غالب الغول//المعلم أمة في واحد
@@@@@@@@
للمعلم أدوار كثيرة يؤديها , أهمها كونه مثلاً وقدوة لطلابه ولكل الذين يفكرون به كمعلم , وقد يميل الشعور بالمعلم نحو عدم الاطمئنان بالنسبة لدوره حتى يصل به الحال درجة المقاومة , أو حتى الرفض , فالتفكير العميق ومراعاة حقوق الآخرين ومشاعرهم , والتواضع والخجل والكسل والخوف , كل هذه الأشياء منفردة أو مجتمعة , قد تجعل المعلم يفكر أو يقول : إذا كان علي أن أكون قدوة أو مثلاً فالتعليم ليس مهنتي , فأنا إلى حد ما , قد لا أكون صالحاً لهذا الدور , ثم أريد إلى جانب ذلك أن أكون حراً بنفسي وأن لا يلازمني الشعور بالمسؤولية لكي أكون قدوة للآخرين , فإذا أراد الطلاب رجلاً يكون مثلاً وقدوة فليبحثوا عنه في مكان آخر , يحب أن أكون حراً .
هذا الشعور يمكن أن نفهمه , وهو جدير بالثناء عليه , غير أن يتغاضى عن جانب أساسي لطبيعة التعليم وكسب المعرفة , فالنقطة الرئيسة هي كون المعلم مثل أو قدوة , هو جزء من التعليم لا يمكن لأي معلم أن يتجاهله أو يتهرب منه , فكون المعلم قدوة , حالة تنبثق من صميم طبيعة التعليم , وعندما يرفض المعلم القيام بهذا الدور , فإنه يقلل من فاعليته إلى حد كبير , والأهم من ذلك , رفضه مواجهة حقيقة وضعه كمعلم , وهذا الدور إذا فكر به المعلم بروية من جميع نواحيه , توقف عن أن يكون عبثاً عليه , أو حتى فرضاً إلزامياً , فإذا قبل المعلم القيام بهذا الدور وعرف كيف يؤديه بمهارة وتواضع فحينئذ يزداد العلم قيمة .
هناك بعض الشكوك في طبيعة الدوافع البشرية التي تسمم التربة التي منها ينو التعليم , وهذه حالة تعكس ذاتها في الرغبة للحصول على مكافآت التعليم دون تقبل المسؤوليات الخاصة التي هي جزء لا يتجزأ من هذه المهنة , ومما يشكل خطراً على مهنة التعليم , الرغبة القوية التي كثيراً ما يعبر عنها في هذه الأيام , لجعل التعليم مجرد مهنة أخرى أجرها مرتفع ( كما هي الحال بالنسبة لأعمال كثيرة منوعة ) . ومما لا ريب فيه , أن التعليم يمثل أشياء كثيرة , والمعلم يلعب معه أدواراً كثيرة , لكنه كمعلم له شخصية خاصة به , فعوضاً عن الإدراك الجزئي , وحب الذات والخوف من محاولة تجنب هذا الدور , قد نكون أكثر حكمة وتعقلاً لو حاولنا فهم مهنة التعليم وقوتها وقدرتها , فهنا التجربة الكبرى للمعلم الذي يطمح نحو الكمال : ترى هل يدرك ويتقبل بحماسة الحقيقة في أنه في صميم طبيعة عمله كمعلم أنما هو قدوة ؟
بيد أنه يجب أن نسأل , لم الأمر كذلك ؟ لم يجب أن يكون المعلم شخصاً مختلفاً عن غيره ؟ ألا يمكن أن تكون العادات والتقاليد الاجتماعية قد ألقت على المعلم هذا العبء دون أسباب معقولة ؟ أما باستطاعة المعلم أن يكون رجلاً يؤدي واجبه بدقة ومهارة دون القيام بهذا الدور الخاص ؟ هذه أسئلة طبيعية جديرة بالبحث , ولذا يجب الإجابة عنها بأمانة .
الإجابة عن هذه الأسئلة باختصار أمر صعب , ذلك أن المسألة تتطلب معرفة ووجداناً , والسؤال , ما العلاقة المثلى بين الطالب ومعلمه ؟ سؤال يتطلب معرفة واسعة , ومهما كان مستوى المعرفة أو نوع المعرفة , فالتعليم ينطوي على علاقة خاصة بين الطالب والمعلم , علاقة وصفت بأنها تكاد تشبه علاقة عاطفية قوية , ولكن هذا الوصف قد لا يكون الأفضل , إذ أنه يحمل في طياته معاني قد تفسر أحياناً بطريقة تشوه المعنى , إلا أنه يؤكد بصدق جوهر العلاقة البالغة الأهمية للمعرفة بين المعلم والطالب .
يلعب المعلم دور الوسيط لمختلف التجارب التي هي وسائل التعليم للطالب , فمثلاً كلمات طه حسين وأفكاره وقصائده تعطي حياة خاصة ومعنى عندما تمر في مخيلة المعلم , إنها ليست مجرد أعمال لطه حسين وكذلك فإن كل تجربة في غرفة التدريس , وقد أقول كل تجربة خارج الصف , يراها الطالب من خلال أستاذه , فالاشتراك في فريق رياضي , أو حل مسألة حسابية , أو كتابة موضوع إنشاء , ليست أحداثاً منفصلة , لكنها تتخذ معنى وصفة خاصة نظراً لصلتها بالمعلم .