أشتعل فرحاً
لأننا نسجنا حكايتنا من ورقة صنوبر كانت جافّة، وحين سقيناها نبَضَت بالحياة..
رششنا عليها عِطراً من أيقونات الوفاء، وزيّنا غيابات الواقع والأحلام بألوان صنعناها من نسيجينا.. فكانت لنا.
تمازجنا في كيان واحد، لنقترف معاً كلَّ حركة من حركات الحياة.. ونترك في كلِّ مكان أثرا
قبل دورتين للشهور حول كوكبنا، وعندما أرجف الصيف كهولةً "كما في كلِّ رحلة حضور وغياب" حمل عصاه، وأوشك على الرحيل
يومها، أوشكت الأشجار تخلع معاطفها الخضراء، لتلبسنا قمصان الدفء، فنمضي يداً بيد على دروبٍ كثيراً ما أنصتت إلى همسنا، وكثيراً ما كانت تشتاقنا، وكثيراً ما كنّا نلبّي نداء الشوق.
في عصر ذلك اليوم، كانت السماء تتلوّن بالبنفسج قبيل أفول الشمس، والشهر السادس من يقفز فوق مفكّرة الزمن، يوم أعلنت الحياة علينا شعائرها، فأسقطنا أعمارنا الميّتة التي انقضت، وبدأنا نسجّل على ورق الأسفار الآتية وجودنا الحيّ.
وبين هذا وذاك.. وبين هذه وتلك، كانت محطّات الانتظار تأخذنا تارة إلى أزمات الأعصاب الجاحدة، وتارة إلى حدائق البوح الجميل، لتُسقط في اللحظة نفسها مسافات القلق
هي يا غاليتي مفازات حوافز، تشدنا إلى انتظار فرحٍ سيأتي.. وكان يأتي.. وسيأتي
أشعر بالموجة التي لامست ساقيك، تكاد تعلن لي ولاءها.. وبالنسمة النديّة التي قبّلت وجنتيك ذات مساء، تعيش عبورها الشفيف أمام جنون اشتياقي، وبأول تحليق راجفٍ لعصفور تعلّم الطيران لتوّه بأصابعي الراجفة كلما اشتاقت تقول لك أحبك
تترامى بيننا الفصول، تطفئنا حزناً، وتشعلنا فرحاً
وكلما غابت الشمس وراء الأفق البعيد، تهدأ فورات التعب. وكلما اكتظّت السماء بالغيوم، وأرجفت النوارس خوفاً، دبّت الحياة في أجنحة طيور الليل، وتسلل الدفء بطيئاً يداعب فسحة روحينا
وما أن تبدأ حبيبات الندى غسل الغصون التي ألقت أثقالها بعد حمل طويل.. تفتح الأرض صدرها تنتظر غيث السماء
يومها زرعتك، وأنت لا تدرين في دمائي، فَنبتِّ قوسَ قزح زيّن محرابي القديم بمشكاة من نور
لماذا يصبح لون دماء العاشقين بنفسجياً..؟
وقد أتينا في تمام الوقت، لنرسم تلك القطرات الصاعدة منّا إلينا.. والهاطلة من السماء إلى الأرض
الآن.. أيتها الغالية سيتبدل المشهد
كنت أناديك وتناديني وقتما أشاء وتشائين، أستحضرك وتستحضريني في الحلم واليقظه كما أشاء وتشائين، وأشكّلك وتشكليني كما أشاء وتشائين
الآن أيتها المزروعة في كبدي.. سأكون أنا ذلك الطيف الذي كان، وعندما يغلبك الشوق لتستحضريني.. أغمضي عينيك قليلاً، ستجديني على مرمى أصابعك من لحم ودم.. ونعيش الفرح
ولأنني أوشكت أفرد جناحيّ وأطير إليك.. أعيش الانتظار الجميل
وأقول.. لك أنا -لأنك أنا- على مدى العمر
ولو كنّا نطوي الآن صفحات من سفر الزمن، فإننا نبدأ فتح صفحات لن تنتهي..
وأشتعل فرحاً
ـ ع ك