السؤال السياسي الأكثر استفزازا للعقل السليم في السياسة الأردنية..
أسامة عكنان
يستفزني كثيرا سؤال أسمعه عند خوض المناقشات في وضع البلد حاضرا، وفي مآلها مستقبلا، حتى مع بعضٍ من هؤلاء الذين يَنشدون التغيير نحو الأفضل..
فكثيرا ما يتم طرح السؤال التالي: "ومن البديل؟!"..
أي من هو الشخص البديل المقترح لاستلام الحكومة، ليتم ضمان حدوث الإصلاح؟!..
ليتم البدء باستعراض قائمة طويلة من الأسماء التي يرشِّحها المتسائلون لاستلام زمام الأمور في البلاد، أو التي يعتبرونها الأكثر ملاءمة مما هو متاح لأجل ذلك.. "أحمد عبيدات"، "عون الخصاونة"، "عبد الكريم الكباريتي"، "ليث شبيلات".. إلخ..
وفي السياق تظهر مقولة أن النظام جفَّفَ على مدى عقود من البطش والاستبداد والتفرد والتفتيت والتغييب التي مارسها ضد الشعب وقواه الوطنية، كل الوجوه البارزة التي يمكنها أن تكون مؤهلة للقب "رجل المرحلة"، أو "رجال المرحلة"..
وهنا يكمن جوهر المعضلة الذهنية التي يعيشها الأردنيون، والعرب عموما..
فلا يَسأل عن البديل مُرَكِّزا اهتمامه أو تصوُّرَه في "شخصٍ" محتملٍ يمكنه أن يكون جيدا، بدلَ شخصٍ قائم تنطبق عليه كل معاني السوء، إلا من كان يرزحُ تحت سيطرة وتوجيه ثقافة "الاستبداد" و"الفردية"، مهما ادعى غير ذلك..
ما يزال النظام الأردني ناجحا ومتفوّقا، وقادرا على الاستمرار بكلِّ مُكونات التبعية والوظيفية والفساد فيه، مادامت الغالبية العظمى من الأردنيين، عندما تبدأ بالبحث عن الحل، تيمِّمُ وجوهها شطر أفرادٍ من سوق السياسية الآسن القائم على منهجٍ آسن، حتى لو كانت تركز على إيجاد الأقل سوءا من البضاعة الملقاة في هذا السوق، أو حتى لو أنها رأت الحل في يدي بطل تاريخي ضرجته السجون والمعتقلات والنضالات التي لا تفتر؟!
فحتى البطل الذي يقدم كل بطولاته ليكون هو البديل، ليس إلا مستبدا من نوع خرَّجته الزنازين، ورصَّعته نياشين الصبر والمثابرة، لكنه أبدا لن يكون هو الحل، لأن الحل ليس في وضع شخص نبيل مكان شخص دنيء.. ولا استبدال مستبد ظالم، بمستبد عادل – إن صح القول بأن هناك مستبدا عادلا أصلا – بل هو استبدال نهج مكان نهج، وفلسفة حكم وإدارة للدولة بدل أخرى..
ما لم نتحرر من استجداء الحلول في تقصي النماذج الفردية التي نُلقي عليها حمولاتِنا وآمالِنا ورجاءاتنا، فإننا سنراوح في أمكنتنا، وسوف نمنح لفلسفة الاستبداد والفردية التي نعاديها في النظام، كل أنواع المشروعية..
البديل هو نهج جديد..
البديل للاستباد والفردية، هو الديمقراطية والتشاركية..
البديل للملكية المطلقة، هو الملكية الدستورية..
البديل لسلطة الملك الواحد الأوحد وللطغمة الطبقية، هو حكم الشعب وتداول السلطة والفصل بين السلطات..
البديل للحكومات المعينة، هو حكومات منتخبة عبر صناديق الاقتراع..
البديل للفئوية والإقليمية والجهوية ولكل الهويات الفرعية المدمرة، هو المواطنة الكاملة..
البديل لنهج التبعية والوظيفية، هو نهج الاستقلال وتحرير الموقف السياسي..
البديل للنموذج الاقتصادي الفاسد الرأسمالي التبعي، هو نموذج يقوم على التنمية المستدامة والعدالة والتكافل الحقيقي..
وبكلمة أخرى فإن البديل لنهجٍ وظيفي تبعي فاسد قطري قائم، هو كل تلك الأمور المقابلة التي يجب أن تتضمنها وثيقة دستورية جديدة يصيغها الأردنيون، ويصيغوا في ضوئها حزمة من القوانين الناظمة لمخرجاتها، مثل قانون الأحزاب، وقانون الانتخاب، وقانون المطبوعات.. إلخ..
وعندما يتجسَّد هذا البديل، يفقد الأفراد أهميتهم وقيمتهم، إلا بقدر ما يكونون مجسدين لسيرورة فعلية لهذا البديل..
وبالتالي فالبديل لمن يسأل ما البديل؟!
هو هذا النهج، وهذا النموذج، وهذا الشكل للدولة..
وأما من سيتولى تنفيذ هذا المشروع الذي سينقلنا من حالة قائمة مرفوضة، إلى حالة بديلة مرجوة، فهو الشعب وحراكه وقواه ووطنيوه وقادته الفكريون والسياسيون وكبار مثقفيه.. إلخ.. وليس لا الشخص الفلاني، ولا الشخص العلاني..
فلنخرج من هذه البوتقة القميئة التي ما يزال النظام يحرص على تحقيق نجاحاته من خلال إبقائنا ندور في داخلها..