اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[الصورة والتعليق منقولة عن صفحة الأستاذ جلال حمادة جزاه الله خيرا]

العلامة محمد كامل القصاب
(1290-1373هـ) (1873-1954م)

بقلم الأستاذ المحقق د.محمد مطيع الحافظ
رئيسُ جمعية العلماء، أحدُ زعماء الحركة الوطنية الاستقلالية أيام الحكم التركي والانتداب الفرنسي، أحد أركان التعليم، خطيب بليغ منشئ متقن.
ولد بحي العقيبة، ويرجع أصلُه إلى حمص، وعَجِب أهل العقيبة إذ رأَوه يدخل مسجدها (جامع التوبة) فجأة، ويحتلُّ غرفة فيه وينقطع إلى العلم، وأمضى في اعتكافه وأخذه عن الشيوخ أعواماً تفقه فيها، وكان ذكياً، فحفظ القرآن الكريم وجوّده ولمَّا يجاوزُ العشرين من عمره، على المقرئ الشيخ عبد الرحيم دبس وزيت، ثم تفرَّغ للعلم فلازمَ الشيخ عبد الحكيم الأفغاني، قرأ عليه الفقهَ الحنفيَّ حتى برع فيه، وأَخذ عن الشيخ سليم المسوتي، وسمع الحديث الشريف مِنَ المحدث الشيخ بدر الدين الحسني وتضلَّع فيه، وأخذ عن الشيخ أمين الأرناؤوط وغيره علومَ العربية بفروعها.
ولمَّا بلغ الخامسةَ والعشرين سافر إلى مصر، فالتحق بالجامع الأزهر، وحصل على الشهادة العالمية، وخلال ذلك تلقى علم التفسير على الشيخ محمد عبده، وكذلك تلقى كثيراً على الشيخ محمد بخيت المطيعي، وعن أمثالهما.
ألقى في جامع التوبة دروساً خاصّة وعامّة، وبحث في الدليل من الكتاب والسنة، واستمر على هذه الطريقة إلى آخر حياته.
أبرز ما في صفاته نضالُه في سبيل رفعة شأن الأمة والوطن العربي، وسعيُه في مجال نشر العلم والثقافة والتوجيه والنصح. فبعد عودته من الأزهر رأى الدولة العثمانية تنهار،
خاصّة بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد وزجه بالسجن واستيلاء الاتحاديين على الحكم وعملهم على تتريك بلدان الخلافة العثمانية. أَسس مع عبد الغني العريسي، وتوفيق البساط، وعارف الشهابي ورشدي الشمعة وغيرهم من رجال العرب (جمعية العربية الفتاة)([3]) السرية.

واشتغل بالتعليم في مدارسَ ابتدائيةٍ أهلية مدةً يسيرة، ثم أَسس المدرسة العثمانية([4]) بدمشق سنة 1323هـ ثم سميت (الكاملية) تفريقاً لها عن المدرسة العثمانية ببيروت. منفقاً عليها من ماله ووقته في سبيل إنشائها.
انتدبه الوطنيون من جمعية (العربية الفتاة) السرية، للسفر إلى مصر والاجتماع بأقطاب اللامركزية، كالشيخ رشيد رضا، ورفيق العظم وغيرهما، فسافر إليهم وسألهم عن الخطط التي وضعوها للسير عليها، فيما لو انهار الاتحاديون في الدولة العثمانية.
وبعد وصوله إلى دمشق بشهر واحد قبض عليه الأتراك، وأرسلوه إلى (عاليه) حيث سجن أربعين يوماً، ومُنع من مخالطة الناس. ثم حاكمه جمال باشا بنفسه بعد منتصف إحدى الليالي، واستطاع بجرأته وبلاغته إقناعه ببراءته من تهمة الاشتغال بالسياسة، وبأن سفره إلى مصر كان لأسباب ثقافية تتعلق بالمدرسة ولشراء الكتب لها، فأطلق سراحه وعاد إلى دمشق.
وعندما بطش الأتراك بالزعماء الوطنيين لم يمكث كثيراً بدمشق خوفاً من أن يعاد إلى السجن فسافر إلى الحجاز بقصد الحج مع الشيخ بدر الدين الحسني الذي عاد من الحجاز بعد أن أدى فريضة الحج، وترك الشيخ كامل في مكة إلى أن انضمت إليه أفراد أسرته بعد أن توفيت زوجته في الطريق، ونزل ضيفاً على الشريف حسين الذي أقبل عليه واهتم به، وولاه رئاسة مجلس المعارف مع إدارة مدرسة ثانوية كانت مثال التعليم الصحيح والتربية العالية، وبقي هناك سنة ونصف السنة، يتنقل بين مكة المكرمة والوجه ووادي العيش مركز الجيوش العربية، وقد حكم عليه الأتراك بالإعدام غيابياً.
وبعد قيام الثورة العربية انتقل إلى مصر، وأسس هناك حزب الاتحاد السوري، وبعد الحرب العالمية الأولى عاد إلى دمشق ليتابع شؤون مدرسته، وليواصل العمل الوطني، ولما خرجت الجيوش التركية من دمشق كان مع الذين اجتمعوا في سراي (قصر) الحكومة لإعلان استقلال سورية، وانضمامهم إلى الثورة العربية.
ولما عزمت فرنسة على وضع سورية تحت الانتداب الفرنسي أسس مع عدد من الوطنيين (اللجنة الوطنية العليا)([5]) وترأسها وكان الكاتب العام فيها محبَ الدين الخطيب.
في هذه الفترة وجّه غورو إنذاره([6]) للملك فيصل والحكومة السورية بقبول شروطه فاجتمعت الحكومة برئاسة الملك وقررت قبول الإنذار، ولكن غورو ادّعى بأن ساطع الحصري قد تأخر بتسليم الرسالة إليه، بعدها اجتمعت الحكومة الفيصلية وقررت الدفاع عن البلاد، وصد العدوان الفرنسي بقيادة وزير الدفاع يوسف العظمة، أثناء ذلك اجتمع الشيخ كامل القصاب مع الملك فيصل موفداً من قبل اللجنة الوطنية العليا وصافح الملك وقال له: لقد حملتني اللجنة الوطنية العليا أمانة أقولها لجلالتكم ما دمتم قد قررتم الدفاع عن الوطن بالقوة، فإنا نعدكم بتجنيد عشرة آلاف مقاتل حتى المساء([7]) وللحال بدأت حركة التطوُّع برئاسة زعيم الجمعيات الوطنية الشيخ كامل القصاب وأخذ يلهب حماس الشعب بخطبه الرنانة وحديثه المثير للعواطف لتكون الأمّة بكاملها قوة للجيش، وساعده في ذلك صديقه ورفيق نضاله يوسف العظمة وزير الحربية([8]).
بعدها التقى الجيش السوري بقيادة يوسف العظمة مع الفرنسيين في معركة ميسلون، حيث استشهد يوسف العظمة إثر قذيفة سقطت عليه من إحدى الطائرات الفرنسية المقاتلة.
ولما دخل الفرنسيون دمشق افتتحوا قائمة أحكام الإعدام باسم محمد كامل القصاب، كما حكم عليه الأتراك من قبل.
وبعد معركة ميسلون وتحت التهديد ركب الملك فيصل ورئيس وزارته وبعض الوزراء قطار درعا من القدم إلى حوران، وتوقف فيها، إلا أن الفرنسيين أرسلوا طائراتهم الحربية تنذر الملك بالخروج من حوران بسرعة، وقد لحق بأثره بعض أعضاء اللجنة الوطنية العليا السادة: الشيخ كامل القصاب، والشيخ محمد حمدي الأسطواني الشهير بالسفرجلاني، والشاعر خير الدين الزركلي، وبارح الجميع حوران إلى الأردن وفلسطين وأقام قسم منهم في القاهرة، والقسم الآخر تابع سفره مع الملك([9]).
بعد ذلك توجه الشيخ كامل القصاب إلى حيفا، فرحب به أهلها، وأقام وأنشأ لهم مدرسة تضاهي مدرسته بدمشق، وكان إنتاجه فيها كإنتاجه في مدرسة دمشق، وخلال هذه الفترة تنقل بين فلسطين ومصر يعمل للقضية العربية، وسافر إلى اليمن، وقابل الإمام يحيى حميد الدين سنة 1922م لجمع كيان العرب.
وفي سنة 1925 استدعاه الملك عبد العزيز آل سعود إلى مكة المكرمة، وعهد إليه بمديرية معارف الحجاز، فأسس خلال سنة ونصف ما يقرب من ثلاثين مدرسة في أنحاء مختلفة من الحجاز.
وفي فلسطين اشترك مع الشهيد عز الدين القسّام في الجهاد ضد الإنكليز والصهاينة وكان قد ألف بالاشتراك معه كتاب (النقد والبيان في دفع أوهام خزيران)([10]).
وفي سنة 1356هـ/ 1937م عاد إلى دمشق بعد صدور العفو العام، ورأى مدرسته قد تضاءل شأنها، وقلّ طلابها، إذ مالوا إلى مدارس الحكومة التي قررت وزارة المعارف وقتئذ ألا تقبل سوى شهادتها لدخول الجامعة، فأحب أن يخدم البلاد عن طريق نهضة العلماء بعد أن فشلت مساعيه مع ساسة العرب، فأسس بطلب من أهل العلم جمعية العلماء التي نالت تصريحاً رسمياً من وزارة الداخلية في 5 رمضان 1356هـ/ 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1937م.
ووُضع للجمعية دستورٌ بيَّن غايتها، وأموالها، ونظامها الداخلي المفصّل، ونصّ الدستور.
كان من أبرز أعمال الجمعية إنشاء المعهد العلمي الديني بدمشق.
وفكرت الجمعية بتأسيس عدة مدارس أولية ذات صفين في جميع أنحاء البلدة؛ لمكافحة الأميّة.
وكان للجمعية مواقف عظيمة إيجابية مؤثرة، منها: إلغاء قانون الطوائف.
ووقفت الجمعية بحَزْمٍ ضد قانون تصفية أوقاف السلاطين والأمراء والذرية. وكان للمترجم مشاركة ودور في مؤتمر العلماء الأول الذي عقد في دمشق بتاريخ 11-13 رجب سنة 1357هـ/ 6-8 أيلول/ سبتمبر 1938م.
وكان للمترجَمِ لَهُ مشاركة ودور في مؤتمر العلماء الأول الذي عقد في دمشق بتاريخ 11-13 رجب سنة 1357هـ/ 6-8 أيلول/ سبتمبر 1938م.
كان المترجَم له – إلى جانب أعماله هذه – تاجراً أسس شركة تجارية في مصر تمارس تجارة مال القبّان (المواد الغذائية)، جريئاً في المضاربة بأمواله، وله عقارات في حَيْفا استولى عليها الاحتلال.
ترك من المؤلفات كتابين: (ذكرى موقعة حطين) (بالاشتراك)، (النقد والبيان في دفع أوهام خيزران) (بالاشتراك مع محمد عز الدين القسَّام).
أصابه مرض في المثانة في أخريات حياته، فلزم داره مدّة طويلة، ثم شفي، وما لبث أن ألمَّ به عارض في دماغه لم يمهله سوى ثلاثين ساعة، فتوفي رحمه الله يوم السبت 23 جُمَادى الآخرة 1373هـ/ 27 شباط 1954م. وكان قد أوصى أن تشيع جنازته بما يوافق الشريعة الإسلامية، وصادف يوم وفاته اضطرابات لعلع فيه الرصاص في سماء مدينة دمشق زمن الشيشكلي، فصلّى عليه بضعة أفراد في بيته، وتسللوا بنعشه بين الأزقة، ودفنوه في قبر والده بمقبرة الباب الصغير بجوار مقام الصحابي الجليل بلال الحبشي.
اللهم ارحم شهداءنا واكتب الفرج لشامنا وفك أسرى المأسورين واجبر كسرنا يا ارحم الراحمين..
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي





نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفرسان الثقافة