رحلة إلى الأعماق
قصة من الخيال العلمي في حلقات
الجزء التاسع
نزار ب. الزين*
*****
أبطال القصة :
د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .
*****
و يكمل الأمير نمرود حديث صاحبه :
- هذه البحيرة النفطية هي أكبرها و تقع في عمق أربعة آلاف متر ، و لكن هناك بحيرات أصغر ، بعضها أقرب إلى سطح الأرض و بعضها الآخر أعمق من هذه ، و تتراوح مساحاتها بين 100 هكتار و بضع مئات من الهكتارات ، و هي متواجدة في الكثير من أنحاء العالم ، تم اكتشاف قليلها و لا زال أكثرها مجهولا بالنسبة للبشر.
و هناك أمر آخر بالغ الأهمية لم تنتبهوا إليه ، ذلك أن تفاعل الهايدروجين مع الكربون ينتج أيضا بعض الغازات و أهمها غاز الميتان ، هذه الغازات قد تتجمع و تختلط مع الوسط النفطي و قد تتطاير و تتسرب بين الشقوق لتتجمع في كهوف أخرى ، و لها دور كبير في تفجر البراكين .
يسأله الدكتور حمود :
= هل لديك علم بمواقع التجمعات النفطية التي لم تكتشف بعد في العالم ؟
يتصدى كرزون للإجابة :
في أعماق جميع المواقع المكتشفة .
بعض تلك المواقع ظنوا أنها على وشك النضوب ، و لكنهم فوجئوا بامتلائها بالنفط من جديد ، أو أن النفط كان يظهر بعد حفر بضع عشرة متراً إضافية في نفس الموقع ، أما أكثرها فلم يكتشف أصلا بسبب عجز أدواتهم عن بلوغ حد معين من العمق .
و هنا اختطف الأمير نمرود الحديث ثانية من صاحبه ، قائلا و مؤكدا :
- محرك مركبتكم الدوار هذا ، سيقلب كل المفاهيم العلمية السابقة في مجال النفط و استخراجه ، ألم أقل لكم أنكم و مركبتكم سوف تنقلون العالم إلى الأمام في قفزة جديدة لا تقل عن قفزة الثورة الصناعية أو أختها الثورة الكهربية ؟!.
و أضاف :
- في أعماق الغرب من سيبيريا قرب بحر الأورال توجد تجمعات نفطية و غازية هائلة ، في أعماق منطقة بحر قزوين و ما جاوره من دول ، في أعماق شبه الجزيرة العربية و حتى جنوب تركيا ، في أعماق الجزء الغربي من أوربا ، في أعماق خليج المكسيك ، و في أعماق حوض الأمازون في البرازيل ، و بدون مبالغة فإن النفط تنتجه الطبيعة أينما كان الماء ، مائعا أو متجمدا أو ثلجا ، و لكن في الأعماق .. دوما في الأعماق ، و من يبلغ الأعماق يحصل على النفط و غاز الميثان ، بكميات لا ينضب معينها .
ثم أضاف و هو يضحك فخرجت ضحكته و كأنها صفير العندليب :
- و الآن ماذا تقترحون لنقلتكم التالية ؟ ماء أم نفط ؟!
يلتفتون نحو الدكتور عبد الله الذي فهم مرادهم على الفور و بدأ في استفتاء حاسوبه ، و كانت نتيجة الإستفتاء هذه المرة : ماء
*****
قال لهم الأمير نمرود :
- هناك تجمعات مائية هائلة للمياه العذبة في أعماق المحيط المتجمد الجنوبي تتصل فيما بينها بأنهار بعضها لا يقل طلا عن نهر النيل ، و هناك تجمع آخر في غرب أوربا و لكنه يمتاز بأنه يعج بالمخلوقات المائية بعضها أكبر من السحالي التي شاهدتموها في ما أسميتموه ب"محيط السلام العالمي " فأيهما تفضلون مشاهدته ؟
لم تطل مناقشتهم هذه المرة فقد أيدوا الإقتراح الثاني .
و بما أن المسافة بين شرقي سيبيريا و غربي أوربا كبيرة ، فقد قرروا استخدام قوة جاذبية مركز الكرة الأرضية كما فعلوا في بداية رحلتهم إلى الأعماق ..
و سرعانما اكتشف الدكتور مجدي شقا مناسبا يمكن الولوج من خلاله .
بدأت الحفارة اللولبية في مقدمة المركبة بالعمل ، تحفر الصخور و الكتل الطينية و تقذفها إلى الخلف بينما بدأ المحرك الصاروخي في الخلف بدفع المركبة ..
بدأت الحفارة الآن تعمل بشكل أيسر فقد بلغوا طبقة أقل كثافة مكونة من الصخور الحارة شبه المائعة و التي – كما سبق أن أفادهم الدكتور مجدي – تطفو فوقها صفائح القشرة الأرضية فتسبب حركتها الدائمة .
أما الدكتور عبد الله فقد أخبرهم أن الحرارة خارج المركبة بلغت الآن مئتي درجة مائوية .
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق ...
قال الدكتور مجدي : "نحن الآن في عمق ألف خمسمائة كيلومتر .."
قال الدكتور عبد الله : " الحرارة خارج المركبة تبلغ الآن خمسمائة درجة مئوية ..."
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق ...
" نحن الآن على عمق ثلاثة آلاف كيلومتر" ، قال الدكتور عبد الله ؛
" و بدأنا نخترق المائع الناري " ، قال الدكتور مجدي ؛
" و بدأت الجاذبية تتزايد وتيرتها بشكل متسارع ، اربطوا الأحزمة جيدا و اتخذوا وضع الإستلقاءعلى ظهوركم " ، قال الدكتور رياض الذي يتولى قيادة المركبة .
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق بوتيرة متسارعة...
" بدأنا الآن بالإتجاه المعاكس " ، قال الدكتور رياض ، و قد خرجت الكلمات من فمه بطيئة و بصوت خافت بسبب الضغط الكبير الواقع على صدره و بطنه ، إنه ضغط السرعة الخيالية التي اكتسبوها من جاذبية قلب الكرة الأرضية المعدني .
و المركبة بدأت تندفع من الأعماق نحو السطح ...
و إن هي إلا دقائق ، حتى اخترقوا شِقًا في عمق ألف و مائتي متر تحت قاع أقصى الطرف الشرقي من المحيط الأطلسي ، ثم ما لبثوا أن وجدوا أنفسهم يسبحون في أعماق بحيرة ؛ أكد لهم الدكتور مجدي بعد أن سحب منها عينة ، أنها ماء عذب قراح .
*****
و كما كان الوضع في " محيط السلام العالمي " فالظلام هنا أيضا دامس ، و الفارق أنها أصغر حجما منه ، و أقرب إلى سطح الأرض .
و أكد لهم الدكتور عبد الله ، أن موقعها تحت اسكتلندا في شمال إنكلترا مباشرة على عمق الف و مائتي متر لا غير .
و ما أن أضاء الدكتور عبد الله الكشافات ، حتى توجه كالعادة كل من د. حمود و د. مجدي و د . هشام ، للمراقبة عبر المناظير في حين آثر متابعة المشاهد المتلاحقة عبر شاشات الرادار و كاميرات الفيديو كل من د.عبد الله و د.رياض .
فصائل كثيرة من الأسماك المضيئة بعض أضوائها يكشف دائرة يزيد قطرها عن العشرة أمتار ، و إن هم منهمكين بتصويرها و إحصاء أنواعها . إذا بمخلوق عملاق يظهر أمامهم فجأة ، يشبه جسمه جسم سلحفاة مائية بطول عشرين مترا ، و لكنه يختلف عنها برقبته الطويلة الشبيهة بأفعى الكوبرا ، مع رأس صغير لا يتناسب مع حجمه الهائل ..
يصيح الدكتور مجدي : " إنه يشبه وحش بحيرة نِس ( Ness ) " ألم تسمعوا به ؟ سأراجع حالا حاسوبي الشخصي بحثا عن إسمه العلمي ! "
يجيبه الأمير نمرود : " بل هو بشحمه و لحمه " ثم يضيف :
- هذا الذي أسموه وحشاً ، إن هو إلا مخلوق مسالم نباتي ، يعيش على نباتات تتكاثر على جوانب هذه البحيرة ، و يوجد من فصيلته الكثير هنا ، كان يحلو لواحدها أن يتسلل عبر نفق يقودها إلى الأعلى نحو بحيرة نِس ، ليتمتع بالضوء الذي يفتقده في الأعماق و في الأيام المشمسة كان يتمدد على شاطئها مستمتعا بالدفء ، إلا أن الناس و العلماء و الصحافة و الصيادين ، أخذوا يضيقون عليها الخناق ، إشباعا لشراهة فضولهم ، و مع كثرة القوارب ذوات المحركات و الغواصات الباحثة عنه ، و ماتنتجه من موجات صوتية ، انهار مدخل النفق مما حال دونها و الخروج إلى السطح ؛ و الفضوليون في الأعلى لا زالوا يبحثون عن الوحش ، و كالعادة لا زال هناك من يكذب وجوده تكذيبهم لكل الظواهر الغريبة الأخرى و التي لا يجدون لها تفسيرا ؛ و لم يدركوا حتى الآن أن ماعرفوه أقل بكثير مما لم يعرفوه .
يقاطعه الدكتور مجدي معلنا نتيجة بحثه على الأنترنيت :
إنه من الداينصورات المائية و اسمه العلمي : ( البلِسيوصور Plesiosaur )
*****
يستأذن الأمير نمرود معتذرا بأن صديقا قديما له اسمه وهجان ، استدعاه لأمر ضروري ، و أن صديقه هذا يعيش في فندق ( فندق رمناد روشيت ) على ضفاف بحيرة نِس منذ أكثر من مائة سنة ، و أنه سيغيب عنده بعض الوقت ، مؤكدا لهم أن كرزون سيكون خير عون لهم أثناء غيابه ؛ و سرعانما تلاشى ثم اختفى .
و يقترح الدكتور رياض إجراء اتصال بالأهل فيوافقون جميعا على اقتراحه .
=========================
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com
=========================
رحلة إلى الأعماق
روابط الأجزاء السابقة :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته