الهروب إلى المكتبة....
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
تراصت صفوفهم جدا..وتراكمت أعدادهم كثيرا,, وتثاقل المكان بهم وضاقت الأرض بما رحبت!!, وهي تنوء تحت حملها الثقيل من تلك الكتب الثمينة...كل يوم كانت تنظر إليهم بشفقة وحزن , وهي تراهم كل يوم في حال يرثى لها ,وتتساءل متى يعودوا ليجدوا مكانا أرحب وأوسع يستحقونه؟
دوى صوت قوي وكأنه الانفجار .. ,كان مرعبا جدا ومفاجئا..
لقد أعلنت المكتبة الأثيرة, تمردها الكبير هذا اليوم ...وانفرط عقد التلاحم بينها , وتبعثرت في أرض الغرفة بأسى ,بشكل متراكب تعس,وكأنها تصرخ وتنادي ولا أحد يسمعها..
كانت مربوطة ببعضها برباط حريري شفاف ,يجمعها معا بشكل رحيم جميل,قد لا يراه القريب أو البعيد لكن يكفي لأن يجعلك تشعر بترابطها الحميم,تراها كأنها توالدت أبا عن جد...وباتت تخشى أن يتخلى عنها جدها الأكبر , فتبحث عن معيل جديد لها ..
نظرت إليها بألم وهي تدري أن ترتيبها الآن بات أصعب من السابق بكثير, لقد أجلت تنسيقها وإيجاد حل لهذه المشكلة كثيرا,حتى و في التفكير بهذا الأمر الذي بات الآن هاما, لصعوبة تنسيقها الآن بطريقة تسهل عليها رفع احدهم دون أن تعم الفوضى في المكتبة, فحجم ونوع كل زمرة يشكل وحدة قائمة بذاتها, لم تعد تلك المكتبة صالحة فعلا لهذه الأنواع من الكتب الثمينة...وباتت تحتاج لتغير جذري في كل شيء وربما حتى في نوع تفكيرها!!.الدنيا تتغير حتى في طريقة هضم الأفكار!.
حين دخل ابنها ورأى هذا المنظر الفظيع المزعج...
-قلت لك منذ زمن يا أمي لم تعد مكتبتك صالحة للاستعمال,ولا حتى باتت تتحمل المزيد , لقد كان تأخرك في ترميمها نكبة حقيقية,..ابحثي عن حل سريع لهذه المشكلة,عندما لا تجد للفكر مصرفا له فسوف يتحطم فوق رؤوسنا...أو ربما يشكل لنا غصات في حلق الفكر لا تجد فضاء أرحب من عقلنا..
-وما دخل الفكر بما حدث؟ولم أنا المسئولة الوحيدة هنا؟
-لأنها مكتبتك أنت...
لقد كثرت الكتب عن الكتب عن الكتب يا أمي,...مهنة الثرثرة لا أتقنها والحمد لله...قد أنفقتِ عليها الكثير دون طائل يذكر ,ولم تأتك بدخل محترم ولاحتى فائدة تعم علينا جميعا,ولم تجدين الكثير ممن يفهمك و يحملون ما حملت من هم كبير اللهم بعضهم.
رتب بعض الكتب مجاملا وانصرف بعد ذلك إلى غرفته ....
- (وهي تصيح متأففة ), كلكم لا تقدرون قيمة الثقافة كلكم...حسبي الله ونعم الوكيل..
لقد كان لزاما عليها أن تجد زاوية مناسبة أكثر , لهذه الأكوام المبعثرة بفوضى مزعجة,وبتخريب واضح..وقد تمزق بعضها بشكل مؤلم, لن تجد على ما يبدو في العاجل القريب.
وجدت أسماء منها نسيتها, وعناوين كانت منذ زمن تبحث عنها...وكتبا تحتاج لترميم كبير, وكتبا استعصى فهمها عليها...وكتبا اعتقدت أنها فقدتها...وكتبا كانت أعارتها لبعضهن ولم تعاد لها إلى الآن..
كانت ترتب بأناة و رضى مرغمة ..وكأنها وجدت جديدا فيها...
دخل زوجها فجأة ورأى ما رأى..أكوام وتبعثر طول الغرفة وعرضها....
-أصدقائي سيصلون قريبا , ارفعي تلك الترهات من هنا...شعب لا يتقن سوى الكلام..
-ليست ترهات يا أبو قاسم أنت تعرف كم أنفقت عليها وبحثت ورتبت...لقد عوضت فيها سنين غربتي الثقافية ,من جراء ظروفي الصعبة قديما وأنت تعرف ذلك جيدا..متى تفهمني وتقدر حالي؟
لم يتح لها الوقت الترتيب اللازم فقد رن الجرس بعناد دون أن تجد متسعا لوضع إشارة استفهام لما يجري الآن..
رتبتها كيفما اتفق..وهي توصيه أن ينتبه إليها ,فهي عصارة جمعها تلك السنين القديمة..ووسط إيحائه بموافقته الحالية..أتى الجمع الكريم, وقد قدم لهم الأعذار المناسبة لهذا المنظر المزري ...فغاصوا في مناقشات حولها أفضى باستعارة كل منهم لبعضا من الكتب وسط ترحيبه الكبير فهو سيتخلص الآن من بعضها...
رحلوا يا عايشة تعالي..
-أين الكتب؟ مالها نقصت كثيرا؟
-استعار معظمهم كتبا كثيرة وسط دهشتي حقيقة, فقلت ليقروا ما يشاءون...
- ولم لم تسألني حينها؟كيف سأستعيدها أصلا وأنا لا أعرفهم؟؟؟
-لا عليك سوف يعيدونها...مؤكد سوف يعيدونها...
-إنها ثمينة ونادرة, جمعتها بعناء..و
-لن تكون أثمن منك...
خرج وائل من غرفته..أخذ عدة كتب بعد بحث بينها
-أريد أن أعطي بعض أصدقائي منها فقد وجدوا فيها ما لم يجدوه خارجا...بعد أن ها تفتهم..
-!!!!
تصدع حوض سمك الزينة القريب من المكتبةفجأة وكأن احدهم لكزه عمدا,وتسرب الماء وانتفضت الأسماك الملونة , شهقت عايشة من هول المفاجأة, في حين لفت نظر أبو قاسم , ورقة فيها أرقام وكأنها نتيجة مدرسية,ليتصفحها بدهشة,فيمسك أبو قاسم بتلابيب عايشة مزمجرا بقسوة:
-أريد أن أعرف فقط يامثقفة ,كيف رسب ابنك الصغير في المدرسة؟؟؟!!!
ريمه الخاني 18-6-2011