شرّفني مرورك أستاذتي المكرمة (رغد) ، وأشكرك على سؤالك الذكيّ البهيّ إذ أتاح لي الفرصة للتذكير بمعلومة مفادها :
من أنعم النظر في آيات الصبر وسياقاتها في الكتاب العزيز فسوف يستشف أنه : ليس بصابر ولا مُتقٍ مَنْ نأى بفكره وشعوره وسلوكه وجهده ومجهوده عن صولات المقارعة التي تفرض على الأمة تحت ذريعة الصبر ، وقصر دوره على الارتقاب فقط !! فهذا متخاذل فرور وليس بمصابر ولا صبور ؛ وتفصيل ذلك ودليله أنّ جلّ آيات الصبر على العدوّ ( والحكم للغالب ) قد جاءت تحث على الصبر في أجواء منازلة العدوّ وسياق مجالدته ومناهضته ، وليس بعزلته والانكفاف عنه :
فمنها آيات أتت في الحثّ على الصبر قبل نشوب الصراع مع العدوّ ريثما تحزم الأمة أمر إعدادها وعتادها لهذه المعركة ، كقوله تعالى : ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ) (الأحقاف 35) فهو صبر في أتون العمل المتواصل للإعداد والاستعداد !
ومنها آيات أتت تحث على الصبر والتقوى في خضم نشوب الصراع مع العدو، كقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) (آل عمرن 200)
وكقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لعلكم تفلحون ، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصابرين ) (الأنفال 46،45)
وهناك آيات تحث على الصبر بعد الفراغ من صولة والانتهاء من جولة مع العدو ، كقوله تعالى : ( ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ) ( محمد31) فتأمّل كيف أخّر الصبر عن الجهاد ، لأن المندوب إليه في هذه الآية الصبر على نتائج المعركة واستحقاقاتها وآلامها وربما فواجعها !!!!
أمّا ما كان بصدد ردود أفعالنا على الإساءة إلى نبيّنا محمّد - صلى الله عليه وسلّم - فإن لوازم الصبر والتقوى أن تنهض الأمّة للدفاع عن نبيّها بطريقتين اثنتين – حسب وجهة نظري المتواضعة - :
الأولى : بردّ عمليّ في سلوكنا النابع من امتثالنا لهدي نبيّنا عليه الصلاة والسلام ، بمعنى التمسك بهديه والاقتداء بسنته ! وتنشيط الحركة الدعوية لتبصرة العالم بشمائل نبيّنا عليه الصلاة والسلام .
الطريقة الثانية : حُقّ لنا أن نحتج بمسيرات ورفع شعارات تندّد بهذا العمل الإجرامي وتطالب ذوي المؤسسات الدولية المعنية بوضع حدّ لذلك ولكن دونما سفك دماء ، وتخريب ممتلكات ، وترويع آمنين ... بل نضع نصب أعيننا قوله تعالى : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ) ( النجم 38) لئلا نسيء إلى إسلامنا ونهج نبيّنا من حيث أردنا الذود عنه والإحسان ، إذ هذا ممّا يريده المتربصون المجرمون الذين يقفون وراء هذه الاستفزازات !
أما تساؤلك الكريم : (هل نحن مسلمون نستحق المديح ونحن فرطنا بواجباتنا الاولى؟) المديح والذم لا يستحقه المجموع إنما جموع ؛ فليست الأمة بمجموعها تستحق المديح ، إنما جموع منها ، وليست الأمّة بمجموعها تستحق القدح والذمّ إنما جموع منها ، فذا أنصف في التحكيم ، وأحوط من المظالم الكامنة في ثنايا التعميم !
أمّا نهج النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يوم الطائف فذا نتعلّم منه أن تكون ردود أفعالنا استراتيجية وليست آنيّة نابعة من فورات عاطفية ؛ فحين خُيرّ النبي- صلى الله عليه وسلم بأن يُطبَق على أهل الطائف الأخشبان ، ما كان جوابه إلا أن قال : ( إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم مَنْ يعبد الله ولا يشرك به شيئا ) فهو رهان على أجيال قادمة ، رهان على النطف الكامنة في أصلاب الآباء !! وقد تحقّق له ذلك بعد قرابة العشرين عاما بعد فتح مكّة وغزوة حنين إذ قدمت قبائل الطائف بشيوخها الهرمين وشبابها الناشئين – الذين كان منهم مَنْ هو نطفة في صلب أبيه حين أوذي النبيّ صلى الله عليه وسلم في رحابهم – جاءت مسلمة طائعة مبايعة !!!
على أنه ينبغي أن لايغيب عن أذهاننا أنّ النبيّ –عليه الصلاة والسلام – بقي من قبل حادثة الطائف ومن بعدها يبذل جهده ويستفرغ مجهوده في الدّعوة لهذا الدين وتحمّل تبعات ذلك ، شرع يبصّر العاقل ، وينبّه الغافل ، يدعو ويناظر وبالحسنى يجادل ، بمعنى مهر رؤيته الاستراتيجية تلك بعمل دؤوب وجهود مضاعفة ، وليس بأمانيّ مُرَفرِفة !
هذا ما أحببت أن أجيبك به على عجل ، فشكرا لك مرّة أخرى أختي الموقرة ( رغد قصاب )