وداد قباني... ناقدة وقاصة
عيسى فتوح
وداد قباني أديبة وقاصة، وكاتبة مقالة، وناقدة وصحفية.... ولدت في 18/3/1944 في حي المهاجرين بدمشق، وتلقت دراستها الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارسها، حتى نالت شهادة الثانوية العامة التجارية عام 1963، وبعد حصولها على هذه الشهادة عينت موظفة في الشركة السورية للنفط، حتى عام 1965 حيث تزوجت من السيد تيسير الرفاعي ثم عيّنت مدرّسة في مدرسة الراهبات الفرنسيسكانيات حتى عام 1968، إضافة إلى عملها في الشركة المذكورة.
في عام 1967 حصلت على شهادة الثانوية العامة - الفرع الأدبي، وانتسبت إلى قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة دمشق، إلا أنها لم تستطع متابعة الدراسة لأسباب عائلية.
في عام 1970 عينت مدرّسة في مدارس وزارة التربية، ثم انتسبت إلى جامعة بيروت العربية لمتابعة دراستها في كلية الاقتصاد، وبعد أن التحقت في دورة تدريبية في معهد الإحصاء المركزي عام 1974، وبدورة مماثلة في وزارة المالية، تسلمت محاسبة معاهد التربية الرياضية بين عامي 1985و2003 حيث قدمت استقالتها وتفرغت كلياً لأسرتها وعملها الأدبي.
عملت بين عامي 1982 و1995 أمينة تحرير مجلة الثقافة لصاحبها ومؤسسها الشاعر مدحة عكاش، إضافة إلى عملها في وزارة التربية.
مارست وداد قباني الكتابة منذ نعومة أظفارها، وكان أول مقال نشرته عام 1956 وهي لا تفخر بما نشرته آنذاك، لأن مستواه كان ضعيفاً، ثم أعادت المحاولة عام 1962 في مجلة اتحاد الطلبة، وكانت المحاولة الثالثة عام 1974 في مجلة الثقافة ومجلة المرأة العربية، والمحاولة الرابعة في جريدة البعث عام 1977... الى أن استطاعت إثبات وجودها كأديبة بدءاً من عام 1988 حيث أصبح الأدب بالنسبة لها رسالتها المفضلة في الحياة.
انتسبت إلى اتحاد الكتاب العرب بدمشق «جمعية القصة والرواية» عام 1994 وانتخبت عضواً في الهيئة الادارية لفرع دمشق منذ عام 2000، وتفرغت للعمل فيه عام 2005 إلى أن انتخبت رئيسة له بدءاً من 30/11/2005 فكانت أول امرأة تتسلم هذا المنصب، وهي إضافة لذلك عضو في جمعية تنظيم الأسرة السورية.
آثارها الأدبية
1- الصوت البعيد «قصص قصيرة» 1991.
2- إليك يا ولدي «قصص قصيرة» 1991.
3- القلب النبيل «قصة طويلة» 1993.
4- مرافىء «دراسات نقدية» 1994.
5- تداعيات امرأة «قصص قصيرة» 2006.
1- مرافىء
ضم هذا الكتاب تسع عشرة دراسة لأدباء وشعراء ومفكرين من سورية والسعودية والكويت والمهجر.... وتناولت فيه آثارهم الأدبية بالدرس والنقد والشرح والتعقيب والتحليل دون أن تجرح أو تخدش مشاعر أحد منهم، فمعظمهم إن لم أقل كلهم من كبار الأدباء والشعراء، أمثال الأمير عبد الله الفيصل، والدكتور عبد اللطيف اليونس، والدكتورة سعاد الصباح، ومدحة عكاش، وألفة الادلبي، وندرة اليازجي، وزكي قنصل، وسعد صائب، وجابر خير بك، وعبد الكريم ناصيف وغيرهم... ولذلك اقتصر عملها على عرض وتلخيص مضمونات آثارهم الأدبية وتسليط الأضواء عليها واختيار نماذج منها كشواهد على تعليقاتها، وقد أشار الأستاذ مدحة عكاش إلى هذه الناحية في المقدمة التي وضعها للكتاب في قوله:
«لقد حاولت وداد قباني جاهدة أن تبحث عن مواطن الجمال والأصالة في هذه الإضاءات وإيضاح الفكرة وجمالها عند كل أديب وأديبة وكشف مزايا أعمالهم وشخصياتهم».
وأضاف أيضاً: «وإذا كانت قد أهملت في بعض الأحيان النواحي السلبية عند كل عمل لها، فهي لم تبتعد عن ذلك إلا لأنها أرادت أن تنتقي الدر، وتهمل الحصى، وأن تجني من هذا الروض أجمل أزاهيره وأكثرها نضارة، إيماناً منها بأن إظهار العيوب والسلبيات لا يؤدي إلى الارتقاء بالأعمال الأدبية، بل يكون مدعاة إلى التشهير والإحباط...».
تقول وداد عن «مذكرات عبد اللطيف اليونس»: «إنها سجل حافل بالنضال الدؤوب ضد الإقطاع والتخلف والاستعمار، وكل أعداء الوطن الداخليين والخارجيين.... وتتوضح فيها شخصيته الإنسانية والأدبية والسياسية...».
وتقول عن ديوان «من وحي الحرمان» للشاعر السعودي الأمير عبدالله الفيصل: «كيف يمكن لأمير أعطاه الله كل أسباب النعم أن يشعر بالحرمان أو يتحدث عنه؟!، فالشاعر ولد في سدة الإمارة، وجمع بين الإمارة والشعر، فهو الأمير المترف والعاشق في آن معاً؟».
وتعلل سبب الحرمان الذي اتخذه عنواناً لديوانه بقولها: «إن الحب عنده يرتبط بالعفة، ومن هنا تبدأ رحلة الشاعر مع الحرمان، فراح يعبر في شعره عن لواعج حبه وحرمانه...».
وتقول عن شعر الدكتورة سعاد الصباح: «لا يكاد المرء يقرأ لها شيئاً من شعرها حتى يشعر بهيمنتها على أحاسيسه ومشاعره وتأخذه بيده وتدق فيه أبواب الوعي، فإذا ما فتح لها جوارحه، غاصت به مرة أخرى إلى الأعماق حيث اللاوعي لتنتشر في خلاياه وتستقر أخيراً في القلب، فلا تغادره أبداً....».
لقد حاولت السيدة وداد قباني في هذا الكتاب أن تمارس النقد مستخدمة فيه مبضع النطاسي لا مُدية الجراح، على الرغم من قلة عدد الأديبات اللواتي يمارسن هذا الجنس الأدبي الصعب، بسبب وعورة مسلكه، وخطورة الخوض في ميدانه، فحالفها النجاح بعض الشيء...
2- تداعيات امرأة
ضمت هذه المجموعة القصصية اثنتي عشرة قصة هي: تداعيات امرأة، التي حمل الكتاب عنوانها، الطفل والزنزانة، الخاطف، شيء يشبه الحب، عادة، ملك الحب، رجل يعترف، شاعر وامرأة وقصيدة، هي وهو القارىء الوحيد، المرأة والعصفور، اعتراف، محاكمة.
لقد اعتمدت في دراسة هذه المجموعة على ما كتبه عنها الأديب والقاص عوض سعود عوض في العدد رقم 9763 تاريخ 11/11/2007 من جريدة «تشرين»، فقد استطاع بما عنده من مهارة وحرفية وإحساس مرهف وذوق سليم، أن ينفذ إلى أعماق قصصها، ويحللها تحليلاً دقيقاً وبارعاً، ولذلك أستميحه عذراً في استعارة بعض آرائه النقدية، فهو قاص وروائي متمكن، وناقد بارع.
يقول الأستاذ عوض: «معظم نساء القصص فاضلات، يبحثن عن الحب، وعن الزوج، وعن الحياة المستقرة، تأتي الخيانة من الزوج الذي يخون زوجته في قصة «تداعيات امرأة»، وخيانته مع الخادمة في قصة «اعتراف»، باستثناء قصة واحدة تزوجت فيها فتاة من رجل عجوز يكبرها بخمسة وثلاثين عاماً في قصة «رجل يعترف» لأنها لم تستطع أن تتزوج من الشخص الذي أحبته، وهي بهذه الوسيلة أمّنت المال والبيت والحبيب».
تصور هذه القصص حالة المرأة، ومكانتها الزوجية، والمراحل التي تمر بها، من مراهقة وحب، وتفاوت النظرة بينها وبين الرجل، ولا سيما في مسألة الحب، فالرجل من حقه أن يحب ما شاء له من النساء حيث يقول: إنه أحب عشرين امرأة دون أن يعترض عليه أحد، لكنها حين أحبت رجلاً واحداً، استنفرت طيور الغابة وأرعدت السماء، وأمر الحاكم بالقضاء على الفسق بقتل المرأة العاشقة.
وتصور روح الانتقام عندها كما في قصة «اعتراف» حيث تنتقم الخادمة من سيدتها التي استقبلتها بنظرة متعالية، فتقرر بينها وبين نفسها إهانة سيدتها عن طريق ممارسة الجنس مع الزوج، ولم تكتفِ بذلك بل تركت لها رسالة توضح فيها ذلك العمل!.
القصص بشكل عام قصص تقليدية، تعتمد على الحكائية، ففي كل قصة حكاية، ويلعب الخيال والأحلام دوراً في ذلك، ففي قصة «عادة» تندمج المرأة في أحلامها، وتحس أنها بين الآخرين، حيث يتضاءل حزنها، لكن في النهاية تكتشف أنها وحيدة في غرفتها...
كما تلجأ إلى السيرة، حيث يسرد الرجل سيرة حياته بنفسه، كما في قصة «رجل يعترف»، أما في قصة «هي وهو» فيتوافق السرد مع الوصف الذي لم يكن مجانياً، بل كان موظفاً ومكملاً للسرد.
ومهما يكن من أمر فإن قصص «تداعيات امرأة» تعبير عن ذات المرأة ووضعها الاجتماعي والثقافي، وقد استطاعت القاصة بأسلوبها البسيط الشائق أن تشدنا وتمتعنا بقراءتها.
وكم كنت أتمنى لو سلم أسلوبها من بعض الهنات، كقولها في قصة «الطفل والزنزانة»: تشكي، كلام المعلم مقنعاً، هم يغتالون قيم الحياة ثم يبتدعون، أواشج القرابة....