وحتى القرار 194
د. فايز أبو شمالة
لا مفاجأة فيما كشفه المؤرخ الإسرائيلي "بيني موريس" لصحيفة "يديعوت أحرنوت" عن وثائق تؤكد أن مندوبين في الأمم المتحدة قد حصلوا على رشاوى من أجل التصويت إلى جانب قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر 1947، وللعلم؛ فقد فضلت أمريكا عرض القرار على الجمعية العامة للأمم المتحدة خشية من سقوطه فيما لو عرض على مجلس الأمن، وتركت لليهود معالجة أمر المعارضين بالمال، ولا مفاجأة في رفض العرب لقرار التقسيم الذي أعطى لليهود دولة على أكثر من خمسين في المائة من أرض فلسطين. ولكن المفاجأة في تمرير قرار 194، الذي تم إقراره من قبل الجمعية العامة في 11/12/ 1948، والمفاجأة الأكبر في أن القرار 194، قد جاء تالياً بيوم واحد من إقرار القانون العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10/12/1948، والذي يقول: من حق كل فرد مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إليه. فهل عجز اليهود عن إفشال القرار 194، أم غضوا الطرف عنه؟ وهل نحتاج إلى مزيداً من الوقت كي تكشف لنا الأوراق الإسرائيلية ما خفي عن عيون العرب.
صفق العرب وفرحوا للقرار 194، ولاسيما للفقرة رقم 11 التي من نصها: تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم. وهنا يكمن التساؤل التائه: من الذي سيعود، وإلى أين ستكون العودة، ومن هم الجيران؟ إن وافقت إسرائيل على تطبيقه؟ ليأتي الجواب كالتالي: لم يحدد من هم اللاجئين، بينما العودة ستكون إلى دولة إسرائيل التي اعترفت فيها الأمم المتحدة، أما الجيران فهم اليهود الذين أقاموا دولتهم بقوة السلاح والمال والتآمر.
ألا يمكن الاستنتاج من ذلك: أن القرار 194 الذي يقضي بالعودة قد جاء مكملاً للقرار 181، الذي قضى بالتقسيم، فكيف نصفق لهذا الذي يستجدي عودة اللاجئين إلى دولة إسرائيل، ونرفض ذاك الذي يعطي الفلسطينيين دولة على نصف أرضهم المغتصبة؟
يبدو أن سنوات النكبة التي صفعت الفلسطينيين، قد جعلتهم يوافقون على ما كانوا يرفضون، فصار حالهم كحال الفقير الذي حلم بأن أحدهم يعطيه مالاً، ولكنه يرفض أخذه، ويصر على مضاعفة المبلغ، ولما استيقظ من الحلم، ندم لتشدده، فحاول أن يستكمل الحلم. تمدد في فراشه، وأغمض عينيه، ومد يده ليقول: هات، سأكتفي بما تعطي.
ولكن الفلسطينيين لن يأخذوا شيئاً بلا تضحية، وجهاد طويل حتى زوال إسرائيل.



--