المال السياسي
د كمال اللبواني
في منطقة الشرق الأوسط القاحلة يتجمع السكان والحضر حول مصادر المياه النادرة .. وكما قال الشاعر :
يا أيها الذاهب في الصحراء تزود قبل الربع الخالي بقطرة ماء ..
فالماء هو عصب الحياة.. بينما اصبح المال هو عصب السياسة في المعارضة السورية ... ففي ما يسمى الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة نلاحظ استقطاب الأعضاء ليس حول المواقف والأيديولوجيات بل حول مصادر الدعم، لذلك لا نستغرب مثلا تحالف الإخوان والشيوعيين الوثيق العرى، وامكانياتهم الهائلة في القفز فوق كل ما يفرقهم وما أكثره ، وما أتفهه ، أمام ما يوحدهم .
لكن هذا المال الذي يجمع التكتلات السياسية يمر عبر وكلاء ، غالبا ممن لا علاقة لهم بالسياسة، لكن بعضهم متمرس بفنون الفساد والإفساد السياسي ويمارسها بمهارة ،ويجيد شراء الولاءات واستدامة رضا مصادر الدعم واسترضاء الجهات والدول ذات النفوذ ، ويستخدم ذكاءه للبقاء على الكراسي واحتكار القرار والثروة ، و بالديمغراطية الحقة التي نتهم أننا لم نرض بنتيجتها . وأية ديمغراطية في مجلس معين من سفراء ..
وكما قال المرحوم الارهابي ( هو شي منه ) قائد الثورة الفيتنامية في وجه الاحتلال الأمريكي : إذا أردت أن تفسد ثورة فما عليك الا أن تغرقها بالمال ، والخلل ليس بالمال والدعم ، فهو ضروري .. لكن بالفوضى التي يدار بها ..... والمشكلة ليست في الدول التي تريد عن طيب نية مساعدة الثورة ، لكن في النظام الذي تتبعه الثورة والطريقة التي تدار فيها هذه الأموال : (لا مؤسسات ولا مستندات ) ولا نعرف كم أو من أين تأتي ولا كيف تصرف . نعم هذا يحدث في أغلب نشاطات الثورة ، لكن أن يصل ذلك لمؤسسة تشريعية يفترض فيها النزاهة التامة ، فهذا مفسد وخطر على قرار الثورة وهو ما حدث واضطرنا للاستقالة ، بعد أن يئسنا من محاولات الاصلاح .
وكلاء الدعم هم في الواقع مشاريع شبيحة ، يستخدمون الترغيب والخداع وتخدير ردود الأفعال حاليا.. بسب عدم توفر السلطة بين أيديهم... حتى إذا امتلكوا سلطة حقيقية ، استبدوا بالناس واستخدموا لغة القوة والقهر ، وهي الأرخص والأسهل في فرض الإذعان و الخنوع ، ليس بالمال بل بالعصا .. فعصا السلطان لمن عصاه .. أما ماله فلمن والاه وحمل له المناشف وللذباب الذي يتجمع حوله .
وإذا سبق وقيل أن السلطة مفسدة فهنا عندنا المفسدة تأتي بالسلطة والكرسي . وإذا قيل أن الاستبداد يولد الفساد فهنا عندنا الفساد سوف يأتي بالاستبداد ويجدده بشخوص آخرين ديمغراطيين متحدين .. ولم لا فنحن نسير عكس القيم والأخلاق وعكس قواعد العمل السياسي المؤسساتي ، فأين نتوقع المبيت ؟؟؟ .
في 15-18/3/2011 انطلقت الثورة ، وفي 3/ 1/2014 حدثت انطلاقة ثانية للثورة السورية المباركة ضد من يريد سرقة الحرية والسلطة وفرض البيعة بالقوة والترهيب والاجرام على شعبنا .. و علينا أن نواكبها في الانتفاض على الفساد وكل من يريد تلويث القيم التي نقاتل من أجلها . وأن نتخلص من ادمان واعتياد رائحة النتن التي ساكنت هذا الأجساد الفاسدة المفسدة التي تشكلت باسم الثورة وهي منها براء ...... لقد كان سجن الضمير أشد وأقسى علينا من سجن الجسد ، وقد انتظرنا طويلا وترددنا كثيرا قبل فعل هذا للخوف من إلحاق الضرر بالثورة ، لكن عندما تيقنا أن الاتلاف ذاهب لامحالة للتفاوض مع النظام ، وأنه يذهب فعلا ويستمر في قول لا خداعا وتمويها ، وأن شروطه وضماناته يحملها معه لتتحول إلى استجداء على الطاولة هناك .. أصبح من المفيد اعاقة هذا الطريق حتى لو بفرط هذا الكيان الذي فرط بثوابت الثورة والوطن وتجرأ على نزع هويته العربية ، وأطاح بقيمه . ولم يبق أمامه سوى تقديم حصيلة فشله انتصارا للنظام على طاولة جنيف .
كل شيء قد يكون موجودا في هذا الإتلاف ما عدا ارادة الشعب السوري ، الذي عبثا حاولنا نقل صوته وارادته فاستبعدونا ، فالشعب مستبعد دوما إن كان من النظام ، أو من أصدقاء سوريا .. ولا أدري إن كانوا أصدقاء سوريا لأن النظام يدعى أنه سوريا !!!! .. لكن ما خبرته أن هذا الائتلاف صنيعتهم ويمثلهم ويطيعهم ولا علاقة له بالوطن ولا بقوى الثورة التي أنكرته .
ويسألونك عن البديل ... ما هو بديل الفشل . ما هو بديل الكذب والخداع ... و التمثيل الكاذب ، هو مجلس قيادة ثورة في الداخل عسكري - سياسي ، ومن قال أننا بحاجة للبحث عن تمثيل الشعب .. ومن قال أن الشعب السوري يمكن تمثيله من دون انتخابات حرة . ولماذا نصر اليوم على وجود تمثيل كاذب له ، أليس كي يبيع من تحت الطاولة وكيف نأتمنه على قرارنا ؟؟؟ ... وإذا كان لابد من تمثيل فالطريق إلى ذلك يمر عبر مؤتمر وطني موسع يدعى إليه مندوبين عن كل القوى والفعاليات الحقيقية ، يضع ثوابت ،وينتخب جسد رقابي ، وجسد تنفيذي ..
أما نحن كأصحاب رأي فسنتابع عملنا من خلال تأسيس مركز دراسات لخدمة الثورة ، ونقوم بدورنا الذي نجيده وهو دراسة وتحليل الظواهر والمواقف والظروف ، وتقديم المقترحات والاستشارات والأفكار التي يستفيد منها أصحاب الشأن وطلاب الخبرة ، وسيكون عملنا مشتركا وتفاعليا مع قطاعات واسعة تشمل كامل الطيف السياسي الوطني . وسوف نرحب بالدعم لكن غير المشروط بأي قيد ، وسوف نطلق المبادرات ونساهم حيث يجب ويطلب منا كمؤسسة مجتمع مدني تعنى بالفكر السياسي الذي هو ضرورة لتطوير وسائلنا في الطريق نحو النصر والتحرير والازدهار ...
وكل إتلاف وأنتم بخير ، وسبحان الدايم ، وبلا جنيف بل بط ...