* طبيب جراح، يعاني من بيروقراطية النقد السعودي، ويتهم بأن نصوصه أكثر غموضا من أسرار الجسد الإنساني، صاحب طريقة شعرية غاب عنها النمط العربي التقليدي أو الحديث في القصيدة وحل مكانها تركيبة تجمع بين المفردات العربية و غرابة الفن الأوروبي.
ترجم العديد من أعمال الشعراء الغربيين من أمثال تي. اس. أليوت، ثيودور ريتكه، روبرت فروست، إدغار ألان بو، وإهدى ديوانه الأول للشاعر الفرنسي «لوتريامون» المتوفى عام 1870م وذلك بعد أن زاره الشاعر في المنام أكثر من مرة. شريف بقنه من مواليد 1981م ويعمل طبيبا بمدينة خميس مشيط جنوب المملكة، أصدر ديوانه الأول باسم «مقتطعات الرنين» عام 2004 ويشرف حاليا على موقع المسيرة الإلكتروني.
* سيرتك الذاتية تقول إنك درست الطب والجراحة. ما الذي دفعك إلى الاستمرار في عالم الشعر؟
ـــ الذي دفعني الى ذلك رغبة استمراري في عالمي الطبّي، ذلك أن الطب و الشعر يتميزان بروح متجددة ومثيرة تخلق فيك رغبة عارمة للّحاق بمشوار طويل لذيذ يصعب تخمين نهاياته. أصبحا بالنسبة إلي ثنائيا لا ينفصل يتوّج حياتي بطمأنينة وسكون لأعطي مما يعطيني الله وأحبّ كل ما أشاء.
* بين المشرط والقلم.. أين تجد نفسك؟
ـــ محض انفصام منسجم و تامّ في الحقيقة. أن تهرول ذات صبيحة بشغف في رواق المستشفى لتنجد مريضاً ينتظرُ سماعتك الطبية التي تعانق سرّاً كتاباً شعرياً كنت قد دسسته على عجل في حقيبتك، تعود منزلك ظُهراً، تنطفئ شعراً وسكََََناً وتخرج كتابك من ذات الحقيبة وقد تلقّح! تنام.
* أنت متهم بأن لغتك الشعرية خارجة عن المألوف، وتتعمد الغموض في المضمون والدلالة الشعرية، وتحاكي تجارب أجنبية، خاصة تجربة الشاعر لوتريامون الذي ظهر اسمه على قائمة الاهداءات في ديوانك الأول «مقتطعات الرنين» كيف ترد؟
ـــ الخروج عن المألوف في لغتي الشعرية لا أعدها تهمة طالما أننا نعيش ما بعد الحداثة، وعن تعمّد الغموض في كتابتي، أقول إن رؤيتي لهذا العالم التي تؤكد لي دائماً أن الأسرار أكثر من الأجوبة في كل شيء تقريباً، وبالتالي من المنطقي أن تنعكس هذه الرؤية في كتابتي باعتبارها حياة حقيقية أحسّها وأمارسها بما يشبه التعمّد كما قلت، قد تكون كما أسماها لي أديب صديق (تقصّد). عن محاكاة التجربة الغربية، المحاكاة بمعنى التقليد أراه رأياً تعسّفيّاً ومُستهلكا ولن أزيد على هذا، أما لوتريامون الرائع والتجربة الحداثية الفرنسية كصفة عامة، أعتقد أنها تجربة تستحق الإشادة بها ورد الجميل لها باعتبارها النور الأول والطافح في مسيرة الشعر العالمي الحديث.
وجاء اهدائي للوتريامون لأنه يشبهني كثيراً في مُخّه وذوقه ورؤيته، كتب كتابه على طريقته ووثق من ايماءته الفطرية ودوّنها كما هي طازجة ومقصودة ومتماسكة، ولأنني حلمت به أكثر من مرة.
* اختيارك لهذا النوع من التجارب الشعرية هل جاء عفوياً، أم باختيار متعمد؟
ـــ جاء عفوياً تماماً، بطريقة اصفها بالمخاض الفطري الناجز، بمعنى أنني أكتب القصيدة بنفس متقطع وعلى مدّة تطول في توحّد كامل حتى تنتهي/ تولد القصيدة ناجزة بعد مخاض عسير. في بداياتي كنت أتفاجأ بأسلوبي؛ ذكرتني هذه النقطة برسّام أنهى لوحته بعد عناء وجلس على الكرسي ليتأمّلها فضحك وضحك كثيراً حتى مات! لكنني ولله الحمد لم أمت بعد و اعتدت على مخاضاتي و طريقتي.
* هل تتعاطى الشعر كاستفزاز لغوي للمتلقٍ، أم أنه يمثل لك حالة استمتاع بمفردات اللغة وغرائبيتها؟ ـ
ـــ ولماذا أستفزّ ذاتي في البداية قبل أي متلقى! بل كما قلت أتعاطاه مُتعة وشهوة عذبة، استحثّ اللغة العربية و تغمرني كل مرة بكرم مذهل بهجة وغبطة لا تزول.
* من الواضح أنك تمارس الترجمة بشكل مكثف. كيف تؤثر الترجمة على بنية النص في شعرك؟
ــ لا تؤثر في بنية نصي ولكنها قد تضفي لي أدوات جديدة؛ ذلك أن بنية النص هيكل صلب يجسّد نفسّية كاتبه الذي عاش حياة غزيرة ومعقّده.. وفريدة بالضرورة.
* بحكم احتكاكك بلغة أجنبية وشعر مكتوب بلغة خلاف اللغة العربية، هل حاولت صياغة تجربتك الشعرية بغير العربية؟
ـــ لم أحاول، ولكنه مشروع قائم في المستقبل بحول الله، على أن أنقله انا الى الانجليزية واستعين بالصديق الأديب سيمون نصّار لنقله للفرنسية.
* تحتل المرأة، أي امرأة، في البناء الشعري مكانة خاصة جداً. كيف تعالج المرأة في شعرك؟
ـــ الأنثى الرقيقة تلك، الأنثى المجردة باعتبارها وردة الله على الأرض. الانسانة الساحرة الحنون. وأنا لا أعالج المرأة في شعري بل أتعالج بالمرأة منه.
* من اللحظة الأولى للدخول إلى موقعك الإلكتروني، نلاحظ اهتماماً مكثفاً باللون والصورة ودمجهما في بنائك الشعري. هل هناك رؤية فنية متعمدة أردت أن ترفقها مع المحتوى الشعري في الموقع؟
ـــ قد تكون كما قلت رؤية فنية متعمّدة ولكنني لا أتوقع منها أي إضافة في بنية أو فكرة النص. الواقع أنني أنا مصمم ومنفذ هذا الموقع، وهكذا أرقش هذا الهلام الالكتروني على طريقتي تماماًَ كما أكتب القصيدة على طريقتي، والمدهش في الأمر ذلك الانسجام التفاعلي المحسوس على الشاشة بين الشعر والفن الرقمي المذهل.
* بعيداً عن مقولات تبادل التأثير والتأثر بين الثقافات والشعراء، كيف ترد على من يقول في التجارب الشعرية لبعض الأسماء، وأنت واحد منهم، بأنها «استنساخ» للتجارب والمدارس الشعرية الغربية دون وعي وفهم؟
ـــ بداية أنا أرد باسمي فقط، كما قلت مُسبقاً عن هذه النقطة وأزيد أن الغثيان بدأ يصيبنا من استساخ بعضكم. الشعر بالنسبة لي كيان يتخلّق في داخلي لتجربة حياة لها بصمة لا تُستنسخ.
* يرى البعض أن الكثير من تجارب المدارس الشعرية الغربية الحديثة، التي تبدو بعض ملامحها في تجربتك الشعرية، تحمل أفكارا ورموزاً وإسقاطات قد توصم صاحبها بالإلحاد والخروج عن الملة؟ كيف تتعامل مع احتمالات سوء التأويل؟
ـــ احتمالات سوء التأويل في هذا الخصوص واردة خاصة في هذه الفترة والسبب يعود لكثرة الحداثيين الذين يتقصدون اقحام رموز دينية ومقدسة لإثارة الجدل وسرعة الشهرة في رأيي، أما تجربتي فأعتقد أن هذه الاحتمالات تندر لأنني على ثقة من التزامي حرماً مقدساً في كل ما اكتب، وهذا الحرم الذي التزمه قد يطول شرحه، ولكن القارئ الذي يحاول أن يفهمني ولا يتقصّد التأويل سيرى كتابتي ممهدة سمحة.
* يشكل المكون الثقافي للشاعر أحد أهم محددات تجربته الشعرية وخصوصيتها. كيف تثري تكوينك الثقافي. بمعنى آخر، ما أهم المجالات، من فلسفة أو تاريخ أو أدب قصصي، التي تركز عليها في بناء تكوينك الثقافي؟ ـ
ـــ بداية، هذا العالم الذي يولد كل يوم بكل ثقة وعطاء بانسجام يبعث على الدهشة وكما قال ملارميه «الشاعر يدهشه كل شيء». الشعر بالتأكيد هو الوسيلة الوحيدة والمباشرة التي أجزع بها! احب الفلسفة كثيراً وتستهويني الوجودية بصفة عامة وكتابات هيدجر، جان بول سارتر، هكسلي، هيجل، وكولن لسون الذي كرّس للوجودية الجديدة وأثار فضولي بشدّة. وللقص قي متعتي مكان، اقرأ لعبده خال، يوسف المحيميد، عبدالرحمن منيف، الطاهر بن جلون، جارسيا ماركيز، هيرمان هسه، البيركامي.. هذا ما يحضرني من اسماء.
* أحد الانطباعات الأولى التي يمكن أن تؤخذ على شعرك أنه منفصل عن واقعنا المعاش، عن تفاصيل الحياة العادية. هل تميل إلى التجريد في التعبير عن آرائك ورؤاك؟ ـ
ـــ تماماً وأظنك تقرأني جيّداً قي هذا السؤال، التجريدية منطلق سليم وأساس في حياتي كصفة عامة، وأظنه المنطلق الأكثر مثالية ونجاحا للبدء دائماً لأنه الأصفى والأكثر وضوحاً، بمعنى أن التجريد هو أسهل الطرق لبلوغ الدلالة.. جرّب ذلك بنفسك.
* كيف استقبل النقاد باكورة إنتاجك الشعري ممثلاً في ديوان «مقتطعات الرّنين»؟
ـــ أرى أنهم تناولوا قصيدتي باعتبارها تجربة حداثية جديدة ومغايرة في الشعر العربي الحديث، ووصفوها بأنها فريدة و تنهج طريقاً يستحق الاحتفاء وهذا شيء أسعدني كثيراً، كان هناك بعض الانتقادات التي تناولنا معظمها في ثنايا هذا الحديث.
* يلاحظ أن نقاد الداخل السعودي لم يهتموا بتجربتك الشعرية قدر اهتمام نقاد الخارج بها. كيف تفسر ذلك؟
ـــ لتفسير ذلك سأستعرض بإيجاز وجهة نظري عن النقد السعودي القائم/ النائم الآن؛ تلك الظاهرة التي أسمّيها بيروقراطية النقد السعودي الحالي والتي اتمنى أن تكون مجرّد مرحلة عابرة، فمعظم المنجز النقدي السعودي الحالي يقرأ لشعراء الثمانينيات، ترعرعوا سويّة و يقرأون لبعضهم (يحافظون على بعضهم) منذ عشرين عاما! (يغازلون بعضهم إذا جاز التعبير)، وإن جاء ناقد يافع ومتحمّس تجده يتخبّط في موروثهم وكأن الشعر أنتهى بخفوتهم المتوقع سلفاً، أضف الى ذلك تدني الحضور النقدي السعودي في الفترة الحالية.
* هل تجاهل النقاد للتجارب الجديدة، خاصة إذا كان يغلب عليها الطابع التجريبي، يرجع إلى عدم قدرتهم على فهمها واستيعابها؟
ـــ قد تكون هذه احتمالية ممكنة لكنني واثق انها لأقلّية من النقّاد، والسبب الأهم هو ما بينته في السؤال السابق.
* وفر الإنترنت فضاءً واسعاً، من حيث حرية النشر والتعبير، أمام الأصوات الشابة في كافة ألوان التعبير الأدبي والفني. ويلاحظ أن صوتك كشاعر داخل هذا الفضاء أكثر حضوراً عنه في الحياة الثقافية السعودية كالصحف والمجلات والندوات الثقافية. لماذا؟
ـــ لسهولة وصولي اليه، وأعتقد أن المسألة مرتبطة بالضرورة بالتطور المتسارع للانترنت كوسيلة اعلامية ومرجع ثقافي غزير، والذي يقابله ذاك التدهور الفظيع والواضح في التقديم والمحتوى للصحف والمجلات الثقافية المحلية، ففي كل أسبوع وتزيد أحياناً الى اسابيع تتصدق علينا جريدة بصفحتين ثقافيتين أو أكثر لا تخلوان من آخر رقصات الفنانة فلانة وآخر طرق الهكرز لاختراق كمبيوترك، أما الندواث الثقافية المزعومة فهي مجرّد إعلان على استحياء يتصدر أخبار الثقافة كل شهر أو يزيد لمسح ماء وجه الأندية الأدبية المُصفّد.
* لنخرج من تجربتك الشعرية إلى آفاق المشهد الثقافي السعودي الحالي. مبدئياً، كيف تقرأ واقع الشعر السعودي؟
ـــ الواقع الحالي للشعر السعودي يشهد تنويراً مُرضيا، فثمة أسماء ستبقى بكل تأكيد علامة فريدة في الشعر العربي الحديث، وأسماء أخرى تخرج كالنور المبهج مابين فترة وأخرى. لكن ما يبعث على القلق والاحباط في هذا الخصوص غياب العمل المؤسسي المنظّم والإقصاء اللامبرر للأدب من الواجهة الثقافية العامة للمجتمع.
* ما الأصوات التي تشدك؟
ـــ في الفترة المعاصرة، من المشهد الشعري السعودي أقول: أحمد الملا، عبدالله السفر، سعد الحميدين، سعد الدوسري، محمد خضر، هدى الدغفق، محمد حبيبي وموسى العزي. من المشهد العربي أدونيس، أنسي الحاج، باول شاؤول، قاسم حداد، عبدالمنعم رمضان، سركون بولص، فوزية السندي و محمد النبهان.
* لنجعل حديثنا أكثر تحديداً. كيف تقيم، بحس الشاعر لا رؤية الناقد، أسماء مثل غازي القصيبي، سعد الحميدين، محمود درويش، أدونيس، قاسم حداد؟
ـــ بما أنك طلبت التقييم فلا بد أن تكون الرؤية لها أبعادها النقدية، وهكذا سأبدي رؤيتي بحس المُتذوّق فقط؛ غازي القصيبي مُثقّف من الطراز الأول، سعد الحميدين أستاذ حقيقي للقصيدة الحديثة وشاعر الجزيرة المخضرم، محمود درويش أصفى شاعرية عربية رقيق و«محكوم عليه بالأمل»، أدونيس الشاعر الأول على الاطلاق في الشعر العربي الحديث، قاسم حدّاد رائد القصيدة الطويلة والجزيلة.
* بعكس معظم التجارب الشعرية السعودية المعروفة، يغيب عن شعرك التراث والثقافة المحلية وملامح المدينة والمجتمع السعودي.. هل يمكن وصف ذلك بأنه محاولة منك للتحرر؟
ـــ يغيب عنه كل شيء يومي في الحقيقة، وذلك ليس نوعا من التحرر بما أن الروح في الأساس لا تُحبس، المسألة مرتبطة ربّما بوظيفة الأدب الآن من وجهة نظري على الأقل، سأوجز في القول هنا لاتساع الموضوع، وأقول إن الشعر في هذه الحقبة المهمة من تاريخ البشرية يتحمّل جزءا كبيراً من الأمانة الملقاة على عاتقنا كبشر، هكذا فالشعر يتحمّل مسؤولية أكبر من اليومي التقليدي والمباشر المحكي، ومنظور الشعر لدي، منظور كوني أكثر ايغالا من المؤقّت والمُحدّد. لكن لا تنسى في نفس اللحظة أن ذات المجتمع الذي تقول يعد بالنسبة لي خصوبة يومية تفعمني احاسيس وحالات اكتبها بطريقتي.
* من تخاطب؟
ـــ كل شيء وأخص كل ذات بشرية تشبهني .
مجلة العرب الدولية
http://www.al-majalla.com/ListQadaya.asp?NewsID=42