الاستخدامات السلمية للطاقة النووية تحقق مزايا اقتصادية عديدة
الحلم النووي.. دوافع اقتصادية لإحيائه
أمير لاشين**
الاستخدامات السلمية للطاقة النووية تحقق مزايا اقتصادية عديدة
أثار الإعلان المصري عن الدخول بقوة في مجال استخدامات الطاقة النووية في المؤتمر العام للحزب الوطني في سبتمبر 2006، موجة من التساؤلات الداخلية حول توقيت صدوره وما يحمله من أغراض سياسية، اعتبرها البعض هي أساس هذا الاتجاه الجديد.
ولكن هذه الموجة من التساؤلات الداخلية، ما لبثت أن مهدت لنطاق أوسع من التساؤلات تجاوزت الشأن المصري، إلى الحديث حول الضرورة الاقتصادية لامتلاك العرب للطاقة النووية، ومدى ما يمتلكه العرب من إمكانيات تؤهلهم للاستفادة منها.
واتفق الجميع على أن امتلاك العرب للتكنولوجيا النووية سيغير وجه الحياة في المنطقة العربية، ولكن الدافع لامتلاك هذه التكنولوجيا يختلف من بلد لآخر، فيتصاعد في الدول غير البترولية التي تعول على هذه التكنولوجيا آمالا في إنتاج البترول، بينما تقل حدته في الدول البترولية التي تركن إلى رصيدها البترولي، رغم أن الاتجاه السائد عالميا -كما يقول د. جابر حسيب رئيس مركز الأمان النووي الأسبق- هو محاولة البحث عن مصادر بديلة للطاقة البترولية المعرضة للنفاد؛ وهو ما تشير إليه بنود إستراتيجية الطاقة في أمريكا التي تنص على ضرورة تأمين مصادر الطاقة وكذلك الأمر في الاتحاد الأوروبي.
الطاقة النووية والمصادر الأخرى
ويؤكد د. حسيب أن هذا الأمر لم يعد ترفا، بل صار ضرورة في ظل الزيادة المستمرة في أعداد السكان وما يتبعها من زيادة في احتياجاتنا من الطاقة، فضلا عن التناقص المستمر في المصادر الأخرى للطاقة وارتفاع أسعارها بشكل كبير، فإذا نظرنا إلى خريطة مصادر الطاقة وتكاليفها فسنجد أن المصادر التقليدية للطاقة مثل البترول والغاز والفحم في تناقص مستمر؛ لأنها طاقة مستنفدة، فضلا عن أن الفحم له أضراره البيئية الكبيرة ولا تستخدمه في توليد الطاقة سوى الدول التي لديها احتياطي كبير منه مثل أستراليا وجنوب أفريقيا.
أما المصادر الأخرى لتوليد الطاقة أو ما يعرف بالطاقة البديلة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل أساسي؛ فالطاقة المائية التي يتم توليدها من مصادر المياه كالأنهار غير متوفرة لجميع الدول العربية، أما الدول التي بها مصادر مياه لتوليد الكهرباء فقد تم استغلال كل قطرة متاحة للتوليد، ونفس الأمر ينطبق على طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ فالرياح لا يمكن الاعتماد عليها بصفة أساسية، كما أنها ليست رخيصة نظرا لزيادة تكلفة تحويل الرياح إلى طاقة، والطاقة الشمسية من أغلى أنواع الطاقة في العالم، فضلا عن أنها تعتمد بشكل أساسي على الشمس وهي غير متوفرة ليلا.
هذا فضلا عن أن تكلفة إنتاج الطاقة من هذه المصادر مرتفعة؛ فتكلفة توليد الكيلووات ساعة من الكهرباء في المحطات التي تعمل بالغاز الطبيعي 600 دولار، ومن الرياح 1200 دولار، والطاقة الشمسية 1500 دولار، بينما يتراوح سعر الكيلووات المولد في المحطات النووية بين 1500 إلى 2000 دولار، ولكنها تقل مع تطور التكنولوجيا المستخدمة فيها، بالإضافة إلى أنها مضمونة ولا بديل عنها لتنمية حقيقية دون آثار بيئية.
استخراج البترول وتحلية المياه
ولا تتوقف أهمية الطاقة النووية على كونها بديلا مضمونا لمصادر الطاقة، بل يوجد لها مزايا عديدة يعددها د.حسيب، منها إمكانية استخدامها في مضاعفة إنتاجنا العربي من البترول عن طريق إسالة كميات كبيرة من البترول المتجمد في الصخور والذي يحتاج لاستخراجه درجات حرارة عالية جدا لا تنتج إلا من الطاقة النووية.
وتعرف الصخور التي تحمل البترول المتجمد بالطفلة الزيتية ولا توجد هذه الصخور إلا في 11 دولة فقط من بينها أمريكا وكندا والتي تعتبر رائدة في إنتاج المواد البترولية من الطفلة الزيتية، حيث يبلغ إنتاجها من البترول المستخرج من الطفلة مليون برميل يوميا، ومن المتوقع أن تصل إلى مليوني برميل عام 2015 و3 ملايين 2020.
وقد بدأت الدراسات في مصر للاستفادة منها عام 1981، وتبين أن احتياطي مصر وحدها من الطفلة الزيتية 5.7 مليارات برميل بترول، بخلاف الموجود في سيناء، واتضح أنه من الممكن استخدام مفاعل نووي ينتج طاقة قدرها 600 ميجاوات للحصول على 100 ألف برميل يوميا من الزيت الخام من طبقات الطفلة.
كما أن الطاقة النووية يمكن أن تدخل في استثمارات تحلية المياه؛ ففي المملكة العربية السعودية تصل استثمارات تحليه المياه إلى 70 مليار دولار سنويا، وتستهلك كمية كبيرة من الطاقة في هذا المهمة، وإذا تم استخدام الطاقة النووية في عمليات التحلية من خلال الحرارة الناتجة من المحطات النووية، سينتج عن ذلك كميات كبيرة للغاية من المياه يمكن أن تغير وجه الحياة في الدول العربية التي تحتاج إلى مياه محلاة.
خدمة النبات والحيوان
خدمة النبات والحيوان
د.علي إسلام رئيس هيئة الطاقة الذرية
ويمكن أن تلعب الطاقة النووية دورًا كبيرًا في التنمية الزراعية، سواء من خلال توفير المياه أو المساعدة في تحسين إنتاجية العديد من المحاصيل، خاصة أن لدينا كمنطقة عربية أراضي شاسعة تحتاج إلى استغلالها.
وفي هذا المجال قامت هيئة الطاقة الذرية المصرية كما يقول الدكتور علي إسلام رئيس الهيئة باستخدام التشعيع الجامي في استحداث طفرات محصولية ذات صفات مرغوبة وعالية الإنتاجية من الأرز والبطاطس، واستخدام التقنيات النووية في البحوث والتطبيقات العلمية لزراعة الأراضي الصحراوية وتطوير سلالات النباتات الملائمة للظروف الصحراوية، وذلك باستخدام الطفرات المولدة إشعاعيا من خلال التكنولوجيا الحيوية، كما تم استخدام الإشعاع في حفظ الأغذية دون استخدام مبيدات أو مواد حافظة؛ وهو ما يؤدي إلى تقليل نسبة التآلف وزيادة فترات التداول.
واستخدمت الطاقة النووية كذلك في تنمية الثروة الحيوانية، وذلك عن طريق تحديد احتياجات الحيوان في مصر وتقدير القيمة الغذائية لمواد العلف ورفع الكفاءة التناسلية للحيوان باستخدام طرق التقدير المناعي الإشعاعي للهرمونات، فضلا عن استخدام التقنيات النووية في معرفة مصادر الثروة المائية عن طريق عمل الدراسات الهيدرولوجية لمناطق الاستصلاح الجديدة في سيناء والوادي الجديد وتوشكى.
ويوضح د. إسلام أنه تم تصنيع وإنتاج الكواشف الإشعاعية اللونية التي أصبحت من متطلبات التحقق من تعريض المنتجات الزراعية للجرعات الإشعاعية المحددة من قبل الشركات المنتجة لها بهدف تقييمها وحفظها لفترات الصلاحية المقررة، وذلك بدلا من استيرادها من الخارج؛ وهو ما أدى إلى توفير النقد الأجنبي اللازم كما تم التعاقد مع شركة أمريكية لتسويق هذا المنتج عالميا.
ونجحنا كذلك في إنتاج الهيدورجيل الزراعي وهو تركيبة مصنعة من مواد لها قدرة عالية على امتصاص الماء، وذلك لرفع درجة احتفاظ التربة الرملية بالماء وتزويد النبات بها عند الحاجة إليه، وذلك كإحدى الحلول لمشكلة التصحر لزيادة الإنتاجية الزراعية على أرض الواقع.
د.محمود بركات الرئيس الأسبق للهيئة العربية للطاقة الذرية
الدول البترولية الأقل احتياجا
د.محمود بركات الرئيس الأسبق للهيئة العربية للطاقة الذرية
وعن مدى الإمكانيات المتوفرة بالدول العربية لامتلاك الطاقة النووية يقول د. محمود بركات الرئيس الأسبق للهيئة العربية للطاقة الذرية: إن الإمكانيات متوفرة ولكن لا يوجد الدافع لذلك؛ فالدول العربية المالكة للبترول ليست بحاجة لامتلاك الطاقة النووية بشكل مباشر، ولكنها يجب أن تخطط لاستخدامها كمطلب حضاري في التنمية، كذلك يجب النظر إلى البترول العربي كثروة ثمينة يمكن توفيرها وبيعها بأسعار غالية تحقق للعرب مكاسب كبيرة؛ نظرا لاحتوائه على العديد من المواد الكيميائية.
أما الدول العربية التي لا تملك مصادر طاقة بترولية فإن امتلاك التكنولوجيا النووية أصبح أمرا ملحا وضروريا لها في ظل المزايا الهائلة التي يمكن أن توفرها لها الطاقة النووية.
ولكن ذلك يضعها أمام تحد كبير وهو توافر مستوى علمي وحضاري وفني كبير فضلا عن التمويل.
عودة العلماء المهاجرين
ويؤكد الباحث السياسي عبد الوهاب الديب أن الوطن العربي يمتلك كوادر بشرية في المجال النووي والذري وصلت إلى العالمية، ولكنها تحتاج إلى مشروعات قومية تجمعهم.
ومن ثم، فإن عودة المهاجرين من العلماء قد يكون أحد أهم مكاسب إحياء الحلم النووي العربي، إضافة إلى المكاسب الاقتصادية الأخرى.
--------------------------------------------------------------------------------
** صحفي مصري، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني للنطاق namaa@iolteam.com