دمشق والروائيون السوريون الجدد
خالد خليفة «أنموذجاً»
هذا العنوان كانت مشاركة باولا فيفياني أستاذة الأدب العربي المعاصر في جامعة نابولي «ايطاليا» في المؤتمر الدولي الأول الذي حمل عنوان «المدينة والثقافة- دمشق نموذجاً» الذي دعت اليه مؤخراً ادارة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية وتناولت دمشق من خلال الكاتب خالد خليفة وروايته «حارس الخديعة»..
باولا فيفياني:
دمشق كائن حي دائماً
وبخصوص تجربتها الشخصية مع مدينة دمشق تقول: إنها لم تسكن دمشق طويلاً ورغم ذلك تعترف بإعجابها الصادق بهذه المدينة وبسحر جمالها وعراقة تاريخها وعظمة سيرتها وضيافة أهلها، بحيث يتعذر على السائح عدم التعلق بها فهي وكما تشبهها كائن حي وتوضح فيفياني أن الناس يهوون دمشق لبشاشتها وحفاوة ترحابها.. ولكن كيف تبدو دمشق في أعين السوريين؟!.
تجيب فيفياني من خلال ثلاث روايات كتبها خالد خليفة وتصفه بأنه أحد الروائيين الجدد في سورية وهذه الروايات هي:
حارس الخديعة 1993- دفاتر القرباط 1996 ومديح الكراهية 2006، فتشير فيفياني الى أنه في عمله الأول أمعن خليفة النظر في أجواء العاصمة، يعني في احساسه بها، وهو يقيم بها للعمل بعد أن ترك حلب مسقط رأسه، أما القارىء أو الناقد من الممكن برأيها أن يرى رغبة خليفة الماكث في بيته الشمالي في الهجرة الى الشام الكبيرة بحثاً عن مجال أرحب مما يحيط به هناك- وإن لم يعرف كل مشاهد الحياة في دمشق بشكل مباشر كشاهد عيان، بل كان ذلك عبر الخيال، ومن هنا يأتي انتماء هذا العمل من جهة الى مجال السيرة الذاتية بما يعرضه من تبدلات روح انسان- روح الكاتب الراوي- حيث تشير فيفياني الى أنه يعري نفسه، ويعرض كافة الآمال والآلام والشكوك التي تراود ذهنه قبل لقائه دمشق وبعده.
وبرأيها حاول المؤلف ابداع نص يلاعب الآخر ويداعبه وهو يجره باتجاه زوبعة نحو الداخل بغرض فهم واقع مدينة وظروف شعب وكون بأسره وهو برأيها لا يمثل الفتى المصنف فحسب، بل كل الذين عانوا ويعانون قسوة دمشق الخارقة، وبالتالي تعتقد فيفياني أن رواية خليفة «حارس الخديعة» هي بمثابة قراءة جديدة لمأساة البشر السائرين نحو الغناء فمن خلال مغامرة شاب تخلد شقاء أبناء العالم على خلفية عاصمة ولع بها الناس عن بكرة أبيهم بشكل دائم، وهنا تذكر فيفياني بما ذكره الباحث لويس ممفرد حينما أشار الى أن دمشق ومدناً عتيقة أخرى- ومن بينها أثينا وبغداد والقدس- قدرت على نفض غبار الخراب الناتج جراء غزوات العدوان المدمرة والمتتالية عبر القرون.. وتفسر ذلك بأن الأهالي يعرفون كيفية التعاون والتشارك لعودتهم للمكان العزيز أو لبقائهم فيه بعد كل حادثة.
وفي قسم آخر من حديثها تتحدث فيفياني عن المدينة الشرقية المعاصرة التي تساعد بطريقة بنائها على اللقاء والتعاون، واستشهدت بما قاله ممفرد في كتابه بقلم ليبانيو الخطيب المشهور في انطاكية، حيث يشير الى أهم الصفات المشتركة للمدينة الشرقية في أرض سورية- الاشارة هنا الى مدينتي تدمر ودمشق- من حيث الشوارع المديدة المليئة بالمحلات والزبائن والأنشطة فكل تلك العناصر، كما تذكر تحت وقاية أروقة عالية تدافع عن جوهر المجتمع، بينما تصير المدينة أماً تحتضن أولادها الذين يعجبهم هذا الوسط لما فيه من دفء وسهولة الوصول منه الى أية حارة على عجل.. وتتساءل فيفياني: ماذا عن دمشق لا سيما هي القلب النابض لوطن بأسره؟ خاصة وأن الروائيين السوريين الجدد حاولوا معالجة هذه القضية ومن بينهم خالد خليفة، فتشير الى ان رواية «حارس الخديعة» تختلف صورة دمشق فيها عن نموذج المدينة الشرقية القديمة التي أثنى عليها «ليبانيو» فهي مظلمة حتى لو كانت «الساحات المرشوشة بالضوء» وخانقة تخلو من فؤاد ينبض نبضاً، تقلص عطفها نحو من يخطبون ودّها ترفض العاصمة الغريب، تدخله فيها وتخرجه منها مرات فبواباتها التي تنفتح على العالم وتتسلم قوافل البشر والسلع من غابر الزمان بحماس في الماضي القريب لم ترحب- كما جاء في الرواية وكما تشير فيفياني- بالواصلين اليها بالخلاص وسلامة النية، بل بالخديعة و«حارس الخديعة» هي حكاية ملحمة شاب يبحث عن ذاته وهويته الضائعة جراء أحداث مختلفة، منها موت أبيه الذي قتل على يد زوجته الغاضبة انتقاماً من علاقته الغرامية مع فتاة أخرى، وبالتالي تفسر فيفياني سر اهتمام البطل «الابن» بدمشق بالحنين واليأس، يركض وراء أبيه الميت وأمه الغامضة، وهنا تقتطف من الرواية قول البطل «أكاد أبكي..... بوابات دمشق أيها الناس تدخلني وتخرجني كأني قشب.. أمامي مدى لامتناهٍ وخلفي صحراء من العدم، لأمر على الأجساد المقددة وأبحث في الخدوش عن وجه أعرفه، تتملكني الوحدة ووحشة السفر أصرخ بالصمت أن يكف عن الصمت وأصرخ بالصراخ أن يترك الضجيج....
وتشير فيفياني الى أن رواية «حارس الخديعة» تتكشف فيها الأنوثة عن سلبية لأنها خادعة، لا سيما شخصية الأم، فالبطل يلتقي بنساء كثيرات خائنات فيبدو وكأن جمال المرأة الحقيقي ضاع، كما ضاع بهاء دمشق، وتختتم مما جاء في الرواية «سبعة قرون أم تسعة أشهر أم عشرة أعوام عمر الخديعة، أتيت مصحوباً بجوقة هزائم وخواء سبعة قرون، العتبة الحجرية تراءت لي كحلم ما زال يلازمني، وأنا على بوابات دمشق».
كما تطرقت فيفياني في حديثها، ولكن بشكل سريع، الى رواية أنيسة عبود «ركام امرأة»، وخاصة الفصل المعنون بـ «أروقة»، حيث وجدتها مرتبطة بالكلام عن ترتيب المدينة الشرقية وصورة دمشق على المستويين المادي والمعنوي خاصة أنها تتكرر في آثار الكاتب خليفة فتشير الى شخصية سلوى المنحدرة من بلدة ساحلية والمولعة بالبحر، حيث نشاهدها تطوف دون هدف في مدينة ثم نسمعها تعبر عن رغبتها في الوصول الى البحر وفي الرجوع... اليه الى مسقط رأسها، لأن البحر صديقها تحكي له عن تحولات امرأة وتحولات الناس والزمان والمدن وفي مغادرة العاصمة، سلوى برأيها تتحرك بين الحاضر وهي في المدينة يعني في مدينتها والماضي «المدينة ودمشق العاصمة» والعكس باستمرار، وتبين فيفياني أن المدينة الشرقية المعاصرة فيما قرأت في هذه الرواية لا قدرة لها بشكل عام على التحاور الايجابي مع أهلها.
متابعة: أمينة عباس
ت: نضال سليمان