الزهد - روائع أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام
1- قصة الجدي الأسك: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله مرَّ بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته ، فمر بجديٍّ أسكَّ [1] ميِّتٍ فتناوله ، فأخذ بأذنه ثم قال : " أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ " . فقالوا : ما نحب أنه لنا بشيء و ما نصنع به . قال : " أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ " . قالوا : والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه ؛ لأنه أسك ، فكيف وهو ميت ؟ ! فقال: " فَوَ اللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ " [2] . 2- اجمعوها لي في الآخرة : عن خَيْثَمَة ، قيل للنبي : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يُعطَ نبي قبلك ، ولا يُعطى أحد من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله . فقال : " اجْمَعُوهَا لِي فِي الآخِرَةِ " . فأنزل الله في ذلك: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان : 10] [3] . 3- ما تودرعه مرهونة : عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : " تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ" [4] . 4- قصة مال البحرين : عن عروة بن الزبير، أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف - وهو حليف بني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرًا مع رسول الله - أخبره أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها ، وكان رسول الله هو صَالَحَ أهل البحرين وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي ، فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله . فلما صلى رسول الله انصرف فتعرضوا له ، فتبسم رسول الله حين رآهم ، ثم قال : " أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ" فقالوا : أجل يا رسول الله . قال : " فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَ اللَّهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ " [5] . 5- التمر و الماء فقط : عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " ما شبع آل محمد من خُبز البُرِّ ثلاثًا حتى مضى لسبيله " [6] . و قالت أيضًا رضي الله عنها : " إن كنا آل محمد لنمكث شهرًا ما نستوقد بنار، إنْ هو إلا التمر والماء " [7] . 6- يمكث الشهرين دون أن توقد نار في بيته : عن عروة ، عن عائشة أنها كانت تقول : " والله يا بن أختي ، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال -ثلاثة أهِلَّة في شهريْن - وما أُوقِد في أبيات رسول الله نارٌ " . قال : قلت : يا خالة، فما كان يعيشكم ؟ قالت : " الأسودان ؛ التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله جيران من الأنصار وكانت لهم منائح ، فكانوا يرسلون إلى رسول الله من ألبانها فيسقيناه " [8] . 7- ما شبع من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا: عن أبي هريرة أنه كان يشير بإصبعه مرارًا يقول : والذي نفس أبي هريرة بيده ، ما شبع نبي الله وأهله ثلاثة أيام تباعًا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا [9] . وعنه أنه مرَّ بقومٍ بين أيديهم شاةٌ مَصْلِيَّة فدعوه ، فأبى أن يأكل وقال : خرج رسول الله من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير[10] . 8- ويؤثر الحصير في جنبه : وصف عمر بن الخطاب النبي بقوله : " إنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء ، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليفٌ ، وإن عند رجليه قَرَظًا مصبوبًا ، وعند رأسه أَهَبٌ معلَّقة ، فرأيت أثرَ الحصير في جنبه فبكيت ، فقال : " مَا يُبْكِيكَ " . فقلت: يا رسول الله ، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله . فقال : " أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ " [11] . 9- لتسألن عن هذا النعيم : عن أبي هريرة قال : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ : " مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ " . قَالاَ : الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا ، قُومُوا " . فَقَامُوا مَعَهُ ، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلاً . فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ : " أَيْنَ فُلاَنٌ " . قَالَتْ : ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ ، إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَصَاحِبَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ! مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي . قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ ، فَقَالَ : كُلُوا مِنْ هَذِهِ . وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : " إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ " . فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا ، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ " [12] .
المصادر : [1] الأسك : هو صغير الأذنين .[2] مسلم : كتاب الزهد والرقائق (2957) ، وأحمد (14402) . [3] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 6/95.[4] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في درع النبي(2759) ، والترمذي (1214) . [5] البخاري: كتاب المغازي ، باب شهود الملائكة بدرًا (3791) ، ومسلم : كتاب الزهد والرقائق (2961) .[6] مسلم : كتاب الصيام ، باب صيام النبي في غير رمضان (1156) ، وأبو داود (2972) .[7] مسلم : كتاب الزهد والرقائق (2972) ، والترمذي (2471) .[8] البخاري: كتاب الرقاق ، باب كيف كان عيش النبي وأصحابه (6094) ، ومسلم : كتاب الزهد والرقائق (2972) . [9] مسلم : كتاب الزهد والرقائق (2976) ، وابن ماجه (3343) .[10] البخاري : كتاب الأطعمة ، باب ما كان النبي وأصحابه يأكلون (5098) ، [11] البخاري : كتاب التفسير، سورة الطلاق (4629) ، ومسلم : كتاب الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء (1479) .[12] مسلم : كتاب الأشربة ، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ... (2038) .
--