"حواء" أو "وزارة السكن"(1)
في شهر القرآن هذا .. أحاول – قدر المستطاع – أن يكون كل ما أكتب له صلة بالقرآن ... يوم 4/9 تحاورت مع مهندسة يمنية يهودية .. وقلت عرضا أو تعليقا على سورة مريم أن مجرد وجود سورة في القرآن الكريم باسم امرأة قضية تستحق أن نتوقف عندها ...
ستكون هذه الحلقة مخصصة للحدث عن أمنا حواء – عليها السلام – بصفتها الشخصية .. وكذلك بصفتها (الرمزية) حين أصبحت "حواء"رمزا لكل النساء.
السفر عبر الزمن .. إلى بدأ الخليقة – وهذه مجرد خواطر – يتيح لنا فرصة التفكير بما كانت تمثله أمنا "حواء"لأبينا"آدم"-عليهما السلام – نستطيع تصور ذلك عبر خلو هذا الكون من (البشر)!!!
لقد كانت"حواء"هي .. كل "العالم"البشري بالنسبة لـ"آدم" :
هي الأب والأم والأخ والأخت .. هي العم والعمة ... هي الخال والخالة ... هي الجد والجدة .. هي الجيران .. إلخ.
وقطعا كان "آدم"أيضا يمثل لها كل (العالم)..
وهنا .. بل هناك .. سنجد "آدم"كان وحيدا ... ثم خلق الله – سبحانه وتعالى – له أو منه "حواء"فأي "فرح"يمثله له هذا "المؤنس"؟!!!
وهنا يأتي التعبير القرآني المبهر .. (ليسكن إليها) ...
في المقابل حين خلق الله – سبحانه وتعالى – "حواء"وجدت أمامها "آدم" .. أي عالمها البشري كله .. فكان ملجؤها الذي ركنت إليه ..
أعتقد أن في (لاوعي) كل رجل "حواء"الذي تمثل له "كل العالم" .. وفي (لاوعي ) كل "حواء"هناك آدم الذي "ركنت"إليه في تلك اللحظة التي كان "آدم"فيها (العالم كله).
وهنا أكرر ما كتبته سابقا .. إن كل ابتعاد ل"حواء"عن "آدمها"هو منح فرصة لذلك الخواء في حياة "آدم"ليفغر فاه .. أو يتلفت ذات اليمين .. وذات الشمال ... وحين يكون الابتعاد دون مبرر .. يكون الخطأ أكبر ... وقد أعذر من أنذر.
بعد هذه اللمحة نتحدث عن "حواء" التي أصبحت "رمزا" .. وهنا تبرز لنا صورة الاستلاب الثقافي .. أو الانبهار بثقافة (الغالب)!
سيل من كتابات المثقفين والمثقفات!!- وهذا عجيب - تؤكد على مسؤولية "حواء" عن أكل "آدم"من الشجرة .. وأكل"التفاحة" تحديدا ...
بطبيعة الحال هذه المسؤولية التي حُملت لـ "حواء"والنص على أن "الشجرة"هي"التفاح"ليس من ثقافتنا الإسلامية .. وإن الإنسان ليعجب كيف تتبنى المرأة أفكارا تحمل"حواء"مسؤولية إخراجنا من "الجنة"؟!
في الوقت الذي لدينا ثقافتنا الإسلامية التي لا نجد فيها .. أو عني شخصيا لم أقرأ نصا دينيا يتحدث عن "حواء"التي "أغوت""آدم"ودعته للأكل من الشجرة المحرمة .. بل نجد القرآن الكريم يخبرنا عن الأمر بطريقتين ..
الطريقة الأولى : أفرد فيها أبونا آدم فوصف بأنه (غوى) فنجد الحق سبحانه وتعالى يقول :
( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (121) طه
وبعدها ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ )﴿122﴾ طه
أما الطريقة الثانية .. فيتكرر فيها "المثنى"بصورة لا ينفصل فيها أي من "الزوجين"لا في مرحلة إغواء "الشيطان" لهما .. ولا في مرحلة "ارتكاب الخطيئة" .. وحين بدت لهما "سوءاتهما" .. وعند محاولتهما "التستر" بورق الجنة .. وصولا إلى "توبتهما" ... وحتى نداء "الرب" – سبحانه وتعالى – كان لهما معا .. يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأعراف :
{وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿23﴾
قطعا ما كنت أريد أن أتحدث عن (أسطورة) – في شهر القرآن الكريم - ولكن سبق السيف العذل .. إن مجرد الحديث عن "إغواء" أمنا "حواء" لأبينا"آدم"- عليهما على ونبينا السلام – والحديث عن"التفاحة" .. ولم يبق إلا أن نتحدث عن"الحية"هذا يعني أننا أشرنا إلى الأساطير .. وعلى أقل تقدير .. أشرنا إلى بعض كتب السابقين .. والتي تم تحريفها ..
إذا : نختم بهذه الأسطورة .. والتي تتحدث عن وجود زوجة أولى لأبينا "آدم"وهي "العفريتة" المسماة"ليليت"أما الزوجة الثانية له فهي أمنا "حواء" .. تقول الأسطورة :
(في مهرجان الفاكهة في فلسطين القديمة،وهو طقس يرقى إلى أيام الكنعانيين،كان المحتفلون يحملون الترسوس {في الهامش : "صولجان أو رمح يتوج بحلية على شكل كوز صنوبر،ويلف أحيانا بأعواد الكرمة وأغصان الفاكهة" - محمود} باليد اليمنى،وأغصان السفرجل باليسرى،ويدورون (..) وكان الترسوس يزين بثلاثة أغصان : الآس في اليمن،وسعفة النخيل في الوسط،وغصن الصفصاف في اليسار،حين يكون القمر بدرا،وذلك اعتقادا منهم بأن القمر حين صار بدرا في جنة عدن،قطعت حواء الثانية – بعد ليليت العفريتة التي تزعم الأساطير العبرية أنها كانت زوجة آدم الأولى – غصن آس وتشممته،فقالت : "إنها نبتة تصلح تعريشة للحب" لأنها كانت ... (...). ثم قطعت سعفة وضفرت منها مروحة،ثم قالت : "وهذه مروحة لإذكاء النار"،وقطعت سعفة أخرى اتخذتها صولجانا وقالت : "سأعطي هذا الصولجان لآدم،وأقول له: اتخذه أداة لتسود بها عليّ"،وأخيرا قطعت غصن صفصاف وقالت : "وهذه أغصان تصلح للمهد"){ ص 61(جولة في أقاليم اللغة والأسطورة) / الدكتور علي الشوك / بيروت / دار المدى / 1994م.}.
هنا على المرأة الحديثة أن تختار هل تكون "ليليت"أم "حواء"!!
إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة