تمتدّ الأصابع عشرا في دروب الروح باحثة عن تلك الصور الموزعة هنا وهناك عن وطن عشناه وعشقناه وذبنا فيه ، فتجد أنّ الروح تحولت كلها إلى وطن يكاد يشابه فلسطيننا في كل شيء والغريب العجيب فقط يتحدد في هذا الحنين الذي يلفّ وطن الروح إلى الوطن الذي على الأرض معلنا ألا تكامل يمكن أن يكون إلا في التقاء الوطن الروحي مع أصله الموجود على الأرض والمحدد بكلمة فلسطين والتي تعني كل الوطن دون اجتزاء أو نقص أو قضم لأي قطعة مهما كانت ..فالوطن الذي رسمته الروح واستوعبته وعرفته منذ البدايات لا يمكن أن يتغير أو يتبدل مهما جرى .. ومن يظن أن ذهاب قطعة أو شبر من فلسطين شيء ممكن فهو لا بد مغرق في الوهم بل غارق في تخيل أشياء لن تحدث أبدا..!!..
حين نقول بكل ما فينا من حناجر وعروق ودم إن صقيع الغربة يلفنا مع كل شرذمة أو تفرق أو تباعد فإننا نعي تماما ما نقول ونعرف عن أي شيء نتحدث .. ففلسطين التي نطلبها هي فلسطين تامة كاملة لا ينقصها أي شيء.. وكل شرذمة أو تفرق يعني تأخيرا وتأجيلا للحلم دون مناسبة .. أما حين نكون كتلة واحدة متراصة مترابطة متلاحمة فإنما نقرب الحلم ونبتعد قليلا عن صقيع الغربة لأننا نرى فلسطين قاب قوسين أو أدنى وهذا حق طبيعي من حقوقنا ، وهو شرط من شروط عودة الوطن تاما كاملا إلى أهله ومواطنيه وشعبه ..
لنبعد إذن صقيع الغربة شيئا فشيئا بعودة اللحمة بل التلاحم إلى الشعب الفلسطيني كافة ولنتجاوز الآن الانتماءات لغير فلسطين فلا شيء أكبر من الوطن ولا انتماء أهم من الانتماء للوطن لا حب يفوق حبنا للوطن .. نحن لا نقول لأحد ولا نطلب من احد عدم الانتماء إلى هذا التنظيم أو ذاك ، فكلٌ حر بتبعيته تلك .. لكن طلبنا وهو جد واقعي أن تكون كل التنظيمات وكل الانتماءات وبشكل طبيعي أصغر بكثير من فلسطين وأقل بكثير من فلسطين لأنها ما كانت أساسا إلا من اجل فلسطين وتحرير فلسطين وعودة فلسطين إلى أهلها .. ومهما كبر التنظيم وصارت قيمته لا يمكن أن يكون أهم من فلسطين وأكبر من فلسطين .. منذ البدايات ، وقبل تشكيل أي تنظيم وبعده ، كانت فلسطين هي الغاية والهدف الذي نريد الوصول إليه .. كل الشهداء الذين سقطوا في الطريق إلى تحرير فلسطين كانوا وما زالوا عشاق فلسطين وحبها والزاد الذي يمنح فلسطين شموخها والدرس الذي يعلمنا كل يوم بل كل دقيقة أن الشهادة هي الأسمى والأغلى في الرحيل إلى تحرير فلسطين .. لا نتذكر ولا نذكر غير الشهيد وأنه قدم أغلى ما يملك من اجل فلسطين.. لا ننكر أهمية كل تنظيم وأهمية ما قدم ، لا ننكر أهمية الانتماءات للتنظيمات وأهمية ما أعطت.. لكن كل ذلك كان في الطريق إلى فلسطين فقط وليس من اجل شيء آخر..
لذلك وبربكم أبعدوا صقيع الغربة بتلاحمكم وتآزركم وتكاتفكم كي نقترب من فلسطين أكثر فأكثر لأن فلسطين التي تناديكم صباح مساء تدعوكم قبل أي شيء إلى نبذ كل فرقة وتشرذم وتفرق حتى تعود كل حبة تراب إلينا دون اجتزاء ..
طلعت سقيرق
سها سقيرق