أثر الآداب القديمة في حضارات الشعوب -
ضمن برنامج كاتب وموقف الذي يقدم في المركز الثقافي العربي في أبي رمانة بالتعاون مابين وزارة الثقافة والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أقيمت ندوة بعنوان: «نظرة في الآداب القديمة من الإيبلائية إلى السريانية» شارك فيها الأب جوزيف شابو والباحث الدكتور عيد مرعي والدكتور محمد محفل، وقام بإدارة الندوة الاعلامي عبد الرحمن الحلبي.. وقد تركزت محاور الندوة حول التعريف بالآداب القديمة التي ظهرت في الشرق أي في المنطقة العربية وأثر تلك الآداب فيما بعد؛ أي في الحضارات والآداب اللاحقة سواء كانت في المنطقة العربية أو حتى الأوروبية.. فمثلا يؤكد الأب جوزيف شابو أن السريانية (والتي يقول عنها الحلبي بأنها آخر اللغات العربية غير الصريحة) كانت في العصور الوسطى جسراً لعبور الفلسفة والعلوم والآداب اليونانية إلى العربية، وأن حركة الترجمة هذه صارت جسرا لعبور أوروبا إلى عصر النهضة فيما بعد، ويؤيده الدكتور المحفل في هذا عندما يؤكد بأنه نشأ فكر كوني مرتين في الوجود؛ في المرة الأولى عند اكتشاف الكتابة التي نشأ عنها الأبجدية في العالم كله، وفي الثانية عندما أصبح الفكر في الشرق القديم منسجماً.. فلعب دورا كبيرا في عصر النهضة الأوروبية فيما بعد، وكدليل على صحة ما يقول به استشهد على ذلك بطرحه إشكالية على صيغة تساؤل يحمل في مضمونه الجواب.. لماذا كانت النهضة الأوروبية في جنوب فرنسا.. وجنوب إيطاليا ولم تكن في مناطق من الشمال.. أليس لعلاقتها واحتكاكها بالمناطق العربية/الأندلس وغيرها أيام حروب الفرنجة... وما نلاحظه من خلال تلك المداخلات التي قدمها المشاركون بأن الأدب في تلك المراحل غالبا ما كان مرتبطا بالناحية الدينية والروحية.. فلا يوجد نص تقريبا إلا ونجد فيه إما خطاب للآلهة أو دعاء أو ترنيمة دينية «ابتهال», مواعظ، إرشادات، حكم، ولكن في أغلبها كثيرا ما نجد ارتباطها بالأسطورة أيما ارتباط.. ولكن أشد ما يلفت الانتباه هو حجم ما كانت عليه الحضارات العربية القديمة من تطور وازدهار ثقافي وإدراكهم لمكانة العلم وأهمية في حياة الإنسان، حيث نرى من خلال آثارهم بأن العلم كان يلعب دوره في كل جوانب حياتهم الفكرية والعملية والتنظيمية والإدارية.. فالباحث د. عيد مرعي يشير بأن الرقم الإيبلاوية كانت تضم نصوصا اقتصادية وإدارية وسياسية وعسكرية وقضائية ودينية ومدرسية وأدبية ورسائل ومعاهدات وقوائم معجمية، وكذلك في ماري التي تضم في محفوظاتها الملكية المكتشفة وثائق سياسية واقتصادية وإدارية وحقوقية ورسائل ومعاهدات وأناشيد دينية.. ويستدرك بقوله إن وجود هذا الكم الكبير من الرقم في ماري يفترض وجود هيئة أو مؤسسة تعليمية كانت مهمتها إعداد عدد من الكتاب وتهيئتهم لتسيير شؤون الدولة الإدارية والاقتصادية.. وكدليل على أن الأدب في تلك المراحل كان يرتبط بالجانب الروحي فقط من حياتهم هو ما نجده فيما أشار إليه المرعي بأن النصوص الأدبية المكتشفة في ماري قليلة جدا ومحصورة في عدد من الترانيم والصلوات والأدعية الموجهة إلى الآلهة المعبودة في ماري كـ «شماش» إله الشمس، وداجان إله الخصب والحبوب، وأدد إله الطقس، وإنكي إله الحكمة والماء العذب، وعشتار إلهة الحب والحرب، وغيرها من الآلهة الأسطورية, وكذلك في الحكايا التي تروي ما جرى من صراعات في أسطورة «بعل» إله أوغاريت الذي كانت عبادته منتشرة في بلاد الشام في الألف الثاني قبل الميلاد، وموضوع تلك الأسطورة يدور بين الخصوبة والجدب، بين الحياة والموت، بين الخير والشر.. كما تطرق المداخلون إلى قصة أحيقار التي عد المرعي بأنها من أشهر النصوص الآرامية التي يمكن عدها أدبا بالمعنى الدقيق للكلمة.. حيث انتقلت هذه القصة إلى مختلف الشعوب ودونت بلغات متعددة كالسريانية والعربية والإغريقية والأرمينية والفارسية والإثيوبية.. وشدد المحاضرون على أهمية هذه الشخصية من حيث التقائها مع مثيلات لها في آداب تلك الشعوب؛ كلقمان الحكيم في الأدب العربي، وإيسوب في الأدب الإغريقي، وطوبيا في التوراة، وبزر جمهر في الأدب الفارسي.. وفي نهاية الندوة أشار الزميل الحلبي بأن هذا الموضوع أي الآداب القديمة سوف يكون له امتداد في الندوات القادمة. ‏
سمير المحمود‏

المصدر
http://www.moc.gov.sy/index.php?d=30&id=10560