الحوار - الاختلاف - تعدد الأراء : ضوابط وآداب (8)

--------------------------------------------------------------------------------

الكف عمن قال لا اله الا الله
الكاتبة : هدى عدنان
نقلا عن مجلة البصائر - عدد 10- تاريخ 7-10-2003
من أدب الاختلاف : الكف عمن قال (لاإله إلا الله) لأن التفكير هو أخطر أدوات التدمير لبيان الاتحاد والتقارب بين المسلمين العاملين للإسلام والسنة النبوية تحذر أبلغ التحذير من اتهام المسلم بالكفر ((إذا قال الرجل لأخيه ياكافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه)) رواه مالك والشيخان.

ولا يجوز تكفير مسلم بذنب فعله ولا بخطأ اخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة والواجب هو الكف عن كل من قال (لا إله إلا الله) كما جاء في الحديث فإن من قالها قد عصم دمه وماله وحسابه على الله ومعنى (حسابه على الله) أننا لم نؤمر بأن نشق عن قلبه بل نعامله وفق الظواهر والله يتولى السرائر.

ومن أهم الدعائم الاخلاقية لفقه الاختلاف:

1- الاخلاص لله والتجرد من الأهواء:

كثيراً ما تكون الخلافات بين الأفراد والجماعات، ظاهرها أنها خلاف على مسائل في العلم أو الفكر، وباطنها حب الذات واتباع الهوى، وذلك قد يخفى حتى على الإنسان نفسه، إن المسلم الحق هو الذي غايته رضا الخالق لا ثناء الخلق وسعادة الآخرة لامنفعة الدنيا وإيثار ما عند الله تبارك وتعالى على ماعند الناس. ولو أنصف الجميع لجردوا أنفسهم للحق وأخلصوا دينهم لله حتى يخلصهم الله لدينه.

2- التحرر من التعصب: بمعنى أن لايقيد نفسه إلا بالدليل فالحق أحق أن يتبع من قول زيد أو عمرو من الناس، وبالذات التحرر من التعصب الشخصي أي لآراء الإنسان نفسه بحيث لاينزل عن رأيه ولو ظهر له خطأه وتهاوت شبهاته أمام حجج الآخرين، بل يظل مصراً عليه انتصاراً للنفس ومكابرة للغير واتباعاً للهوى وخوفاً من الإتهام بالقصور أو التقصير، فهنا التعصب من دلائل الإعجاب بالنفس واتباع الهوى وهما من أشد المهلكات خطراً.

3- إحسان الظن بالآخرين: لاينبغي أن يكون سلوك المؤمن قائماً على تزكية نفسه واتهام غيره، فالله ينهانا عن أن نزكي أنفسنا والمؤمن كما قال بعض السلف أشد حساباً لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح، فهو أبداً متهمٌ لنفسه لايتسامح معها ولا يسوّغ لها خطأها، يغلب عليه شعور بالتفريط في جنب الله والتقصير في حقوق عباد الله، وهو يعمل ويجتهد في الطاعة ويخشى أن لاتقبل منه فإنما يتقبل الله من المتقين وما يدريه أنه منهم ؟!!. وفي الجانب الآخر يلتمس العذر لخلق الله لأن من أعظم شعب الإيمان حسن الظن بالله وحسن الظن بالناس.

فالأصل أن لايظن المسلم بأخيه الأخير وإذا سمع شراً عنه يطرد عن نفسه تصور السوء مع أن سوء الظن من الأشياء التي لايكاد يسلم منها أحد.

4- ترك الطعن والتجريح: وهو أن ينهج نهج السلف في اختلافهم في الإجتهاد فلم يجرح بعضهم بعضاً بل أثنى بعضهم على بعض برغم ما اختلفوا عليه، فمن الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس أنهم لايسمحون للشخص الذي يثقون بمنزلته في العلم أو الدين بأي زلةٍ يزلها أو مذمّة في الفكر أو السلوك وتراهم بزلةٍ واحدة يهدمون جهاد إنسان وجهوده طوال عمره ويهيلون التراب على تاريخه كله، وفي قصة زلة حاطب بن أبي بلتعة ترى أن سوابق هذا الصحابي شفعت له مع عظم الذنب الذي اقترفه. ومن بذل جهده في معرفة الحق فأخطأ الطريق إليه، لم يكن عليه جناح فإن الخطأ مرفوع عن هذه الأمة كالنسيان.

5- البعد عن المراء واللدد في الخصومة: ذم الله تعالى المراء الذي يراد به الغلبة على الخصم بأي طريقة دون إلتزام بمنطق ولا خضوع لميزان بين الطرفين وهذا أمرٌ ملاحظ، أن القوم إذا هرموا لتوفيق تركوا العمل وعزموا في الجدل وبخاصة أن هذا مرافق لطبيعة الانسان التي لم يهذبها الإيمان (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) ويرون أنهم على حق دائماً وغيرهم على باطل دائماً.

6- الحوار بالتي هي أحسن: وهو ما أمر الله تعالى به من الكتاب (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) فعند الأمر بالدعوة والموعظة اكتفى بأن تكون حسنة، أما في الجدال فلم يرضَ إلا أن يكون بالتي هي أحسن أي أنه إذا كانت هناك طريقتان أحدهما حسنة والأخرى هي أحسن منها وأفضل فالمأمور به أن نتبع التي هي أحسن لئلا يدفع الخلاف مع المحاورين إلى القسوة في التعبير أو الخشونة في التعامل فبينه عزَّ وجل إلى اتخاذ أحسن الطرائق وأمثلها للجدال والحوار ومنها باختيار أرق التعابير وألطفها في مخاطبة الطرف الآخر، وان الكلمة العنيفة لا لزوم لها إلا أنها تجرح المشاعر وتغير القلوب والأولى الإلتزام بآداب الحوار وموضوعيته والبعد عن الإثارة والتهييج