زهرة النرجس/شادية مقداد:


بصمت يخفي خلف جدرانه حزن كبير..أمعنت النظر إلي...
لم تتوقف عجلة أفكاري عندها، بل توجهت إلى عملي أرتب هنا وأمسح هناك..
وفي المساء جاءتني وفي يدها وعاء فيه أرز مطحون، ومنقوع بالماء، وبدأت تمده على وجهها، وكأنها تريد لفت انتباهي، سبقت فمي علامات استفهام نطقت لها تلاميح وجهي..
قاطعت استغرابي بابتسامة ساذجة، لم ادر كيف قفزت الكلمات على شفاهي لأسألها :
-لماذا؟ تستعملين هذا؟، فأنت زهرة نرجس لم تتفتح بعد! فنظرت إلي نظرة الغزال الذي يعدو أمام مخاوفه، وشعرت بها تركض بين أفكارها تستجدي جوابا، ثم قالت بحيرة تجوب متن عييناها:
-أماه، إن هذا يستخدم كقناع ليحافظ على نظارة البشرة ويؤخر تجاعيدها..!
ثم صمتت وصمتّ أنا..
ويكأني بلغت سفح فكرتها،ولما شعرت بأنني سبرت غورها ، والتقطت سهمها ، حاولت بلباقة أن تستعيده وعلى محياها ابتسامة يشوبها قلق، وكأنها تقول في نفسها:
-ليتني لم أخبرها ..أخشى أنني جرحت أمي.وإن كل ما أذكره في تلك اللحظة ، هو انني كنت أراها تكلمني لكنني لم أعد أسمعها، والغريب أنني كنت في فراغ من
أي شعور..كل كل شيء جامدا إلا فتاها وبراءة حركاتها..
ولما انتبهت من غفوة روحي وسيطرتُ على مشاعري،احتضنتها وخللت أصابعي بأصابعها واصطحبتها إلى حديقة المنزل ورحنا نتمشى بين الأشجار التي داعبت أوراقها النسيم، فعزفت سيمفونية الحفيف الساحر ، وتحت ضوء القمر.
فقلت لها:انظري ياابنتي إلى القمر وجماله،إنه القمر ذاته منذ أن خلق الله السموات والأرض
لم يتغير.
اما الأشجار، فهي في البدء تكون فسيلة ، أو شتلة صغيرة جدا، ثم تكبر شيئا فشيئا حتى تثمر وتثمر ويُستظل بها، وعلى وقع خطوات الزمن، تشيخ ولاتعود صالحة إلا للقطع ، والاستفادة من أغصانها لعدة أغراض، هي دورة الحياة، ولكن الحياة لاتتوقف فدائما هناك شتلات ستزرع وتكبر وتعطي ثمارا ، ورب شجرة واحدة، تعطي من ثمارها آلاف البذور..
أسندتْ رأسها على كتفي، وشدت أصابعها في يدي ثم أردفتُ أقول:
-ياابنتي..إن كل مايكون قابلا لتطور حالاته لابد أن يشيخ، ولكن مايبقى هو طيب الأثر..يا ابنتي ، إن هذه التجاعيد ، هي دروب حياتي التي سلكتها والحمد لله أن انجاني من سبل الشيطان...
كل خط رُسم على وجهي ، هو تجربة خضتها وخرجتُ منها بعبرة او حكمة..
لربما كانت إحداها هي سهري على سلامتك أنت وإخوتك...
وربما كانت الأاخرى صبري على صروف الدهر..
حبيبتي ، أنا اعتبرها وسام شرف لي وليس عندي رغبة في إخفائها..
يكفي ان الله حباني ذرية صالحة ، معافاة من أي عاهة، اراها تكبر وتشب أمام ناظري ..وهذا ما ينسيني كل تعب وهم...
***********
وعلى صوت خطواتنا الهادئة دخلنا فناء المنزل ..بقيت ممسكة بيدي فاصطحبتها لغرفتها ، وقلت لها :
-هيا ياحبيبتي يجب ان تستعدي للنوم، فغدا ستستيقظين باكرا للذهاب إلى الجامعة..
ضممتها لصدري وقبلتها ولما هممت بالخروج، شعرت بتنهيدة قوية فالتفت إليها بخوف فوجدت عبرة في عينيها ، ثم اجهشت بالبكاء قائلة:
-ولكن أريد ان أراك دائما شابة...نعم..
احترت ماذا أقول لها ..مسحت دموعها وأهديتها ابتسامة ووقار..ابتسامتي التي هي سلاحي ودوائي...وقلت لها:
-هي الدنيا ياحبيبتي وليست الجنة..
ففي الجنة سنكون دائما في عمر الشباب ، ولن نشيخ ابدا..
تبسمت واحتوتني بين ذراعيها وبصوت شجي قالت:
-ساعمل كل مابوسعي لنكون معا في الجنة...
بادلتها الابتسامة...وقلت لها:
-إن شاء الله...
ضحكنا كلانا،ثم غادرت غرفتها بلطف بعد ان شعرت باستقرار في قلبها..
وانتابني قلق تحلقت حوله جميع أفكاري..وبدات اتلمس بكفي تضاريس وجهي..وعيناي جامدتان تماما..
كم من الأسئلة تدور في ذهني..
ألهذه الدرجة تغيرت ملامحي؟ حتى جعلت ابنتي لاتستسيغها، أو تدهشها؟.
لماذا لم يخبرني زوجي بها أولا؟.
أتراه يشفق علي؟،فبات يغمرني بحنانه المفرط؟، أو ربما اعتاد رؤيتي هكذا!..
أسئلة وأسئلة ..وأسئلة..لم اجد لها جوابت..
لكنني شعرت حينها بضعف ووهن..وخوف أيضا...
لست أدري لم ساقتني قدماي لأقف امام المرآة ..
وقفت مليا..لكنني لم أكن أرى فيها سوى زهرة النرجس..التي تسعد الجميع..شعرت بشوق لأكونها دوما..
تبسمت..ابتسامة الرضى..حمدت ربي ومضيت لعملي..
11-4-2015