نشأة مقام سيدنا ابراهيم عليه السلام
تعددت الروايات التاريخية حول نشأة مقام سيدنا ابراهيم عليه السلام والذي يعتبر من المعالم
الأثرية الخالدة، في المسجد الحرام في حين عزت احدى الروايات تشكل المقام الى زمان بناء
الكعبة المشرفة حين اتخذ سيدنا ابراهيم حجراً كسقالة يقف عليها في بناء البيت العتيق
حين ارتفع بناء البيت، وشق عليه تناول الحجارة، فكان يقوم
عليه ويبني، واسماعيل، عليهما السلام يناوله الحجارة
فطبعت قدماه على حجر المقام
في حين ذكرت رواية اخرى
انه عند قدوم ابراهيم عليه السلام الى أرض الحجاز لرؤية ابنه اسماعيل عليه السلام
غسلت له زوجة ابنه قميصا وهو واقف على حجر وقد انطبعت آثار قدميه المباركتين على الحجر.
وهناك رواية ثالثة
تصف الحجر بانه هو الموضع الذي وقف علية الخليل حينما دعا الناس من خلال
ذلك النداء التاريخي الخالد ليؤذن للناس بحج بيت الله الحرام
وهناك الكثير من الروايات التي لا تعد ولا تحصى عن مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام
وأياً كانت صحة الروايات فقد اجمع كافة المفكرين والباحثين أن هذه الوقائع كلها صحيحة
لأنها كلها وقعت فوق حجر واحد حيث لم تثبت رواية مؤكدة كي يستطيع المرء
أن يبني عليها الحقيقة مع كثرة الروايات في هذا الجانب .
وحول موضع المقام روى الأزرقي في أخبار مكة بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضـع الذي هو فيه الآن
حتى جاء سيل في خلافة عمر رضي الله عنه في شهر رمضان سنة 17هـ فحمله
حتى وجد أسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة حتى قـدم عمر فاستثبت في أمره
حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه وبنى حـوله.
وما نستطيع ان نقوله هو إن المقام الشريف لسيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل موجوداً
في داخل المسجد الحرام وبجوار الكعبة المشرفة الى اليوم .
كما جاء ذكر مقام ابراهيم في القرآن الكريم فى آيتين حيث
قال الله تعالى في سورة البقرة بقوله جل شأنه:
(وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
وقال تعالى
(إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم)
سورة آل عمران: 96-97.
وفي حديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
(الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة
ولولا ان الله طمس على نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب)
رواه الترمذي.
وعن انس رضي الله عنه قال:
قال عمر رضي الله عنه:
(وافقت ربي في ثلاث، فقلت:
يا رسول الله لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى فنزلت:
(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى).
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
(قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج الى الصفا)
وقد قال الله تعالى:
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )
الاحزاب: آية21 .
وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم:
(حتى اذا اتينا البيت معه صلى الله عليه وسلم استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى اربعا
ثم نفذ الى مقام ابراهيم عليه السلام فقرأ: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
البقرة: آية 125
فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان يقرأ في الركعتين
( قل هو الله أحد ) و(قل يا أيها الكافرون)، لذلك يشرع بعد الطواف صلاة ركعتين
خلف المقام ولا يشرع مسح المقام فضلا عن تقبيله
وكان ابن الزبير رضي الله عنهما ينهي عن ذلك ويقول:
(إنكم لم تؤمروا بالمسح وإنما أمرتم بالصلاة)
وكان ابن عمر رضي الله عنهما اذا أراد ان يصلي خلف المقام
جعل بينه وبين المقام صفا او صفين او رجلا او رجلين.
ومما قيل عنه :
المسجد كله مقام إبراهيم , وقيل : الحرم كله , وقيل : جميع مشاهد الحج كمنى وعرفة ومزدلفة
وقيل : هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم عليه السلام عند بناء الكعبة وكان يرتفع به كلما ارتفع البناء.
وهذا القول الأخير هو الصحيح وهو الذي يتبادر إلى الاذهان إذا ذكر المقام وهو الذي أراد
الله أن تغوص فيه قدما إبراهيم عليه السلام تخليداً لذكراه
وما يحوطها من إيمان كامل وتعلق بالله شامل.
ومع عظيم احترام العرب في الجاهلية للحجر الأسود والمقام إلا أن الله حماهما من عبادتهما
فلم يتحولا إلى أصنام وكذا الكعبة لأن الله ببالغ علمه الواسع أراد أن تكون هذه المقدسات
لأمة محمد صلى الله عليه وسلم صافية نقية من شائبة الشرك من تاريخ وجودها.
لقد تغير أثر القدمين عن هيئتهما الأصلية
وذلك لأن المقام كان مكشوفا , ومن كثرة مس الأيدي له ذهبت معالم تفصيل الأصابع.
والظاهر من أثر القدمين في مقام إبراهيم عليه السلام أنه كان يرتقي الحجر بدون نعلين.
المقام عبر التاريخ
وأول من طوق مقام إبراهيم بالذهب أمير المؤمنين
محمد المهدي سنة 161هـ
ثم تتابع بعد ذلك الخلفاء والسدنة وغيرهم في صيانة المقام
وترميم فضته وذهبه وتثبيته بالرصاص وغيره.
كان المقام مكشوفا بدون أي حاجز يحميه.
وفي فتنة القرامطة الذين سرقوا الحجر الأسود أرادوا سرقة المقام أيضا
إلا أن بعض السدنة غيبوه عنهم , فبدأ التفكير بعد ذلك في حمايته
فجعلت له قبتان متحركة إحداهما خشبية والأخرى حديدية , ثم بعد ذلك عمل للمقام
تابوت يوضع فيه , وتطور الوضع إلى بناء مقصورة له تنتهي مؤخرتها بمظلة متصلة
بالمقصورة ليصلي الناس تحتها ركعتي الطواف , ويقال :
إن أول عمل المقصورة كان عام 810هـ , وكان يتم بعد ذلك ترميمها من قبل السلاطين
وغيرهم إلى أن أزيلت هذه المقصورة واستعيض عنها بالصرح البلوري
في عهد دولة آل سعود وفقها الله , وذلك تجنباً لتعويق الطائفين عن الطواف وفي نفس موضعه.
ولقد كان مقام إبراهيم عليه السلام حتى عام 1385هـ داخل مقصورة وعليه ستار
لا يخلص إليه وقد قام بذرعه في جمادى الأولى لعام 1377هـ
الشيخ محمد طاهر كردي
فوجد أن ما بين شاذروان الكعبة المشرفة وبين أول شباك
مقام إبراهيم عليه السلام المقابل للكعبة المشرفة أحد عشر مترا.
لقد كان قرار إلغاء مقصورة المقام واستبدال ذلك بالصرح البلوري المشاهد اليوم مبنيا
على قرار توصية المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي الذي اتخذه في جلسته الحادية عشرة
المنعقدة بتاريخ25/12/1384هـ والذي جاء في مقدمة نصه:
(تفاديا لخطر الزحام أيام موسم الحج وحرصا على الأرواح البريئة التي تذهب في كل سنة
تحت أقدام الطائفين الأمر الذي ينافي سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها وعدم تكليفها النفس
البشرية أكثر مما في وسعها يقرر المجلس الموافقة
على المشروع الآتي ورفعه إلى الجهات السعودية المختصة ).
ثم عرضت مواصفات المشروع , وكانت الاستجابة من الدولة
سريعة جدا فكان هذا الإنجاز البلوري المشاهد اليوم.
وتبعاً للترميم الكامل للكعبة المشرفة فقد جاء الأمر السامي الكريم من خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بترميم مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام في مكانه
مع عدم تغيير في موقعه ولا بمقدار مليمتر واحد.
وقد تم في هذا الترميم التغيير فقط للهيكل والقبة والهلال والكسوة
الخرسانية للقاعدة على الشكل التالي:
تم تغيير الهيكل المعدني المركب على مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام بهيكل نحاسي
جديد ذي جودة عالية , بالإضافة أن شبكه الداخلي مطلي بالذهب ومن الخارج زجاج
مقاس 10 مليمترات ليعطي رؤية واضحة ومن النوع المقاوم للحرارة والكسر.
كما تم تغيير كسوة القاعدة الخرسانية من الجرانيت الأسود ورخام وادي فاطمة إلى رخام كرار
أبيض نقي ومحلى بجرانيت أخضر ليماثل حجر سيدنا إسماعيل عليه السلام.
وليصبح بشكل انسيابي بعد أن كان ذا شكل مضلع.
وقد تم الانتهاء من هذا الترميم في مساء الأربعاء في 21/10/1418هـ