«المرأة والقطة».. لليلى العثمانلئن انخفضت قليلاً، فما زالت حدة السجال مرتفعة، بين النقاد والكتاب والقراء، حول ما اذا صارت الرواية ديوان العرب أم لا؟.
حسني هلال
لكن وبصرف النظر عن ماهية وأهمية جواب السؤال السابق، يمكننا القول دون تحفظ: إن الرواية العربية قد دخلت الألفية الثالثة من بوابتها الأدبية الناشطة، إن لم تكن الأنشط في ترجمة قضايا مجتمعنا.
طموحاته..
مشاكله..
ونوازعه..
سالم.. حصة.. دانة.. العمة، هي الشخصيات الرئيسة، مثلما الشك.. الريبة.. الفقر.. القهر، هي «المشاكل الأهم، التي استغرقت «ليلى عثمان» في روايتها «المرأة والقطة» على مدى مائة وواحد وعشرين صفحة، وأنقاض ثلاث ضحايا: قتيلتان هما: «دانة» و«حصة» وقتيل حي هو «سالم».
كثيراً ما تناولت الفنون عندنا بعامة، والأدب بخاصة، علاقة المرأة بالقطة، وأوجه الشبه بينهما، وغالباً ما كان ذلك لصالح أنوثة الأولى، في حين عالجت الأديبة «عثمان» في روايتها الراهنة، تلك العلاقة بشقيها:
- ما كان منها لصالح أنوثة المرأة.
ممثلاً فيما يحسه سالم في قطته «دانة» من غنج، ونعومة وحنية، تضاهي مثيلاتها في حبيبته «حصة».
- ما هو لصالح مخالب القطة.
مجسماً بالقسوة، والشراسة، والدموية، التي تعامل بها العمة، كل من وما حولها، بمن فيهم أخيها وابنه سالم، الأخير الذي أعملت مخالبها في أسباب حياته، حتى بات في شك من جدوى هكذا حياة، فراح يتساءل والحسرة تأكل حشاشته: لماذا يلاحقونني؟ يريدونني آكل لأعيش، لمن أعيش؟ حياتي كانت مرة منذ فقدت وجه دانة.. والآن لم يبق إلا وجه عمتي يطاردني كلما أغمضت عيني أراها تشرع مخالبها وكأني فأر تريد تمزيقه. ص15.
على ما في الخيانة من هتك لأواصر ثقة المحب، وتشطيب في مهجته، تبقى الريبة، أشد تحريقاً لنياط قلب العاشق، وأمض صبراً على ما حامي جمر شكوكه.
أما أن تتطاول شكوكنا لتصل أقرب أقربائنا، فهناك الطامة الكبرى، وبمقدار ما «ظلم ذوي القربى أشد مضاضة» بمقدار ما الشك فيهم أشد فتكاً بعصافير الروح، والتساؤل بشأن خيانتهم إياناً، مطارق تقض مضاجع حواسنا:
يطلقها؟؟
كيف يطلّق سعادته؟ حصة التي عوضته حنان الأم، وفقدان دانة، حصة التي لونت لياليه بالحب وأضاءت ظلمات روحه.
كيف يطلقها؟؟
يقتلها؟؟
كيف يقتل روحه؟ ويقطع شريان حياته؟ هل يقتلها ليريحها من عذابها، أم ليرتاح هو من عذابه، أو ليريح أباه (...) هذا الشك القاهر؟ كيف يسكته؟ كيف يرتاح منه؟ هل يسأل حصة؟ (...).
يخشى أن تؤكد له الشك فيؤذيها ويؤذي البذرة الراقدة في أحشائها. ص88.
ليس غريباً أن تعرض أديبتنا ليلى عثمان، وبجرأة في روايتها هذه، للمسكوت عنه في مجتمعاتنا العربية، من محرم ومهمش ومزور، فقد اعتدنا منها ذلك من قبل، في قصصها القصيرة المعروفة في مسقط رأسها «الكويت» وسائر أرجاء الوطن العربي.
أما من حيث الصياغة، فقد أفادت الروائية- وهي القاصة أصلاً- في روايتها، من خاصة الضبط والايجاز والاقتصاد، الى أقصى حدوده، مع الابقاء على سلامة الفكرة وسلاسة الصيغة «احدى خواص القصة القصيرة» موظفة ذلك في سيرورة روايتها، حتى جاءت- الرواية- على ما جاءت عليه من فنية التكامل والتعاضد والتكافل، في تقانة أسباب نجاح جنسَي القصة والرواية معاً.
آخذة بعين الاهتمام. ألا يكون ما سبق على حساب الانتقاص من مفردات خواص أخرى في السرد الروائي «كالتداعي والاستقصاء» ناهيك عن الصور واللوحات الشعرية، التي ازدانت وتوجت بها «امرأة وقطة» ليلى عثمان في غير مقال ومكان: كل عذابات الماضي تغادره في لحظة... ووجه حصته في يوم عرسها يتألق.. يلتوي بالجسد محموماً.. يعتلي أسوار القلعة فارساً... و... يقتحم الباب.
يخترق الدهليز المحصن، فتسيل الغدران بلون الورد، وحصة تكتم صرختها تشتد عليه تبكي.. تفرح.. تتأوه.. وترتاح يرتاح بجانبها، عصفوران حلقا في سموات النشوة.. وانسدلا الى الأرض.. الجنة التي فتحت لهما الأبواب وأكلا من ثمرها الشهي، صارت حصة له. ص110.