سنبقى هناك عدة سنوات! .. ماذا يعني؟
يخرج علينا من على شاشات التلفزيون، من يصرح باسم الخارجية البريطانية أو الأمريكية بأن قوات بلادهم ستبقى في أفغانستان أو العراق خمس سنوات، وهناك من يصرح أنها ستبقى عدة عقود.
ما أقصى ما يُفكر به قادة هذين البلدين؟
هل هو غسل ذاكرة شعب وتحويله لشعب مسخ ينفذ ما يمليه عليه قادة المحتلين؟ أم هو تحييد فعل ذلك الشعب وتجميد دوره في محيطه؟ أم هو لنهب خيرات بلاد ذلك الشعب؟ أم كل تلك الأهداف مجتمعة؟
كل شعب يجر وراءه تاريخا طويلا يمتد لآلاف السنين، تكثفت أجزاءه الدقيقة واصطبغت بصبغات قليلة محددة شملت كل أبنائه، وتبقى تلك الصبغات عصية على فعل الإزالة، حتى لو تم طلاء قشرتها الخارجية بصبغة طارئة وماثلة أمام الناظرين من الخارج.
في بعض الحالات القليلة، كان هدف إحلال شعب محل شعب آخر، هو المحرك لفكرة غزو واحتلال بلد ما، كما حدث في أمريكا وجنوب إفريقيا وأستراليا و فلسطين. وإن بدا أن تلك الأهداف كان ممكن تحقيقها في القرون الماضية، فإن تلك الأهداف أصبحت من الصعوبة بمكان في أيامنا هذه.
حتى الحالات القليلة التي تم فيها إحلال شعب مكان آخر، فإن بوادر عودة ما تبقى من بذور أو (فسائل) من الشعوب التي أريد إزالتها، قد أصبحت واضحة، فالهنود الحمر الذين أزيحوا من مناطق أمريكا الشمالية، الى وسط وجنوب أمريكا، أخذت شعوبهم والتي أطل من على قشرتها الخارجية علامات الأصالة البادية من خلال الرفض وتصويب ما جرى لتلك الشعوب من محاولات مسحٍ نهائي. وكذلك هي الحال في جنوب إفريقيا، حيث عاد وجه جنوب إفريقيا الرسمي ممثلا بإرادة أبناءه.
وفي فلسطين، ليس من السهولة إخفاء المعاناة الشديدة التي يعاني منها الصهاينة في تثبيت أقدامهم وقد حشدوا كل طاقات الدول المقرة بنهجهم المرفوض في إحلال شعب محل شعب، وإن كانت القضية الفلسطينية تُعامل بما يُسمى ب (إدارة الأزمات)، فإن حلها النهائي لن يتم إلا بتصويب الوضع، بطرد الغاصبين.
تدجين وغسل ذاكرة
كلنا يتذكر شكل (حامد كرزاي) وارتجاف عينيه قبل أن يُجرى له عدة عمليات لوقف اهتزازها التلقائي، ومنافسه في الانتخابات الرئاسية الحالية (عبد الله عبد الله) (مكحل العينين)، والذي كان يشغل منصب وزير الخارجية. لم تستطع كل عمليات التحسين والتطوير على هذين الشخصين أن تجعل من الأفغان ينظرون لهم باحترام.
وفي العراق، عندما يكتشف الشعب أن سنام وهرم قيادته (القراقوزية) غارق في سرقات البنوك ونهب واردات الدولة وإشعال الفتن، بغض النظر عن طائفة المتضررين أو عرقهم، فإن ذلك قد وحد الشعب العراقي من شماله الى جنوبه ومن كرده وعربه وتركمانه وبقية المكونات الأصيلة فيه، بالاتفاق على تشخيص الداء وما يترتب عليه من استنتاجٍ سهل للدواء.
تحييد فعل الشعب وتجميد تأثيره في محيطه
إن الحالة السياسية وحالة ظهور الزعماء لا تظهر دون مقدمات ودون استعدادات شعبية هائلة تتلاحم فيها قوى التراث والإرادة السياسية وإرادة إزالة الحيف. وأن الفعل الخارجي لن يملي شكل القيادات الراهنة إلا لوقت ينتهي بزوال المؤثر.
وإن حرمان بعض الدول من الاشتراك في كأس العالم لكرة القدم، لدورة أو دورتين، كألمانيا وإيطاليا، لم يحل دون أن تحرز كل منهما كأس العالم أكثر من مرة.
فتدمير القاعدة العلمية، قد يؤخر الدولة بضع سنين، لكنه لن يحول دون نهوضها وعودتها الى نقطة الصفر، فالعلم عمومي في كل أنحاء العالم، فلن يعود شعب العراق ليكتشف أن الإطار الدائري للعجلة أفضل من الإطار مربع الشكل، بل سيبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون.
نهب خيرات الشعوب
لا شك أن ما تنهبه الدول المستعمرة من خيرات للدول التي تحتلها هو أذى كبير لتلك الدول، فسرقة ما تحت الأرض وما فوقها من معادن وآثار، هو جريمة تبقى معالمها ظاهرة ما دامت تلك السرقات تُعرض أمام الزائرين، فلن يصدق أحدهم أن حلي (الوركاء: العراقية) والتي تعرض في متاحف الغرب أنها ليست عراقية، وأن من نقلها من مكانها لا فخر له، بل سيعتبر جريمة ووصمة عار مستمرة تشهد على لا أخلاقية الغرب المتبجح بالأخلاق وحقوق الإنسان وغيرها من الشعارات التي فرغها فعله الإجرامي من محتواها.
كما أن السارق والمجرم لا ينعم بهدوءه ولا بقيمة ما سرق، فإن المحتلين سيدفعون أضعاف قيمة ما سرقوه أو نهبوه باحثين عن أمنهم.
ومن زاوية أخرى، فبالقدر الذي تتأذى منه شجرة ضاربة جذورها في الأعماق من فعل قطع أو بتر، فإنها ستجدد نفسها بقوة أكبر، ويكون نتاج جيلها الجديد أكثر قوة و أعلى شموخا.