في الذكرى الأولى لاستشهاده
كلمات رثاء لولدي الشهيد البطل محمد عبدالوهاب الجبوري
بسم الله الرحمن الرحيم
( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند ربهم يرزقون ) صدق الله العظيم
ولدي الحبيب محمد أحييك بتحية الإسلام ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبدا حديثي فأقول اجل أيها القمر المسافر في الوجع المشرئب ، فأنت حي عند رب العرش العظيم تنعم في جنة الخلد بإذن الله مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما أخبرتنا في الرؤية – أكثر من مرة - بأنك في الفردوس الأعلى مع حبيبنا المصطفى وأنت تنعم بخير صحبة في الدنيا والآخرة ... هكذا اصطفاك التيار الصاخب فتى يرتدي حلة من عذاب التين والنخل والزيتون .... يترك قمصانه للعيون تغسل أوجاعه ...وزهر الياسمين الثمل بأشرعة الصمت يهدر بين النهر والبحر ، وتدور الفصول ... تحط النسور عند ضريحك ... وتتأهب للحوم مأخوذة بالحنين إلى هذا البلد الأمين ..
ولدي الحبيب وقرة عيني أبا مريم وطيبة .. يا نبض الفؤاد ، يا نسيم الروح .. ياحبيب والدك ( أبو الشهيد وعم الشهداء وخال الشهداء ) يا حبيب أمك ( بنت الشهيد وأم الشهيد ) يا حبيب أخيك علي وأخواتك شيماء وخنساء وأسماء وزهراء وإسراء .. يا سليل الصحابي الجليل عمرو بن معد كرب الزبيدي .. وأنت تلتقيه بإذن الله في دار الخلد منعما مكرما .. فإننا نفخر بان نكون من عائلة شهداء وأصحاب للمساكين والفقراء والأيتام والأرامل والباحثين عن النور والعز ورفعة دين الله ونصرة الأمة التي جعلها الله خير امة أخرجت للناس ..
أيها الساكن داراً خيراً من دارنا ،أيها الأكرم منا جميعا .. هل يحق لي أن أرثيك وكيف وأنت الشهيد ؟ .. أي لسان يوفيك حقك وقد سماك الله شهيداً.. واسمك على اسم حبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم .. إنني عندما أسميتك محمدا لم يكن صدفة ، فقد نلت كل معنى من العلياء يا ولدي .. يا سيد الكبرياء في الزمن المأسور بالصمت .. أيها الصاعد إلى عالم الانعتاق .. أيها التارك للزوال إلى البقاء .. أي دمٍ رائعٍ هذا الذي منك قد سال .. أي عبق هذا الذي منك قد فاح .. أبيت إلا الصــعود فوق القمم .. أبيت إلا مكاناً فوق النجوم .. وقفت والشمس في موضع ، تشرق فينا بإشراقها وتغرف عنا بغروبها .. شروقك فينا نور لا يفنى ، وغروبك عنا ذكريات لا تنسى ..
يا ولدي ، يا أول الأبناء في عمري .. في مقامك هذا لات حين بيع الرثاء منا : بطولتك ، شجاعتك ، إقدامك ، إيثارك ، صبرك ، فداؤك كلها ترثيك في اليوم ألف مره .. أقسمت أنك أقوى من زمانك ، أعظم من جراحك ، أحلى من حياتك ، أسبق من فواتك ..
أتذكرك بطلاً مقداماً محباً لدينك ووطنك وشعبك وأمتك عاشقاً لآخرتك ساعيا لها بما سخرت الدنيا في طاعتك وعبادتك وعملك كي تنال حظك الأوفى في الآخرة من الدنيا وما فيها من مباهج والآم وأحزان وترف زائل ..
فكنت أيها البطل غراً صعباً على المحتلين وان كنت قد نذرت نفسك أن تموت في فلسطين مع والدك الذي قاتل اليهود في معظم حروب العرب والمسلمين ضدهم ولا زال يحمل الراية بعون الله حتى آخر يوم في حياته ..
أي شهيدٍ أنت يا ابن معد كرب الزبيدي .. أي شعاع من الشمس أنت تضيء مدارج الصاعدين خلفك؟!
متَّ صامتاً إلا من صوت الرصاص يخترق أجساد عدوك ..
دمك الأحمر لوّن أماسينا بجمره الحنون وأضاء الوطن بأمل الانتصار ..
دمك الأحمر لن ينسى ومظلمتك لن تبلى .. دمك الأحمر في رقابنا قلادة من أمانة ، فإن نسيناه فقد خنا الأمانة.. فارفع جبينك فوق ضوء الشمس فما زلت حياً لم ترحل وإن واريناك التراب ، فصبحك ينبت ألف صبح ، ودمك ينبت في الميادين الزهور .. أنت في ضمير الأحرار ، والمجاهدين والأبطال حي .. وفي ضمير التاريخ صفحة مشرقة وهاجة .. أنت للحق المغتصب جولةً وصولةً وقوةً .. طهارتك جزءٌ من طهارة عرضك وأرضك ووطنك .. عظمتك جزء من عظمة دينك ورسولك وأمتك .. كل من يعرف عنك شيئاً ظن أن الطيور في السماء تغرد فرحاً باستشهادك وتخفق إعجاباً لصبر أبيك وأمك وإخوتك واحبابك حين خرجوا يحملوك هدية إلى الوطن الغالي ..
زفتك النساء والرجال والشيوخ والأطفال ، حتى الطيور والأشجار والأزهار .. ومريم كانت في حضنك قبل يومك وطيبة لم تكن قد ولدت بعد وهاهي تتساءل أين أبي ؟.. فأقول لها ذهب إلى الله ملبيا نداءه وستكبرين وتعرفين معنى ما أقول ..
لقد اختارك الله في يومه المبارك فكان رميك على عدوك مبارك فبوركت يا بطلاً شهيدا بين الشهداء وبورك البيت الذي شع نورك منه لتكون أهدافك التي خرجت من اجلها أملا ونوراً لا تبدده الأيام ..

جاء موعد اللقاء فنزلت الملائكة واصطفت لاصطحاب روحك الطاهرة إلى بارئها ، فيما تزينت الحور العين لاستقبال زوجها البطل ، وتجهزت الطيور الخضراء لتسكنك حواصلها ، هكذا وليسدل الستار على أخر صفحة من صفحات جهادك الخالد وحياتك الدنيا أيها العملاق ، وتبقى ذكراك حية ترتعش في قلوبنا ووجداننا ، وتبقى ملامحك ترتسم أمام عيوننا في كل حين ..

إلى جنات الخلد يا ولدي ولك من قبيلتك – قبيلة الجبور كبرى قبائل العرب - ومن شعبك وأمتك وإخوانك في الدين ومني ومن أمك وإخوتك خير السلام ..
وأقول فيك كما قال حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم ( يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأن آخرنا سيلحق أولنا، لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب‏ ) ..
أدعو الله الصبر و أن يسكنك جناته ويعينني أن احسن تربية بنتيك مريم وطيبة وأخواتك وأخيك علي وأحفادي وان أرعى والدتك الحنون بإذن الله خير الرعاية وخير الصحبة حتى يأذن الله بأمره ..
وبإذن الله سنجعل من يوم 16 / 2 / 2010 يوما محفورا بقلوبنا نستقي منه الدروس والعبر ونتذكرك حيا بيننا لأنك لم تمت بقلوبنا ولن تمت ولدي الحبيب ..
استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه أيها الغالي أبا مريم ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والدك المحب الفريق ( م) عبدالوهاب محمد الجبوري
16 / 2 / 2010