في ظروف غامضة الفسيفساء تختفي من حماة
العدد الخامس والستين - 2010-04-01
عــودةبدى واضحاً التراشق بين جهات إعلامية حكوميّة ومديرية المتاحف في حماة حول اختفاء لوحة أثرية فسيفسائية نادرة تبلغ مساحتها 180م2 من موقع المنطار /2/كم شمال مدينة سلمية.
فقد اللوحة قبل اعوام ضمن عقار أحد المواطنين خلال عمليات التنقيب التي كانت تقوم بها دائرة آثار حماة هناك بإشراف أحد موظفيها، وتم تسجيل الموقع الذي تم فيه العثور على اللوحة كموقع أثري واستمرت عمليات التنقيب فيه، وتم كذلك إرسال خبراء آثار للكشف على اللوحة المكتشفة وتحديد قيمتها المادية والأثرية، حيث أكد الخبراء أن قيمتها المادية تتجاوز 20 مليون ليرة سورية ناهيك عن قيمتها الأثرية التي لا تُقدر بثمن.
ويتهم الأعلام الرسمي دائرة آثار حماة حيث ذكرت صحيفة البعث أن المشكلة تقع في "موقف دائرة آثار حماة تجاهها.. فبعد اكتشاف اختفاء اللوحة في آواخر العام الماضي قامت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بدمشق والمديرية العامة للآثار والمتاحف بتحريك دعوى قضائية بحق المشرف على التنقيب في الموقع الذي اكتشفت فيه اللوحة والذي عُين أيضاً مشرفاً عليها، وعلى إثر هذه الدعوى أرسلت إدارة قضايا الدولة بحماة كتاباً يحمل الرقم /520/ و/2009/ تاريخ 27/12/2009 إلى دائرة آثار حماة متضمناً بيان رغبة الدائرة بالإدعاء على مشرف التنقيب المؤتمن على اللوحة وبيان الأضرار إن وجدت.
وهنا كانت المفاجأة حيث رد مدير آثار حماة في كتاب يحمل الرقم /3488/ ص تاريخ 31/12/2009 أن دائرة آثار حماة لا ترغب بالإدعاء على أحد كما أنه ليس لديها أيّ مطالب في هذه الدعوة، وتم ذلك دون العودة إلى مديرية الآثار والمتاحف بدمشق.
وهنا انتهت قصة الفسيفساء التي اختفت بظروف غامضة وأسباب لم تتضح وبقيت الاتهامات تخفي وراءها تساؤلات كبيرة خاصة أن مدينة حماة تزخر باللوحات الفسيفسائية فهي تضم أكثر من 50 بالمئة من اللوحات المكتشفة في سورية أبرزها لوحة طيبة الإمام التى يعود تاريخها إلى242 ميلادية وتزيد مساحتها على 600 متر مربع.
ولوحة المريمين (العازفات) الموجودة في متحف حماة الوطني وهي بطول 25،4 أمتار وعرض 37،5 أمتار والتي تمثل مشهداً موسيقياً يضم ست نساء عازفات أجاد الفنان في رسمهن وبدت وجوهن بشكل واضح، إضافة إلى طفلين وتظهر في اللوحة آلات موسيقية كانت تستخدم في تلك الحقبة الزمنية.
ويوجد بمحافظة حماة وفي متحف افاميا تحديداً لوحة فسيفساء مهمة للغاية تمثل سقراط وحوله ستة حكماء ويمثل الجانب الأيمن منها زخارف هندسية رائعة ضمن إطار نباتي جميل وتحيط برأس سقراط كلمة بأحرف يونانية تشير إلى اسمه وقد عثر على هذه اللوحة التي تعود إلى عامي 362 - 363م تحت بناء الكاتدرائية الكبرى في أفاميا مبينة أن هذه اللوحة تعكس بوضوح مدى الترابط الذي كان قائماً بين الثقافتين السورية واليونانية.
وأيضاً لوحة الوعل التي تمثل وعلاً جميلاً في الوسط فوق أرضية مليئة بعنصر نباتي مكرر يحيط به إطار ذو زخارف هندسية غاية في الجمال و لوحة الحوريات وهي من أجمل ما عثر عليه في مدينة أفاميا التاريخية والتي وجدت في المبنى الروماني الذي أنشئت فوقه الكاتدرائية الكبرى ويعود تاريخها إلى عامي 362م - 363م وتمثل هذه اللوحة مجموعة من الحوريات والفاتنات في مباراة للجمال وتوجد على اللوحة كتابات تعرف بأسماء شخصيات هذه الفسيفساء.
وتعتبر الفسيفساء السورية أغنى وأعظم الفسيفساء في العالم نظراً للتقنية العالية في تصنيعها وغنى الموضوعات الإنسانية والطبيعية التي تجسدها وتصويرها لأنماط الحياة البشرية على مدى الحقب الزمنية الماضية باعتبار أن لكل رسم وشكل فيها دلالة وقيمة فلسفية ومعنوية كبيرة منوهة بكفاءة الحرفيين السوريين في تصنيع مختلف أشكال اللوحات الفسيفسائية والذين كانوا سباقين في شغلها منذ بداية ظهور هذا الفن القديم الذي أصبح يتبلور ويحتل حيزاً واسعاً على الخارطة الفنية والثقافية في العهدين اليوناني والروماني.
لكن سرقة هذه اللوحات أو اختفائها يشكل قضية هامة على الحكومة عدم تجاهلها وعلى الاعلام الاهتمام بالبحث والتقصي حول العصابات المنظمة والتيتسرق وتهرب وتقتني هذه الآثار وهي حضارة بلادنا على مدى آلاف السنوات.
خاص - الأبجدية الجديدة