مسنّات ضحايا للجحود والعنف الأسري
منيرة المتروك - مكة المكرمة
تحفل أروقة دور المسنين بالكثير من القصص المأساوية يستحوذ فيها الأبناء عادة على بريق البطولة، في حين يكتفي الوالدان بأدوار الضحية المغلوبة على أمرها. وما بين شواهد عقوق الوالدين من خلف تلك الأبواب الموصدة، واشتعال فتيل جحود الأبناء، مساحات من الرماد المتناثر داخل قلوب «احترقت» داخل تلك الدور، وفي مقابل ذلك تؤكد وزارة الشؤون الاجتماعية حرصها على تقديم رعاية متكاملة للمسنين تشبه الحياة الأسرية بالاضافة إلى مصروف شهري.
«المدينة» كانت لها جولة في احد تلك الدور من اجل رصد معاناة المسنين
ولدى وصولنا استقبلتنا إحدى الموظفات التي كانت تعمل قبل ذلك في دار رعاية الفتيات، وأشارت إلى أن عدد السعوديات اللاتي يعملن في الدار 7 والمستخدمات الأجنبيات 7 أيضا وان عدد المسنات حوالي 48 مسنة و3الى 4 حالات ظروف خاصة ولا يمكن تسميتهن بالمسنات.
توجهنا بعد ذلك إلى مكتب مسؤولة الدار «أمل يلي» واثناء ذلك التقينا بالخالة «ع. ص» التي كانت تتجول في الطابق الأول حيث طلبت منها المسؤولة أن تعود إلى حيث كانت مشيرة أن الخالة «ع، ص» إحدى الحالات التي يمكن تصنيفها بالنفسية وهي عادة تكون على ما يرام وبحالة جيدة إذا تناولت علاجها النفسي بانتظام ولكن إذا حدث عكس ذلك فإنها تنقلب رأسًا على عقب. وأشارت المسؤولة الى أن الخالة «ع، ص» تم تحويلها إلى هنا من مستشفى الصحة النفسية في «شهار» بالطائف لان حالتها الآن مستقرة وبإمكانها الاستمرار خارج المستشفى ولكن يجب متابعتها وإعطاؤها علاجها بالوقت المناسب، وعن أهلها وذويها أشارت المسؤولة بأن أبنائها يقومون بزيارتها والاطمئنان عليها من وقت لآخر.
معاناة نفسية
وفي مكتب مسؤولة الدار تم استضافتنا على فنجان من القهوة التي قالت المسؤولة انه من إعداد إحدى المسنات التي حرصت الدار على صقل موهبتها وتشجيعها حتى صار بإمكانها إعداد أشهى الوجبات. واطلعنا على بعض الشتلات النباتية من عمل المسنات أيضا.
واثناء ذلك التقينا بالخالة (ش، ص) التي كانت تمشي بمساعدة كرسيها المتحرك متنقلة بين أروقة الدار متغلبة على إعاقتها وقالت انها من جنسية عربية تزوجت من سعودي وأنجبت منه 3 أبناء وعندما كانوا صغارًا في السن أصيبت بجلطة دماغية اثر تعرضها لحادث سير أدى إلى وفاة زوجها وبقيت طريحة الفراش لمدة سنتين إلى أن أفاقت بعد ذلك لتجد نفسها مصابة بشلل نصفي لا تستطيع معه الحركة بالإضافة إلى اعتلالاتها النفسية التي أبقتها أيضا في مستشفى الصحة النفسية فترة من الزمن حتى تماثلت للشفاء واحضروها إلى هنا.
وعند سؤالنا عن أبنائها ومصيرهم أشارت بأنهم كانوا صغارًا بالسن وقت حدوث الحادث الأليم فبقوا بجانب أقاربهم وأعمامهم الذين قاموا بتربيتهم ورعايتهم حتى كبروا وهم الآن بانتظار الوظائف المناسبة والزواج وسيقومون بأخذ والدتهم إذا سنحت لهم الفرصة بذلك. وأشارت الاختصاصية «امل» بأن الخالة «ش، ص» الآن تتمتع بحالة نفسية مرتفعة وراضية بما كتبه الله لها بل تخطت إعاقتها حيث بدات تزرع بمفردها وتطهو لنا أشهى الوجبات ايضا وهي إحدى أعمدة الدار الذين لا نستطيع الاستغناء عنهم.
رعاية النزيلات
وطوال فترة زيارتنا كانت الخالة «ش، ص» تتنقل معنا وكأنها إحدى مسؤولات الدار كما حرصت الاختصاصية على ملازمتنا، وعن أوضاع الدار؟ وكيفية استقبال حالات المسنات والإجراءات المتبعة لذلك، أجابتنا الاختصاصية «أمل يلي» أن الدار تستقبل 3 أنواع من الحالات هي: نفسية وشيخوخة وظروف خاصة ووصفت الدار بأنها أشبه ما تكون بالمصحة او المستشفى مشيرة إلى وجود الكثير من «المسطحات» اللاتي لا يقوين على الحركة حيث تقوم الممرضات بخدمتهن ورعايتهن وتقليبهن بالفراش وتنظيفهن وإطعامهن وما إلى ذلك. والفئة الأخرى هن ذوات الاعتلال النفسي او اللاتي وصفت لهن أدوية وعلاجات نفسية يجب متابعتها بدقة وإعطاؤها لهن بأوقاتها المناسبة، واصفة حال البعض ممن يتناولن هذا النوع من الأدوية بأنهن قد يصلن أحيانا إلى درجة يلجأن معها إلى الصراخ عند شعورهن بالعطش او الجوع أما الحالات التي باستطاعتها الحركة بمفردها فهي قليلة جدًا وهن غالبًا يعشن تحت رحمة الجرعات النفسية العلاجية التي تمنحنهن فرصة للتواصل مع الآخرين ولدى تأخير أو نسيان تلك الجرعات فإن الحال ينقلب رأسًا على عقب.
واقترحت الاختصاصية «أمل يلي» أن يكون هناك دور إيوائية لتؤوي ذوي الاعتلالات النفسية التي بدأت حالاتهم تتزايد في العصر الحالي بسبب ضغوطات الحياة المختلفة.
التواصل مع المجتمع
ووصفت الاختصاصية أوضاع المسنات بأنهن يتلقين العناية اللازمة لمثل حالاتهن لكن ينقصهن التواصل مع المجتمع، وبدا ذلك واضحًا عندما لمسنا مظاهر الفرحة والبهجة تظهر عليهم حينما يفد اليهم احد من خارج الدار. وعند سؤالنا عن برامج الزيارات التي تعدها الدار للمسنات أشارت الى أن الدار تستقبل العديد من طالبات المدارس الخاصة ومدارس تحفيظ القرآن الكريم من وقت لآخر ودور الأيتام ولكن هذا لا يعد «كافيه» فالزيارات غالبًا لا تتعدى ساعة من الوقت. وعن عدد المسنات داخل كل مهجع اجابت أن كل مهجع يحتوي على أربع إلى خمسة سيدات متباينات الحالات من نفسية وشيخوخة وظروف خاصة مع مراعاة التوافق فيما بينهن.
وعن طريقة استقبال او تلقي حالات المسنات ذكرت انها جميعًا ترد اليهم عن طريق الأربطة الخيرية او وزارة الشؤون الاجتماعية عن طريق التقديم وعندها تذهب الاختصاصيات إلى مكان الحالة لدراستها اجتماعيًا ومعرفة أوضاعها وإذا انطبقت عليها الشروط نقوم بالتمهيد لها عن ضرورة نقلها إلى هناك وان هذه خدمة تقدمها الدولة لها ولكل من هم في مثل حالتها. وعند موافقتها نقوم فورًا بعمل باقي الإجراءات. ويشترط أن تكون سعودية الجنسية وغير قادرة على رعاية نفسها والا يكون لها عائل وان تكون قد تجاوزت الستين او أكثر والا تحمل أمراضًا معدية والا تعاني من أمراض نفسية خطيرة. وهناك استثناءات فلدينا العديد من المسنات الأجنبيات واخريات من ذوات الظروف الخاصة كأن تكون قد فقدت من يعولها ويهتم بشؤونها. وبالنسبة لشرط خلوها من الأمراض المعدية فيمكن استثناءه ايضًا اذا حولت الحالة إلى مستشفى وتلقت العلاج اللازم وتماثلت للشفاء. وعند قبولها يتم عمل ملف خاص بكل حالة في الدار وتقوم الاختصاصيات بمتابعتها وتوفير المكان المناسب لحالتها. وتضم الدار اختصاصيتين وطبيبة وعدد من الممرضات والعاملات والمستخدمات مشيرة إلى انه بحسب وضع كل مسنة يتم ارشاد الممرضات لمتابعتها والاهتمام بجرعاتها الدوائية وذلك بعد عمل تحاليل صحية ونفسية وسلوكية.
حكايات من الألم والمعاناة
لدى وصولنا إلى الطابق الثاني حيث مهاجع المسنات سمعنا اصواتًا عالية وضجيجًا وكان المكان اشبه بمدرسة لصغار السن او حضانة لرعاية الأطفال حيث كان الوقت قد حان أن تؤخذ المسنات إلى خارج مهاجعهن. وكانت اولى المسنات التي التقينا بها هي الخالة «حواء» حيث أشارت الاختصاصية الى انها من أقدم مسنات الدار وحاولنا التواصل معها ولكنها كانت تتمتم بعبارات غير مفهومة لأنها أجنبية ولكنها بدت منشرحة الصدر نوعًا ما. وأثناء جولتنا استوقفتنا مسنة من جنسية عربية وهي الخالة «ح، س» والتي بدت عليها علامات الاستياء من الحال الذي آلت اليه فبدأت حديثها بقولها «الشكوى لغير الله مذلة» ومضت تقول انها لا تخاف على أبنائها من الصدمة اذا نشرت حالتها عبر وسائل الإعلام ولكنها تخشى على بناتها لانهن متزوجات. وعند سؤالها عن حالتها واسباب وجودها هنا قالت ان لديها أربعة ابناء اثنان يعانيان اعتلالات نفسية وصحية اما الآخران فهم بصحة جيدة ولكنهم لا يريدونها.
ومضت تقول ان لها 60 سنة في المملكة حيث تزوجت من رجل سعودي عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها ثم أتى بها إلى المملكة إبان حكم الملك عبدالعزيز رحمه الله، وقام زوجها بمنحها الجنسية وأخفى عنها ذلك ومضت السنوات وتوفي وبقيت بين أبنائها.
http://www.al-madina.com/node/325573