلى.. أخذًا في الاعتبار أن هناك بالفعل نسبة من المرضى المصابين بذبحات صدرية وأمراض قلبية يعانون من المرض، من دون أي أمل لهم في العلاج، وبهذا الاختراع ينفتح لهم جميعا باب الأمل، وسوف يؤدي ذلك أيضًا إلى التوسع في عمليات القسطرة من دون تخوف من إجراءات احترازية تخص الضعف الكلوي كما كان الأمر في الماضي.
- وبعد استخدام هذا الجهاز طبيًا ما الآفاق التي يفتحها مثل هذا الإنجاز؟
حوار: إبراهيم فرغلي
http://www.alarabimag.net/arabi/Data/2011/11/1/Art_100786.XML