كتاب قيم:
[web]http://www.wataonline.net/site/modules/newbb/viewtopic.php?topic_id=2446[/web]
ترجمة عربية لكتاب نادر سراج
«حوار اللغات» مخترقاً تخوم الجغرافيا
لا يفتأ نادر سراج ينقلنا إن في تآليفهالأكاديمية أو عبر مقالاته الصحافية التي لا تخلو من قبسات لغوية اجتماعية ذكيةومؤشرة الى عوالم اللغة المتشابكة والمتداخلة مع حيوات الناس انطلاقاً من قعرالمدينة مروراً بكلام الناس وبفضاءات الشباب وصولاً الى المنابر الأكاديميةوالمنتديات الثقافية والسياسية.
نادر سراج الأكاديمي والكاتب والباحثاللساني يجمع في أعماله بين الأصالة والحداثة، وهو يمتلك رؤيا أقرب ما تكون الى «الجاحظية» الباحثة على الدوام عن أدنى الحقائق وأدق التفاصيل وأبسط التعابيروالتراكيب اللغوية وأكثرها صدقاً والتصاقاً بالحراك الاجتماعي.
كتابه الجديد «حوار اللغات» يأتي في هذا الإطار وفي معرض بسطه لمبادئ مدرسة لسانية وظيفية تعرّفاليها خلال دراسته العليا بباريس حيث درس على اثنين من أبرز أعلامها: أندريهمارتينه وخليفته ومريدته هنرييت فالتير.
صدر الكتاب عن «دار الكتاب الجديدالمتحدة» في بيروت. وقد توّج هذا المؤلف مسيرة ربع قرن أكاديمية طوى في ثناياها «سراج» معالم من تجربته التعليمية والبحثية والميدانية. رحلة البحث عن اللسانياتانطلقت في الثمانينات من القرن الماضي من أحياء منطقة المصيطبة البيروتية، ولمتغيّب في التسعينات أسواق صعدة باليمن وصاغتها من أبناء الطائفة اليهودية الذين درسسراج لغتهم وقارن بينها وبين مواطنيهم الصنعانيين من وجهة النظرالفونولوجية.
ويلمس القارئ في «حوار اللغات» جهداً ملحوظاً لبسط شؤون اللغةالإنسانية وشجونها، ولعرض أوجه من ألسنها المتحققة وتحديداً: العربية والفرنسية. والعنوان الذي توخاه سراج، على سبيل المجاز بالطبع، ينبئ عن توجهات المؤلف فياعتماد صيغة الحوار المرتدي أسلوب السهل الممتنع معبراً الى تبسيط المفاهيماللسانية.
يعرض سراج بلغة عربية علمية ومبسطة، في آن واحد مبادئ مدرسة لغويةحديثة هي «المدرسة اللسانية الوظيفية» عبر محاور اثنين من أبرز أعلامها الفرنسييناللذين تتلمذ على أيديهما الكثير من الطلاب العرب من مصريين ومغاربة وسوريينولبنانيين، بمن فيهم المؤلف نفسه. مقدمتان (واحدة للطبعة الفرنسية وأخرى موسعة للطبعة العربية) مهدتا لفصول ثلاثة تختصر رحلة بحث شيقة عن علم من علوم العصر،وتنتظم حواراً علمياً مشوقاً عُقد بين أبناء ثقافتين وعبر لغتين: العربية، اللغةالأم للكاتب، التي أثارت اهتمام هذين العالمين الفرنسيين، والفرنسية، اللغة الحيةالتي شكلت الأداة الثقافية لسراج وساعدته على ولوج عالم معرفي حديث، على مقاعدالسوربون. الثقافة التقنية والتمرس باستخدام الأدوات الاجرائية أهلتاه للانطلاق منالمدونات اللغوية المجموعة لدراسة مختلف المسائل والظواهر اللسانية التي تعيشهابيئاتنا العربية المتنوعة.
التحليل المكتمل للمبادئ الوظيفية عبر الفصلينالثاني والثالث يتلمسه القارئ من خلال الأبحاث المعدة والحوارات المعقودة. بيد أنالحوار في مفهومه التفاعلي الواسع لم يتحدد في مكان ولا في زمان. فقد امتد علىمدنيات مختلفة من باريس الى فريبورغ، فالقاهرة، فبراغ، فبيروت.
ولكن الكتابيحمل أيضاً في طياته مشاعر ودّ وتقدير رغب الكاتب في لحظها اعترافاً منه بفضلأساتذته «الأبجديين» كوهين ومارتينه وفالتير، مبرزاً دورهم في حسن تقديم اللسانيات (فونولوجيا وعلم تراكيب وعلم دلالات وسيميائيات ولسانيات اجتماعية) لطلابهمباعتبارها نموذجاً للعلوم الجديدة المتسمة بالصرامة والجفاف والخروج عن مألوفاتالجمهور الواسع.
وما استوقفنا في التمارين التطبيقية الثلاثة لأفكار النظريةالوظيفية التي تشكل «السلك الموصِل» لمضامين «حوار اللغات» الدراسة الشيقة التيتناول من خلالها مارتينه توصيف اللغة العربية في إطارها الإجمالي. فكتب بحثاًمسهباً بعنوان «الجيم العربية» الذي لفت انتباهه نظراً لتبدل أحوال هذا الفونيمالمميز في فونولوجيا العربية ونزوع مختلف مستخدمي لغة الضاد الى ايجاد بدائل أومقابلات له. ولهذه الغاية اعتمد أسلوباً مباشراً للمعاينة رصد من خلاله مجرياتالتطور الصوتي لجيم الذي أفضى وفق أحوال وظروف متشابكة الى قيام ثلاثة بدائل معروفة هي «الجيم المصرية» و «الجيم الشامية» و «الجيم الفصيحة». والتمرين بحد ذاته أنموذجللباحث اللساني الذي يتحول الى تقني دؤوب ومتمرس حينما ينصرف الى دراسة مسائللسانية دقيقة مثل «جيمنا العربية».
ما يميز «حوار اللغات» عن سائر المؤلفاتاللسانية هو في رأينا توسل صيغتي الحوارات والمباحث المطعمة بلمسات شخصية واستعاداتلأطر ومواقف تتداخل فيها اللسانيات بالعالم المشوق للعلاقات الإنسانية. اعتمدالكاتب أسلوباً مرناً يعكس معايشته اليومية للوقائع اللغوية التي يستمدها منالمسموعات والمرويات وتحديداً من أفواه الرواة اللغويين مباشرة، وهذا هو دأب العالماللساني الحقيقي. أهل الكلام الأربعة (بمن فيهم السيميائية جان أندريه مارتينه) تساءلوا، تفاعلوا، وتشاركوا معاً في صوغ أفكارهم وفي قراءة ملامح من المشهد الثقافي (الفرنسي والعربي). فرفدوا القراء الفرنسيين والفرنكفونيين (2003) والعرب (2007) بزبدة أفكارهم وبرؤيتهم المتجددة الى اللغة وعوالمها.