الموشحات الاندلسيه بين ناقديها قديماً وحديثاً:
دد/ أحمد مقبل محمد المنصوري
لملخص:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وبعـد
فلقد حظيت الموشحات الاندلسية، وما زالت تحظى، بمكانة مرموقة أهلتها لأن تكون عقداً ناصعاً يتألق في عنق أدبنا العربي القديم والحديث، أو تكون غصناً رطيباً جادت به الطبيعة الأندلسية الغناء حينذاك وما يزال ينضح بالرقة والعبق والعذوبة، ويذكرنا دوماً بطبيعة الأندلس ولياليها العامرة بالأنس والطرب والغناء.
وإذا كان القدماء- مشارقة ومغاربة- قد اعترفوا بفضل الأندلسيين في اختراع هذا الفن ورحبوا به، وعدوه مما ترك الأول للآخر، ومما أغرب به أهل المغرب أهل المشرق، فإن النظرة المملوءة بالإعجاب إلى هذا الفن ما تزال ماثلة إلى اليوم!.
فلقد أعجب الأقدمون بهذا الفن وهم يستمعون إليه ولقد عبروا عن إعجابهم بطرائق عدة، تعدى في جانب منه التصفيق وشق مصونات الجيوب والقلوب ،وعبارات من مثل: (لله درك، وواطرباه!) إلى تسجيل جوانب تمس هذا الفن وتمس مبدعيه، وإلى رصد لقضاياه المتنوعة وبحث عن أسراره الشكلية والوزنية والموضوعية وعن أسرارمبدعيهوخصائصهم الإبداعية ، إما في سياق كتب التراجم العامة أو كتب الأدب والتاريخ أو في سياق كتب اختصت به وبقضاياه.
وبالمثل فإن المحدثين لم يقلوا إعجاباً به عن القدماء ولقد انصرف هذا الإعجاب إلى رصد قضاياه رصداً بدا في جانب منه مخلصاً، هدفه الكشف عن أسرار هذا الفن وجمالياته، وإبراز قضايا خلافية فيه، لكنه بدا في جانب آخر منه رصداً يحمل في طياته نوايا محمومة بهاجس حضاري يود لو يسلب الآخر فضله في الإبداع في سبيل إثباته لنفسه، وقد أدى مثل هذا القصد إلى الخوض في آراء بعضها حق وبعضها الآخر زيف و باطل!
ولقد كان من حسن حظ هذه الاطروحة أن تقف على هذا الثراء النقدي المتنوع سواء ما كان لدى الأقدمين أو ما كان لدى المحدثين.
والحق أنني حين عرضت فكرة هذا البحث على أستاذي د. سامي مكي ورحب به قبل اعتماده لم يكن بحسباني أنني سأقع على ميدان خصب كهذا ،حيث لم يكن حينذاك في ذهني سوى عبارات لابن بسام وابن سناء الملك وابن الخطيب ثم خيوط من قضايا أصله وأثره في سواه وشيء من أولياته ،لكنني ما إن شرعت في الجمع واستقصاء ما يتصل بهذا الموضوع من لدن القدماء والمحدثين من النقاد المشارقة والمغاربة حتى رأيت رأي العين أنني أمام موضوع رحب وواسع، ولقد هدتني المادة المجموعة بين يدي إلى أن أسلكها في هذه الخطة التي بدأتها بمقدمة وتمهيد ثم بابين وخاتمة؛ أما الباب الأول فقد كان: الموشحات والنقد القديم
حاولت فيه أن أجمع النصوص التي مست الموشح أو صاحبه بنقد أو ترجمة أو إشارة، فوجدت تلك الشذرات النقدية موزعة بين ثلاثة أنواع من الكتب، مما أفرز أمامي فصلاً مكتملاً سميته الفصل الأول بعنوان:الموشحات في المصادر القديمة. وتوزع بين:
1- الموشح في كتب التراجم.
2- الموشح في الكتب الأدبية والتاريخية.
3- الموشح في الكتب المختصة بالموشح.
وكان لابد بعد جمع النصوص النقدية في هذه الكتب، وعرضها أن ننظر فيها وفي محتواها وقضاياها، وتسليطها على ألوان النقد الحديث، ومن ثم النظر في معايير النقد القديم وسماته، فجاء الفصل الثاني بعنوان: محاور النقد القديم وقضاياه وألوانه ومعاييره وسماته. وقد توزع بين:
أولا: محاور النقد القديم:وهي 1-الوشاح 2-الموشح 3-المتلقي
ثانيا: قضايا النقد القديم ،وتوزعت بين قسمين:
أ. قضايا خاصة: 1- القديم والحديث.
2- الوضوح والغموض.
3- الطبع والتكلف.
4- تداخل النصوص والمعارضات بينها.
ب. قضايا عامة:1- الموشح والزجل.
2 - الموشح والغناء.
ثالثا: ألوان نقد القدماء للموشح في ضوء النقد الحديث:
1- النقد التاريخي.
2- النقد الانطباعي الذوقي.
3- النقد اللغوي.
4- الموشح والتناص.
5- النقد الشكلي.
6- النقد الفني.
رابعا: معاييره وسماته.
أما الباب الثاني فقد تناول: الموشحات والنقد الحديث.
ولأن المادة هنا غير مشتتة أو متباعدة ،حيث ركز القول في الموشحات من لدن النقاد المحدثين دون سواها، فلم نحتج إلى تتبع لمصادر أو مراجع، ولقد وجدنا أن أفضل ما نقدمه هنا هو الوقوف على قضايا الموشح النقدية ثم تسليط الضوء على المناهج النقدية التي سلطها المحدثون على الموشح، فجاء هذا الباب في فصلين:
الأول: قضايا نقدية أساسية (حضارية).
وقد أسميتها كذلك لأنها نقدية من جانب، ومن جانب آخر تحمل نوايا الهدف منها رفد الذات المعاصرة بموروث كان له صداه في القديم، من أجل إثبات الفضل لها في ذلك الموروث. إما على وجه الحق أو الادعاء وهذه القضايا:
1- أصل الموشح.
2- وزن الموشح وقافيته.
3-الموشح بين التأثر والتأثير.
أما الفصل الثاني فقد جعلته مختصاً بـ "قضايا نقدية ثانوية وألوان نقدية حديثة في نقد الموشح":
أما القضايا الثانوية:فقد أسميتها كذلك لأنها، من جهة ،لم تنل الاهتمام الوافي من لدن النقاد المحدثين مثلما نالته القضايا السابقة،ربما تنوعت رؤيتهم في بعض القضايا ،كالمصطلحات مثلا، لكن ذلك لم يرتبط بخلاف أو صراع وإنما أخذ كل ناقد يبدي وجهة نظره بما يقتنع به، وعند رصد هذه الرؤى تبين لنا أننا أمام كم هائل من وجهات النظر،وأننا أمام قضايا مهمة ،وإن كانت غير بارزة. ولأن فيها،من جهة ثانية ، ما يرتبط بالموشح من جانب، وجانب لا علاقة له بها إلا من حيث ارتباطه بشق منها، وهذه القضايا هي:
1- الموشح والمصطلحات.
2- الموشح بين الجدة والبلى.
3- الموشح والغناء.
4- الموشح والزجل.
5- الموشح والموضوع.
وأما الألوان النقدية الحديثة في نقد الموشح فقد تمثلت لي كالأتى:
1- النقد التاريخي.
2- النقد الفني.
3- النقد البنيوي.
4- الموشح والتناص.
5- ألوان أخرى من النقد:
1- النقد الانطباعي التأثري.
2-النقد المدرسي.
3 -النقد التفكيكي.
ثم كانت الخاتمة أخيرا ، وقد رصدت فيها أهم النتائج والوصايا التي ظننتها جديرة بالرصد بعد هذه الرحلة المضنية مع نقاد الموشحات .ثم دونت بعد ذلك المصادروالمراجع.
ولقد أفادت هذه الدراسة وهي تسير في خطتها هذه التي ارتضتها، من معالم وجدتها في طريقها ويمكن أن أشير إليها على هذا النحو:
1- أشار بعض الدارسين وهم يتناولون الموشح ،لوناً شعرياً لا شأن له بالنقد، إلى مؤلفات للأقدمين ، إما للإشارة إلى أنها قد تجاهلت هذا الفن ،أو ألمت به مثلما فعل د. سيد غازي في مقدمة "ديوان الموشحات الأندلسية" أو د. زكريا عناني في مؤلفه "الموشحات الأندلسية" أو شيترن في كتابه "الموشح الأندلسي".. لكنها إشارات وحسب، فلم تقف على النصوص الواردة في تلك المصادر التي استشهدوا بها ولم يسردوها كاملة ،ولا نظروا في قضاياها، ولكن مجرد إشارات عابرة فقط ومجتزأة وغير مستفيضة كما فعلنا في هذه الدراسة. ثم إنها لا تتجاوز الصفحة أو الصفحتين أو الثلاث.
2- وقف بعض المحدثين أمام قضايا تمس هذا الفن من حيث وزنه وقافيته وموضوعاته، ليس من باب النقد ولكن من باب إبراز تلك القضايا وكانوا مع جهدهم هذا مادة لدراستنا، وجهدهم بعيد من جهدنا إلا من حيث استضافتهم لبعض الآراء التي أوردتها الدراسة.
3- اتفقت هذه الدراسة مع الآراء السديدة وعضدتها في حين ردت الآراء الشاردة وعارضتها.
4-وجدت الدراسة أن بعض العنوانات ،في بعض المباحث، تتفق مع جهد بعض النقاد ،كمبحث أصل الموشح مثلاً ، فلم تتردد في الكشف عن سداد الآراء التي وردت في هذه الجهود، ولم تقف مع موافقتها لتلك الآراء حبيسة التكرار ولكنها اتخذت طريقها الذي رسمته لنفسها مفيدة مما تجده أمامها وسالكة سبيلها المرسوم لها.
وأزعم أن هذه الخطة التي انتهجتها هذه الدراسة غير مسبوقة، ولقد اقتضت طبيعتها أن أبدو بشكلين اثنين:
الأول: أن عملي يمكن أن يسمى بـ "نقد النقد" وأبدو معه ناقداً للنقاد، حين أرصد آراءهم وأناقشها ولكنني مع ذلك في الشق الثاني أبدو ناقداً حين حاولت أن أبرز جهدالأقدمين أو المحدثين في قضايا، وحين عرضت نقدهم على ميزان النقد الحديث.. فأنا هنا أقوم بدورالناقد، وهناك حين أعرض الآراء وأحاورها ناقد النقاد، والشكلان ينضويان أخيراً تحت مسمى الناقد، والعمل جميعاً نقد. وإذا كان الناقد يتحمل مشقات تقف في طريقه فإن ناقد النقاد سيكون حمله لا شك أثقل وأكثر إرهاقاً.
ولقد حاولت الدراسة أن تستقصي ، ماوسعها الاستقصاء،كل رأي وجدته أمامها يمس الموشحات أو أصحابها،لاسيما الأقدمين لكون الرأي منهم مهم في سبيل تأشير نصوص نظرية نقدية قديمة شبه مكتملة،ومفهوم الناقد الذي تعاملت معه الدراسة واسع إذ كل رأي يدخل في صميم عملي ولو لم يكن صاحبه ناقدا لأن المهم رأيه النقدي الذي مس الموشحات أو أصحابها بحكم أو إشارة.
وأما طبيعة المصادر التي تعاملت معها في هذه الدراسة فهي تتوزع ما بين كتب التراجم وكتب الأدب العامة وكتب مختصة بالموشح ،وكتب نقد قديمة وحديثة وكتب عروض وكتب حضارة وكتب تاريخ للأدب، وكان لابد من الاطلاع على معطيات النقد القديم عامة ومعطيات النقد الحديث ومناهجه النقدية، والنظر إلى نقد الموشح القديم والحديث في ضوء تلك المعطيات.
وكان لابد من النظر إلى المشرق ومؤلفاته والأندلس والمغرب ومؤلفاتها ومن ثم النظر إلى المستشرقين ومؤلفاتهم وآرائهم.
وكان من عقبات الاطروحة هذا الاتساع الزماني (قديماً وحديثاً) والاتساع المكاني (شرقاً وغرباً).. ناهيك عن صعوبة الحصول على مصدر أو مرجع إلا بشق النفس. الأمر الذي ألجأنا إلى المراسلة خارج القطر: اسبانيا، المغرب، مصر، السعودية، الاردن، سوريا، اليمن، الامارات… أو عن طريق اللجوء إلى مكتبات خاصة،كمكتبةأستاذنا القدير: هلال ناجي، ومكتبة أستاذي د. محمد شهاب العاني ومكتبة أستاذتي د. هدى شوكت بهنام. وأخيرا اللجوء إلى السفر إلى سوريا لاستكمال ما بقي من المصادر والمراجع. ولكن لذة الحصول على المرجع أو المصدر تزيل التعب وتحيله شهداً لذيذاً!وليس أكثر لذة من أن يظفر الباحث بما يمس موضوعه من مصادر تطفئ الهم وتنسي المشقة والإرهاق!
ولا يسعني أخيراً إلا أن أشكر أستاذي د. سامي العاني الذي ذلل لي الكثير من الصعاب، وهو يرعى هذا البحث منذ أن نشأ فكرة حتى استقام بحثاً مستوياً بملاحظاته وتوجيهاته السديدة، فجزاه الله عني خير الجزاء وأحسنه.
وآمل أن أكون قد وفقت في جمع أطراف هذا البحث، ولم شذراته المتفرقة وقضاياه المتنوعة، ولا أزعم أن هذا الجهد يضع القول الفصل في هذا المجال، ولكن حسبه أنه محاولة تنتظر محاولات فإن وفقت فيه فمن الله، وإن قصرت فمن نفسي
الخاتمــــــة
يبدو أنه قد آن الأوان،بعد هذه الرحلة الممتعة بكل منغصاتها، لأن نرصد أهم النتائج والوصايا التي لحظناها من خلال هذه الاطروحة التي بذلت نفسها مخلصة في سبيل تتبع النقاد القدماء والمحدثين وهم يتناولون الموشحات الأندلسية وقضاياها المتشعبة ويبدو فيها آراءهم النقدية المتنوعة وأحكامهم المتباينة. وأهم ما وقعنا عليه:
· أن تناول الموشحات قد تنوع لدى الأقدمين ما بين مختص بها اختصاصاً لا يتجاوزه إلى غيره وغير مختص جاء اهتمامه بها اهتماماً عرضاً، إما في سياق الترجمة لأصحابها أو في سياق الاستشهاد بها ضمن كتب أدب عامة تؤرخ وتختار للأدب عامة.
· أن اهتمام أصحاب التراجم انصرف إلى الاستشهاد بالموشح في مدة متأخرة وذلك في القرن السادس الهجري بعد أن تأكدوا أن الموشح أصبح ذا حضور واضح تؤلف فيه الكتب المختصة به ،ومن قبل تحاشت الإشارة إليه حين ترجمت لأوائله. وكان المشارقة أسبق من المغاربة في الترجمة لرجاله والاستشهاد بنصوصهم.
· أن الكتب المختصة بالموشح جاءت أولاً من لدن المشارقة في الوقت الذي كان فيه الأندلسيون متهيبين منه.
· أن كتب الأدب العامة قد أسهمت في حفظ نصوص هذا الفن ورعايته لاسيما بعد أن أثبت ذاته وحضوره وكان الأندلسيون والمغاربة هم أصحاب هذا الاهتمام أكثر من سواهم.
· أن غياب الإشارة إلى الوشاح أو الموشح من لدن كتب التراجم الأولى في المشرق والأندلس إنما كان يعني أن المصطلح لم يكن قد استقر وكان مصطلح شاعر هو المسيطر على ما عداه من مصطلحات، ولم يلبث أن أصبح مع تقدم الزمن مصطلحاً مستقلاً يختلف عن غيره من المصطلحات ويستعمل بدقة.
· أن اختيار الموشحة في الكتب القديمة عامة كان يخضع لشروط أهمها: الشهرة والجودة والفرادة وقد شفع للوشاح المقل في الاختيار جودة ما عنده.
· أن الأقدمين متفقون على أن هذا الفن نتاج أندلسي خالص وأن الموشح بإرادته قد جعل خرجته مركبة من ألفاظ عامية وعجمية منتقاة من البيئة التي كان يعيشها ،وبحسب ما كان يجيد من تلك اللغة الدارجة . لا لأن هذه الألفاظ فعلت فعلها في خلق الموشحة ككل، ولا لأنها أثرت في ابتكار الموشحة.
· أن نص ابن بسام الذي اتهم برفضه للموشح يعد في نظرنا نصاً تأسيسياً مهما لا يمكن لأي ناقد أن يستغني عن إشاراته الثرية، وقد امتد أثره إلى من جاء بعده كابن سعيد وابن خلدون والمقري.
· أن الناقد القديم كان يطلق نقده على الوشاح مرة وعلى الموشح مرة أو يخص المتلقي مرة أخرى ليس على نية التفريق بين هذه الأطراف وإنما كان يشعر ضمنا أن نقد أحدهم يعني نقداً للآخر دونما فرق أو أن جنوحه ذلك لا يعني أنه منحاز لطرف ورافض للآخر.
· أن إشارات الأقدمين ذات النية الحسنة كإشارة ابن بسام إلى خروج الموشح عن أوزان العرب أو إشارة ابن سناء الملك إلى أن الكم الغفير منه لادخل لأوزان العرب فيه، فهمت خطأً وكان من نتائج هذا المفهوم المخطئ اعتبارها داخلة في أوزان غير عربية! علماً أن الاختلاف بيّن، والاتكاء على وزن عجمي أثر في الوشاحين أمر مستبعد جداً لأن الثقافة الأدبية التي تربى عليها الأندلسيون شعراء ووشاحين سواء أكانت دماؤهم عربية أم مهجنة هي ثقافة عربية، ولم نسمع بشعر آخر كان متداولاً آنذاك وإلا ما سر سكوت المصادر عن ذلك؟.
· أن مصطلح "موشح" استعمل أول ما استعمل في الغناء وكان الكندي أول منظر له وحين انتقل زرياب إلى الأندلس نقل غناء الموشح، وهناك نشأ هذا الفن وأطلق عليه هذا المسمى انتقالا من الغناء وهي أقرب من انتقالها من حيّز المعجمات الدالة على كرزين من لؤلؤ وغيره.
· أن في إشارات الأقدمين وممارساتهم النقدية ما يستطيع أن يضيء جوانب من مناهج النقد الحديث لو أننا تأملناها بعين منصفة وينبغي إلا ننبهر بالآخر الوافد، ونبخس نقادنا الأجلاء ما أسهموا به في هذا المجال.
· ان النقد القديم للموشحة اتسم بالانطباعية والشمول والذوقية والعموم والسرعة والإيجاز في طابعه العام، وفي طابعه الخاص كانت تنبجس منه ملامح للموضوعية أو الجمالية والفنية ،لكن ذلك ورد في ظل الطابع العام أحيانا وأحيانا نادرة وقفا وقفة متأنية أمام تلك الملامح كما فعل الأفراني، وهو الطابع نفسه الذي كان سمة العقلية العربية الناقدة عموماً.
· أن المادة النقدية القديمة للموشح شكلت شذرات متفرقة ومشتقة لاسيما في كتب التراجم والأدب العامة لأنها لم تكن مختصة بهذا الفن ورجاله دون سواهما.
· أن ابن سناء الملك يعد أبرز ناقد للموشح باحثاً عن أسراره الشكلية والوزنية والموضوعية واضعاً يده على أهم ما يميز هذا الفن وفارضاً أثره في تابعيه حتى عصرنا هذا.
· أن المحدثين كانوا أوسع أفقاً من القدماء بحكم ما يفد على ساحتهم الثقافية عامة والأدبية النقدية خاصة من روافد يومية، وثقافات متعددة، ومع هذا فإن إشاراتالأقدمين لم تكن تخفى في تناولهم للموشح وتنظيراتهم بشكل أو بآخر مما يجعل العلاقة بين القديم والحديث علاقة تواصل وأخذ وعطاء واتمام وإكمال لما بدأه الأولون.
· أن بعضاً من القضايا الحديثة للموشح مع أنها مهتمة بنقد هذا الفن إلا أنها ارتبطت بهواجس حضارية خاصة من لدن المستشرقين، ولذا فإن الحذر مطلوب حين استلهام آرائهم لما تحملت من رغبات تطمح إلى ادعاء ملكية هذا الفن وطمس معالم عربية فيه، وبأسلوب فيه من المغالطات النقدية الشيء الكثير.
· أن الخرجة التي تعد الحجة الأكثر أهمية لدى المستشرقين ومن تبعهم في سبيل الادعاء بأن تراثاً ما كان وراءها وهو المؤثر في شكل الموشح وهيأته لاتصمد أمام الحقيقة التي يعجزون فيها عن الإثبات بدلائل قديمة أو نماذج تؤيد مثل هذا الادعاء الباطل.
· أن قافية الموشح عربية وموضوعه عربي وتفعيلاته عربية، وبعضاً من أوزانه خليلي ووزنه الآخر عربي مولد من المألوف، وليس هناك شعر آخر أو وزن أثر في الموشح ذي الثقافة العربية الأصيلة ، وخروج بعضه عن الأوزان المألوفة لا يعني خروجه عن أوزان العرب ولا دخوله في أوزان العجم، حيث إن امكانيات الوزن العربي واسعة وقد خلق منها الوشاح وبحرية لا تعرف الضبط أوزاناً عديدة، ليست موافقة للمألوف ،لكنها ليست خارجة عن أفق الوزن العربي.
· أن ادعاء بعض المحدثين بأن الأوزان غير المألوفة كانت لوشاحين غير عرب، فلما قلدهم العرب بنوها على وزنهم ادعاء مردود جملة وتفصيلاً، لأنه نابع من جهل بأوائل الوشاحين الذين لا نشك في ثقافتهم العربية الأصلية كمقدم وابن عبد ربه والرمادي وابن ماء السماء.. وهو كذلك لا يقوم على منطق سليم لأن الموشحات الأولى كسدت ،ولم نعلم وزنها ثم إنه يفسد حين نعلم أن الوشاح له موشحات موزونة وموشحات بأوزان غير مألوفة. فهل كان نصفه عربيا، ونصفه الآخر غيرعربي؟؟
· أن الأصل اليمني حظي في هذه الدراسة باهتمام ملحوظ حيث كانت الآراء من قبل تتحاشاه ومع ما فيه من أدلة منطقية إلا أنه في الأخير يصب مع الأصول الأخرى في رفد الأصل العربي كله.
· أن الموشح عربي الأصل ليس لأن هناك نماذج في الجاهلية أو الإسلام أو الآموي أو العباسي أو في اليمن ولكنه عربي لأن الحضارة العربية في الأندلس انتجته بعد أن قامت بصهر معطيات لا حصر لها، وكان من نتيجة ذلك الصهر أن برز هذا اللون من النظم بنكهة جديدة هي نكهة حضارتنا العربية حين تفاعلت مع البيئة الجديدة بمعطياتها السابقة والجديدة وكانت ذات مرونة فاعلة كما هي سمتها دوماً. والفضل في بروز هذا الفن لا يعود إلى مؤثرات من هنا وهناك وإنما الفضل لحضارتنا التي هضمت كل ذلك وبعثته من جديد وطبيعي أن نلتمس فيه مؤثرات لكنها مؤثرات وحسب!
· أن البلى الذي أصاب الموشحة لم يكن بادياً على عصور ازدهارها حتى عصر الموحدين، وإذا كان من بلى فلم يكن إلا في عصور متأخرة حيث لم يخمد الموشح وحسب وإنما خمد الأدب عامة وكان ذلك مرهوناً بالأخطار المهددة للبقاء العربي هناك.
· أن وضوح لغة الموشحة وسهولة تراكيبها كان السبب وراء عزوف النقد أحياناً لأنه يطمح في الغالب إلى التماس والأكثر تعقيداً من الأسهل تركيباً.
· أن الموشح شكل ثورة نقدية واضحة وإن كانت ملامحها في القديم لم يتوهج غبارها بشكل مسموع لدى المشارقة والمغاربة، الذين قبلوه على استحياء ودون رفض واضح أو صراع ملحوظ فإن قضاياه لدى المعاصرين تعددت وأثارت الصراع الواضح الذي ما يزال مداده متدفقاً إلى اللحظة.
· أن الموشح استمر وكان من دلائل استمراره ممارسة المحدثين له وسير المهاجرين وشعراء التفعيلة على نهجه.
· أن الأصول التي تنوعت في المشرق كلها تصب في أصل واحد هو الأصل العربي.
· أن الأصل الاسباني لم يكن قوياً بدلائله التي قامت على التخمين والفرض ومجرد الادعاء والظن.
· أن الأغلب على نقد الموشحة هو النقد التنظيري وأقل منه التطبيقي.
· أن محاولة وضع عروض دقيق يشمل الموشحات كلاً ويحصرها كافة أمر صعب؛ لأن الحرية في خلق تراكيب وزنية جديدة كان هو المسيطر ولا يتناقص هذا مع القول بأنها داخلة في الوزن العربي، إذ إنها مع دخولها فيه وتعددها يؤدي إلى العجز عن وضع ضابط لها.
· أن النقد الحديث لم يسلط مناهجه الحديثة وبالشكل الكافي على الموشحات علماً أنها تمتلك من الامكانيات ما يؤهلها لأن تفسح صدرها لكل منهج نقدي يمارس آلياته على جوانبها الإيقاعية والصوتية والدلالية والفنية ،من هنا ندعو النقاد إلى تجريب آلياتهم تلك على هذا الفن الأدبي الجميل.
كما ندعو النقاد إلى الاتفاق حول مواضع مصطلحات الموشح ودلالاتها التي رأيناها تتعدد فيها نظراتهم واتجاهاتهم في هذا الجانب علماً أنه لا داعي لمثل ذلك كله.
http://www.yemen-nic.info/contents/s...il.php?ID=2824