زوبعة لغوية .. أسقطت "قفارتي"
هبت عليّ زوبعة من الأفكار المتعلقة بهذه اللغة التي أعشقها .. رغم جهلي بها .. باستثناء ما أسميه"السليقة" اللغوية .. التي نبتت عبر الطريقة الشنقيطية في "التعليم" .. أقصد .. تحفيظ القرآن الكريم في الصغر . . وإلزام الطفل بالوقوف على"المتحرك"عكس القاعدة التي تصرخ .. العرب لا تقف على متحرك.. الوقوف على"المتحرك"يتيح للأذن سماع رنين الكلمات .. همسها .. صراخها .. ومع حفظ الشعر أيضا .. بدأ بجاهليه .. تتبرعم السليقة اللغوية .. كان ذلك قبل أن يفسدها الشعر الحر!!
أقرأ رواية"الإخوة الأعداء" لكازانتزاكيس .. وقد لفتت نظري الكلمة التي وضعتها على رأس الأسطر .. (وسار الأب دميانوس في المقدمة يلبس الغفارة){ ص 27 ( الإخوة الأعداء ) / نيكوس كازانتزاكيس / ترجمة : إسماعيل المهدوي / آفاق للنشر والتوزيع / 2015 "مقدمة المترجم 1966م}.
هكذا كتبت"الغفارة" بالغين .. والشناقطة يقولون للطاقية : قفارة ... بالقاف .. وجاء في مكان آخر من الرواية (بلحية سوداء مجعدة وطاقية كستنائية) { ص 33}.
فمن أين جاءت كلمة"الغفارة" هذه ؟
وإن كانت الذاكرة تستحضر .. "المغفر" .. وهو – فيما أحسب – غطاء للرأس يستعمل في الحرب.
ومن الذاكرة أيضا .. عبارة قرأتها في رواية مصرية .. قبل أكثر من عقدين .. أنسيت اسم الرواية و"تشعبطت" عبارة بالذاكرة .. (وكانت خالتي .. هجالة) .. أي غير متزوجة .. والعبارة نفسها مستعملة لدى الشناقطة... بنفس المعنى.
مِلْكَةٌ
الحقيقة أن ما دفع بالقلم ليرمي بنفسه تحت يدي لأكتب .. ليس "القفارة" ولا "الهجالة" .. بل عبارة أخرى وقعت عليها عيني .. في قرار نقل أحد الزملاء .. جاء في الخطاب (واستنادا إلى موافقة سعادة (..) ملاك وظيفتكم الجديدة).
عبارة "ملاك"هذه غريبة .. صحيح أن الإنسان يقرأ عادة أن موظفا ما على"ملاك الوزارة الفلانية" .. لكنني لم أتوقف عند هذه العبارة من قبل!
وفي هامشها عبارة أخرى .. هي"المِلْكَةٌ" .. فيقال أن فلانا "مَلّك" على فلانة .. بل يقول الشناقطة .. عن العاقد والمعقود عليها "مالَكها"!! ما هذا!
تغريدات :
قبل أيام كتبت عبر"تويتر" :
لذيذة هذه اللغة الشريفة :
بُني .. للفرد . وبَني للجمع
تقول : الفقر .. فإن قدمت القاف على شقيقه الفاء ... كان القفر .. وهو"فقر" الأرض إلى الغطاء النباتي ..
و"حضن" الزوج – في اللغة الشريفة "الزوج"للذكر والأنثى - "حصن" من الانحراف
لم تبق غير هذه الومضات من الرواية التي أقرأ :
من رواية"الإخوة الأعداء" لكازانتزاكيس :
1-(ترى من هو الفاتح المشهور الذي تنهد ساعة موته وقال :"ثلاثة أشياء تمنيتها طوال حياتي : بيت صغير،وزوجة طيبة،وأصيص به ريحان. لكني لم أصل إليها أبدا") : ص 139"الإخوة الأعداء"
2-(ليس هناك ما يثير الحزن أكثر من أن تحب،لأنه في الحب يمكن أن ينفصل الإنسان عن حبيبه. وليس هناك ما يثير الفرح أكثر من الحب لأنه في الحب يمكن أن يعود الإنسان إلى حبيبه) : ص 148"الإخوة الأعداء"
3- (أما شيخ أعيان القرية ويسمونه الحاج (..) رجل رحل في شبابه إلى بعيد ورأى بلادا كثيرة ووصل إلى أثينا بل إلى بيروت. وانتهى إلى نهر الأردن,وهناك استحم في مياهه المقدسة ليصبح حاجا. وكان يقول لنفسه :"مفيد جدا أن تكون حاجا. فاحترام الناس لك يزداد .ويصبح من الأسهل عليك أن تخدعهم.) : ص 175 – 176 "الإخوة الأعداء"
هذا الحاج اغتنى .. عبر بناء خيمة زعم أن من دخلها تكشفت له أسرار الحياة الزوجية .. ورسم الدخول "فرنك"فإذا دخل دافع الفرنك .. وبحث عن "السر"خاطبه قائلا :
(لا. أنت لا ترى شيئا .ولا فائدة من أن تصاب بالتهاب في أعصاب رقبتك. فليس هناك شيء تراه. لكن خيرا لك ألا تقول ذلك للآخرين عندما تخرج. سيقولون إنك مغفل.الأحسن أن تحكي لهم أنك فهمت ما هي المرأة وما هو الزواج .هذا ما يجب أن تقوله للآخرين حتى يشربوا هم أيضا فلا يسخرون منك. فهمت؟ إلى اللقاء إذن. اترك مكانك الآن لمن سيأتون بعدك){ ص 176 – 177 (الإخوة الأعداء)}
زوبعها لكم : س / محمود المختار الشنقيطي المدني
س: سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب