بين الروح الجماعية والروح الفردية
د. ريمه الخاني
تتجه الجهود حاليا عصريا وعموما ، وفي غفلة عن منطقنا الأصيل، في تعزيز الأنا، مترافقة مع بزوغ الاستعمال الفردي للأجهزة الألكترونية ، والدعم الفني للإنسان الفرد، متحدية بطريقها سنين طوال من الظلم الاجتماعي،فالحجة ظاهرا صحيحة، كهدف لرفع الظلم، ولكن ماهي النوايا؟.
إن الدعوات الخجلى والنداء اليتيم، لبث روح الجماعة من جديد، لم يعد يصغى إليها في غياب القدوة القوية التي تجمع، وماأقلها، و لعل الجماعات عامة حتى لو كانت بريئة المحتوى، فسوف تحول الأنظار لمن حولها إلى جدواها مبدئيا، و ستسحق بيد من حديد من قبل السلطات العليا، لذا فبات هناك من جراء ذلك، مجتمعات اجتماعية صغرى، لاتسمن ولاتغني من جوع كلُحمة مجتمعية ذات هدف بنّاء مرتبط غالبا بها، لم يكن مرضي عنها، وفي حال عدم الرضاء عنها، فستُدفع للنزاع وتحطَم وتحطَم..فهل هو مسوغ لتحطم؟.
على الصعيد العملي والفردي، لو لاحظنا ودققنا في حصتنا اليومية التي نفردها لأنفسنا، نجدها عموما تبلغ ثلث يومنا، وقد أكد ذلك الدكتور جاسم المطوع عبر مقتطف نقدمه:
(إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا)، فالأصل أن نحقق المعادلة بين العلاقات الثلاث (العلاقة بالخالق، والعلاقة بالمخلوق، والعلاقة مع الذات) فنحن نعطي للذات ثلث الوقت في الحياة الدنيا وفيها نقول استمتع مع نفسك، مارس الرياضة، وتناول القهوة، وارسم لوحة، واعمل مساجا او استرخاء بألوانه، ونم مرتاحا، ولكن بقي ثلثان ينبغي أن لا نهملهما، وهما: الأول العلاقة بالخالق وفيها العبادة والمعاملات والتزامات كثيرة مبينة في الفرائض والسنن، والثاني:العلاقة بالناس والمخلوقين ومنها الأهل والأقرباء والزوج والأبناء وفيها كذلك التزامات أخرى.
قالت: أعجبتني هذه الثلاثية التي لم أسمعها في الدورة التي حضرتها، ثم قالت: وما رأيك بما تعلمته كذلك وهو أن (لا أكون شمعة تحرق نفسها لتنير الطريق للآخرين)، قلت: إن الذي علمك هذه الجملة كان عليه أن يفرق بين أمرين: الأول ربما كانت سعادتك في أن تضحي بوقتك ومالك لخدمة الناس وإسعادهم، ففي هذه الحالة ستكونين سعيدة عندما تحرقين نفسك من أجلهم، والثاني: يعتمد على من هم الآخرون!، فلو كان والدك أو والدتك الا يستحقان أن تحرقي وقتك ومالك وصحتك من أجلهما؟ قالت: كلامك صحيح وأنا لم أفكر بهذه التفاصيل، قلت بل نحن في معتقدنا أن نحرق حياتنا من أجل الله تعالى لأن الحياة الحقيقية هي الآخرة وإلا كيف تفسرين من يقدم نفسه وروحه لله ويكون شهيدا؟!
سكتت تفكر في ما أقول، فقلت: والآن اهتمي بذاتك وزوجك وأهلك وأولادك وابتعدي عن أكذوبة (إن الاهتمام بالذات يكون على حساب الأولاد والبنات)، فنحن لم ننجبهم من أجل أن نتركهم، بل أنجبناهم ليكونوا خلفاء بالأرض، فيتحملون أمانة تبليغ الرسالة وهذه تحتاج منا لجهد ووقت وتضحية وتعاون حتى نؤدي الأمانة، فارجعي إلى بيتك وخططي لدنياك وآخرتك واهتمي بنفسك وصحتك وإيمانك ستكونين سعيدة بحياتك.[1]
هنا وحسب ماورد، ينشطر المفهوم إلى قسمين: عطاء وأخذ بآن، فالأخذ هو دعم الفردية من خلال باب العناية بالنفس بألوانها القزحية وهي حق، والغيرية، وهي الاهتمام بمن لدينا ،التزام الواجب نحوه أو خيار المساعد الاختياري، فيمكننا هنا حصرها بحقوق وواجبات، فمابال وسائل الإعلام تصرخ في وجهنا: من حقي..من حقي...هلا وازنتها بكلمة : من واجبي؟.
وقد واجهت موقفا كهذا من خلال والدة طفل أتت به إلي قائلا :
طفلي في الصف الثاني الابتدائي يصرخ في وجه والده قائلا:
من حقي أن وأن وأن..
فقلت: فما هو واجبك أيضا؟
فصمت لأنه لايعرف مفردة كهذه!.
لقد تعددت النصوص التي توضح الحصول على السعادة من خلال مساعدة أحدهم، إلا لو كانت الفطرة غير سليمة مثلا.
والعمل الجماعي مرتبط دوما بهدف ، بينما الفردي مرتبط بمتطلبات الفرد عموما وخياراته الخاصة.
ولعلنا نستخرج العبارة الأولى الحديثية التي أوردها الدكتور المطوع :
آخى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بين سلمانَ وأبي الدرداءِ، فزار سلمانُ أبا الدرداءِ، فرأى أمَّ الدرداءِ متبذِّلةً، فقال لها : ما شأنُكِ ؟ قالت : أَخُوكَ أبو الدرداءِ ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداءِ، فصنع له طعامًا، فقال : كُلْ فإني صائمٌ، قال : ما أنا بآكِلٍ حتى تأكلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداءِ يقومُ، فقال : نَمْ، فنام، ثم ذهب يقومُ، فقال : نَمْ، فلما كان آخِرُ الليلِ، قال سلمانُ : قُمِ الآنَ، قال : فصَلَّيَا، فقال له سلمانُ : إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فذكر ذلك له، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( صَدَق سلمانُ ) . أبو جُحَيْفَةَ وهبٌ السُّوائيُّ، يقال : وَهْبُ الخيرِ .[2]
لقد كانت المؤاخاة بمعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعقد بين المهاجرين وبين الأنصار عقد المؤاخاة في أول الإسلام، وذلك في التناصر.
وكانوا يتوارثون بهذه المؤاخاة دون قراباتهم في أول الأمر، وذلك أن المهاجرين كانوا قد قدموا إلى المدينة، وتركوا كل شيء وراءهم، من أهل ومال وولد، جاء الواحد منهم بثوبه، أو بعض ثوبه، لربما لا يملك إلا إزاراً.
من هنا تبدأ الروح الجماعية، لخدمة هدف أسمى، وإن لم ننتصر على أنفسنا ونصل تربويا وبصدق لهذه المرحلة الإنسانية، فستبقى الفردية هي المسيطرة ضمنا، أما شروطها للوصول إليها:
1-تعزيز الصدق المتبادل والصراحة في كل سلوك.
2- تعزيز الثقة بالآخر بعد بناء مرتبة الصدق.
3- القناعة بالظروف المعاشية لكل فرد، أملا بتحسينها، دون حسد ولا حقد ولا غيرة سلبية.
4- دعم المواجهة عند التثبت من أمر ما، وعدم إضمار المحاكاة الفردية التي تتشعب حتى تصبح جبلا من حوار لايؤدي إلا لمزيد من الشقاق.
5- وجود قدوة حقيقية، ملتزمة بشروط الدعم الجماعي، واليقين من أننا بشر نصيب ونخطئ ولامانع من التصويب بكل أريحية.
6- عزل الفكرة عن المؤثرات الخارجية حتى تتبلور الفكرة وتنمو تثبت.
7- دعم نشاطات كفيلة بترجمة ماورد بهمة وإخلاص، على أن يكون عملا جماعيا بالدرجة الأولى. ولو كانت عبارة عن فرقا متفرعة من المجموعة الأصل.
8- استئصال خصلة التكبر، عند خروجها بعد النجاح، بتبادل الأدوار، حتى يتذوق كل دور الآخر ويجربه.
9- بعد الوصول لمرحلة النجاح الواضح، يبدأ تثبيت كل في مكانه ، بناء على مواهبه وإنجازه.
10- ضرورة ضخ دماء جديدة في روح الجماعة، تضمن الاستمرارية للعمل، على أن يتحلو بدورهم بتلك المزايا، من خلال المراحل التدريبية الآنفة الذكر عمليا وعبر نشاطات متلونة.
غن ماورد ليس جديدا بحال، بقدر تبويبه وتصنيفه وإدراجه مطبوخا بعناية ، وعلى نار هادئة. فلنبدأ من الركيزة الأولى وهي البيت وخاصة بعبارة:ساعد أخاك فهو يحبك...
26-7-2018




مقتبس بتصرف من مقال: أكذوبة دورات حب الذات.
http://omferas.com/vb/t55792/
[1]

الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

الصفحة أو الرقم: 6139 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | انظر شرح الحديث رقم 15225 [2]