سئل أحد الفلاسفة الأوروبيين عن العالم المثالي في نظره فقال: العالم المثالي حيث يكون الطباخ فرنسياً والميكانيكي ألمانياً والشرطي بريطانياً والعاشق إيطالياً ويدير كل شيء رجل سويسري...وفي المقابل يضطرب العالم ويختل حين يكون الشرطي ألمانياً، والطباخ إنجليزياً، والميكانيكي فرنسياً، والعاشق سويسرياً، ويدير كل شيء رجل إيطالي!! هذا القول - على طرافته - يقدم مثالا لطريقتنا في قولبة الآخرين وحشر ملايين البشر في أطر نمطية ضيقة. فنحن في الغالب نتبنى (قوالب مسبقة) عن المجموعات والشعوب الأخرى ثم نعتمدها كمرجع في التعامل معهم والحكم عليهم..
و تأمل معي اخي القارئ هذه التعريفات :
السلفي/منغلق يعيش في الأوهام و الأساطير التي عفا عليها الدهر
السلفي/محافظا على الدين متمسكا بعقيدته لا يخشى إلا الله
اللاديني/ منحل تحركه شهواته و نزواته، ذو عقل قاصر عن فهم الحقيقة
اللاديني/ عقلاني متفتح يضع الأمور في نصابها
الشيوعي/ كافر يريد أن يغرق العالم في الإلحاد
الشيوعي/ يهتم للآلام الآخرين ، يبحث عن الخير و العدل للجميع
العلماني/ كافر يريد أن يحطم الدين و يستحل المحرمات
العلماني/ عقلاني يريد الحفاظ على الدولة و الحفاظ على الدين
اليهودي/ خبيث و دنيء، شارب الدماء، ضع كل الموبقات فالكل صحيح
اليهود/ أكثر أهل الأرض الذين تعرضوا للظلم رغم كونهم الأكثر عزلة
المسيحي/ ضال عن الطرق عابد للأوثان
المسيحي/ الأكثر ايمانا و الأكثر تمسحا
المسلم/ إرهابي، سفاح، قاهر النساء
المسلم/ الأكثر سلاما مع نفسه و الناس في العالم
المتحجبة/ رمز للتخلف و الطائفية و الإرهاب
المتحجبة / عفيفة تسعى لإرضاء ربها
الرجل / متسلط سبب الحروب و النكبات في العالم
الرجل / الأكثر بؤسا الأسرع موتا بسبب كدحه في الحياة
المرأة / الذليلة الضعيفة المقهورة
المرأة/ مصدر كل الشرور في العالم
هذه بعض النماذج لما نتعامل معه في محيط حياتنا، و لكن السؤال هل هذه التعريفات صحيحة؟ هل تصف فعلا و تحدد كل واحد من هؤلاء ؟؟؟؟؟
لا اعتقد و لكن لا أعرف من عمل على قولبة الناس ووضعهم في أشكال محددة ثم تعميم هذه الأشكال على باقي البشر؟ رغم عشرات الحكم و المواعظ التي تتحدث عن اختلاف البشر فيما بينهم.و رغم ذلك فهذه التعريفات هي التي تطبق على كل الناس، و تعمم بدون تمييز.
أعتقد أن التعميم و صب الناس في قوالب من أكثر الأمراض التي تفتك بالبشر و كما أعتقد أنه يصعب الشفاء منها و ذلك ان المشكلة لها جذور في بنية العقل البشري ذاته الذي يميل إلى إطلاق التعميمات و القولبة لأن ذلك يعتبر إحدى آلياته من أجل سهولة الحفظ و التعاطي مع المتغيرات لذلك نجد العقل البشري يميل دوما إلى التصنيف من المجموعات الأكثر أعضاءا إلى الأقل و هكذا حتى يصل إلى أبسط صورة ممكنة من الإدماج بالإضافة إلى الخضوع لمنطق القبيلة و التعامل بمنطق من ليس معي فهو ضدي ناهيك عن رغبة البعض الغريبة و العجيبة في أن نصبح جميعا صورة واحدة من بعضنا photo copie و هي استحالة كونية لأن كل منا منفرد بذاته مختلف عن الجميع في صفاته و تصرفاته.
كما لا ننسى الكسل العقلي و الكساد المعرفي الذي أدى إلى بلادة المشاعر و نمطية في التفكير .
و في اعتقادي أن الذي يرسخ هذه الصورة مع وجودها هي وسائل الإعلام و الإعلان سواء المرئية أو المسموعة أو المقروئة فهي التي أعطت الأنطباع لدى الكثير أن المخالف لك هو السيء هذا مع الأخذ بعين الإعتبار توجيهات من يسيطر على أجهزة الوسائل من أصحاب الدسائس.
و الحل في نظري ان نتعلم قبول الآخر، أي آخر كيف ما كان ، و أن نتعلم التعايش مع هذا الآخر و الرضا باختلافه معنا عرقيا كان أو دينيا أو مبدئيا... ولنتخلي عن فكرة التعميم من أساسها و تخطئة ذهنية القولبة بكافة أشكالها والاقتصار في أسوأ الظروف على التجربة الشخصية مع كل فرد على حدة ولنعلم أن الصورة النمطية هي مخطئة في كل الأحوال.
و أخيرا يمكن للقارئ الكريم أن يختلف معي أو يتجاهل نصيحتي و لكن أتمنى أن نضع نصب أعيننا قول الله تعالى "إذ تلقونه بألسنتكم و تقولون ماليس لكم به علم و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم"
</B>