هل قلت يعود؟!
---------------------------------
ريم بدر الدين بزال
"في أمل إيه في أمل
أوقات بيطلع من ملل"
و في أمل عندما تستطيع الذاكرة أن ترتد بك نحو شبابيك منسية.
منسية لكنها موجودة .. قابعة في أرض ما تنتظر أن نشرعها
نشرعها في لحظة هروب ..
هروب من الوقت أو عودة إليه .. ليس ثمة فرق فالمفهوم / العودة/ محتوى ما بينهما كما هو الحال بين الـ " هنا " و الـ "هناك"
العودة .. عودة ذاك الضال لبيت طفولة هجره منذ زمن لا يعرف كم امتد على مساحة العمر..
شعور بالقلق ،قلق ألا يرحب به.
بالخوف ، خوف اختبره يوما من عفاريت مفترضة قد لا تراه إن دس رأسه تحت اللحاف، أو خوف من جنية تظهر في الحديقة الخلفية تراوده عن قلبه.
الرجاء، رجاء أن يجد رائحة خبز الجدة في الوجاق الرؤوم .. بالأحرى أن يجد رائحة الجدة عندما يضع رأسه على فخذها في إغفاءة قصيرة يملأ كيانه ما يهبه من أمان عبق ثوبها المتعب من عناء نهار طويل ..
الأمل، أمل تبدأه صور في الألبوم القديم بالأبيض و الأسود ..
الجدان عند "البحرة" بعد الفجر و قهوة بالحليب ..صورة!
تسلل ليلي في أردان الجد الى البستان المقرور في شتاء صقيع يوقد نارا تهب الحقل بعض الدفء ..صورة !
حلويات العيد تصطف في الكتبية في علب خشبية ..صورة!
القطة فلة وضعت في "الداكونة" ثلاثاً: بيضاء و سوداء و مرقطة ..صورة !
و الخالة تنهر كل الأطفال لو مدوا أيادٍ عابثة لجنينتها فقصفوا عمر "سيخ الزنبق" و داسوا شتلات المنثور.. أيضا صورة!
أمل ينبثق من اللاشيء و نحو اللاشيء كمن جرب بعد انتهاء العالم أن يطلب رقم هاتف بيت أبيه و في قرارته يوقن أن ليس ثمة من سيرد..
و يعود .. ليس ثمة قطرة في قارورة وقته.. تستوقفه فيروز بعد الشفق ..تعده إن حظي بعمر أطول أن تغزل له من أشرعة الوقت سفينا يبحر فيها نحو أبعد بيت " ممحي ورا حدود العتم و الريح" ..أن تمنحه لونا للورق الـ يصنع منه طيارة تربطها بكرة خيطان ..أن تنصب له أرجوحة في دالية " كرم اللولو" ..
و يعود ..و الرائحة غابت .. باقٍ منها العطر الساكن في الوجدان .. مرصود في شجيرة ياسمين يتدلى ببياض في ممشى "الديار" كخصلة شعر تنهال على وجه غجري فاتن إثر رقصة محمومة.. في كأس التمر الهندي بماء الزهر مزج ..في رائحة "بقجة" تختبىء وراء ستارة "كتبية" طرزها الوقت المستقطع من شوق الجدة و حنين الجد يغريه، يعود من سهرته هرولة يسابق وقع المطر في الحارات الشامية ..
هل قلت يعود؟