الغرب والإسلام
الأصول العربية للرومان (56)
مصطفى إنشاصي
ليس الإغريق فقط الذين طغت عليهم السمة العربية أيضاً الإمبراطورية (الرومانية) اتسمت بالسمة العربية عندما بُني في روما تنفيذاً لأمر الإمبراطور (اغريبا) معهد البانتيون، الذي بناه مهندس معماري سوري في فجر العصر المسيحي. ولا ننسى أن الأسرة المالكة الآسيوية قد بدأت مع الإمبراطور فلافيان. ولقد عاشت روما واستمرت في بيزنطة، وغدا جوستنيان المبشر بعهد الخلفاء.
وعن أصول الرومان التي ترجع إلى آسيا الصغرى ولغتهم وطابعها العربي يرجعه إلى حوض المتوسط الغربي الذي كان فضل تعريبه للكنعانيين الفينيقيين، يقول: "وعندما نفكر أن الرومان من جهتهم، يعلنون أنهم ينتسبون إلى طروادة الأيونية، فإنه يجب أن نستنتج أن شبه الجزيرة الإيطالية تدين بحضارتها إلى أسيا الصغرى. إن إنشاء قرطاجة عام 833 قبل الميلاد من قِبل مستعمرين يونانيين ـ كنعانيين، أي فلسطينيين أكمل إعطاء الطابع العربي للمتوسط الغربي، وهو الطابع الذي لا يزال موجوداً حتى يومنا هذا، لا في إفريقيا الشمالية فحسب بل في صقلية، وحتى في البندقية، وإذا كانت اللغات الأوترسكية لم تحل بعد، فإن لغتهم التي يعبرون بها ذات بنية مطابقة للإغريقية، كما يشهد بذلك نصب القرن السابع المكتشف في ليمنوس.
ويظهر أن الرومان لم يكونوا يشاركوننا جهلنا بالاوترسكين، فإن الإمبراطور كلود، شقيق جورمانيكوس الذي أسره تيبير وجعله سجيناً، قد كان عالماً مشهوراً بالأوترسكيات، وقد علمتنا كتبه الخمسة والعشرون التي كرسها للأوترسكيين، تحت عنوان (تيرينكا) أشياء كثيرة، لكن الذي يؤسف له أن غالبيتها قد فقدت. ولكنه حسب ما جاء في المؤلفات التي صنفتها أكاديمية أوترسك من كورتون والمؤسسة عام 1726، يظهر أنه كان هناك صلات وثيقة بين الكلدان وأوتروريا. وهكذا أعطت قارة آسيا، سبيل، الآلهة الأم، دمها وثقافتها وغناها وفكرها لأولادها من الغربيين. وكانت العواصم الهيلنية تتشرف بأجدادها الآسيويين. وكانت أثينا تعترف باريريكته مؤسساً لها، وهو الذي أتى من مصر ليدخل إلى أتيكا زراعة القمح، فأنقذها من المجاعة حتى أن اسم أتيكا عربي، وهو يعني إما (قديم) عتيق، أو يعنى عندما يكون مثلاً اسم امرأة، (ممتلئة شجاعة) ... أما طيبة فقد أسسها الكنعاني قدموس، الصيداوي الأصل الذي كان أبوه أجينور ملكاً، وكانت أم أجينور تدعى ليبيا ... ثم ألا تصنع رواية من عهد فلافيوس يوسف من الاسبارطيين أقارب الآراميين؟ وبين قائمة ملوك أرغوس يذكر أحدهم باسم (عباس) الذي هو اسم عربي ... وإنها لطويلة، لا تنتهي، تلك القائمة من الأبطال التي ذهب الإغريق يفتشون عنها بين الفرات والنيل. وليس هناك عملياً أي مدينة يونانية أو صقلية أو إيطالية لا تزدهي وتتزين بمجد جد آسيوي. فيجب أن نرتفع إلى ما هو أبعد من الحقائق الضيقة التي علمونا إياها، وأن نتجاوز كثيراً أثينا واسبرطة، لكي نصل إلى منابع ما نسميه الثقافة الغربية".
ويقرر حقيقة أن الإغريق والرومان الذين أصولهم عربية هم تلامذة العرب الشرقيين وأنهم قطفوا ثمار حضاراتهم: "والحق أن الإغريق لم يكملوا ارتقاءهم الآسيوي، إنهم كانوا يعترفون أنهم تلاميذ المصريين والبابليين، وإن البانتيون عندهم عربي، والكوسيموغوني والتيوغروني لديهم مستوحيان بصورة مباشرة من الأناضول ومن الكنعاني. أليس والد أيزيود من أصل إيلي؟ وكان هيرودوت يتعجب من تميز أوروبا عن آسيا، وقطفت بواسطة المستوطنات الفينيقية ثمرات أربعة آلاف سنة من جهود حصلت عليها وتوصلت إليها مصر وبابل وأن ازدهارها بالتأكيد قد تأخر، قبل هوميروس بألف سنة" .. وأنه "لو لم يتأدب الإغريق في ظل الثقافة العربية، لما وجد أرسطو بالتأكيد".