شعر المرأة .. في كراس "استقالة"
بدا لي أن الشعر النسائي يتحرش بي في هذا اليوم!!
كنت أطالع كتابا في نوادر الأعراب فقرات فيه قصة عن السلولي ودخوله على"عنان"الجارية .. وعندها أعرابي .. والذي سمع أنها شاعرة .. ثم طلبت من السلولي أن يرتجل بيتا فقال :
(لقد جد الفراق وعيل صبري * عشية عيرهم لبين زُمت
فقال الأعرابي :
نظرتُ إلى أواخرهم صحيا * وقد باتت وأرض الشام أمت
فقالت عنان :
كتمتُ هواكم في الصدر مني * على أن الدموع عليّ نمت
فقال الأعرابي : أنت والله أشعرنا ... إلخ){ ص 112 ( نوادر الأعراب / أحمد عبد التواب}.
ثم غرد أخونا الأستاذ عبد الله الجبرين .. بمفردة من التراث .. ومنها (بخنق) .. فذكرني ذلك .. ببيت تمازح فيه شاعرة زوجها ... بخنقي يفداك .. إلخ.
فعلق .. (ابيات تفيض حب ووفاء ..المرأة مبدعة وتتفوق على الرجال ولكن الكثير منهن يمنعهم الحياء أن يبوحوا بمثل هذا!!)
لستُ من صيارفة الشعر .. ولكنني أتفق معه في نقطة الحياء .. وأختلف معه في نقطة تفوقهن على الرجال .. وعلى كل حال ..
أسرجت راحلتي .. متجها إلى كراس كتبته قبل سنوات .. تحت عنوان ( استقالة) – أي من القراءة .. والكتابة عن المرأة – وفيه حديث عن شعر المرأة .. عبر كتاب (شاعرات من البادية) لعبد الله بن رداس .. و كتاب ( الفراعن : شعر نساء الحجاز) لطاهر السباعي .. أترككم مع تلك المختارات .. الشعرية النسائية ...
أكثر من مرة أنتزع القلم من يدي،وهو يحاول الكتابة عن شعر المرأة (الشعر الشعبي بالذات)،وذلك عند قراءتي تهجم البعض على شعر المرأة. مثل قول الأستاذ بدر اللحياني :
(( في الآونة الأخيرة لا حظنا إقحام المرأة في ساحة الشعر الشعبي (..) في الثقافة الشعبية لا نعرف أن المرأة كان لها ذلك الحضور.)){ ج. المدينة العدد 13298 في 6/6/1420هـ}.
أما السبب الذي يجعلني أمتنع عن الكتابة،فهو أنني أرفض الكتابة عن الشعر الشعبي،خصوصا بعد أن تحول إلى (وباء) يأكل الأخضر واليابس. ولكن سبق وأن كتبت بعض الملاحظات على الجزء الأول من كتاب (شاعرات من البادية)،ولم أرسل تلك الملاحظات للنشر .. بطبيعة الحال .. وهذه ملاحظاتي،التي كتبتها قبل سنوات :
بسم الله الرحمن الرحيم
أنهيت قبل أيام قراءة كتاب (شاعرات من البادية) لمؤلفه / عبد الله محمد ردّاس،والنسخة التي بحوزتي تمثل الطبعة السابعة {هذا شيء لافت للنظر،سبع طبعات،والأمة لا تقرأ،والأمية منتشرة؟!!! رغم أن ذلك لم يلفت نظري أول مرة!!} للكتاب ( 1412هـ - للجزء الأول)،وقد قدم للكتاب الشيخ / حمد الجاسر – رحمه الله - ،وليس بالكتاب ما يدل على تاريخ طبعته الأولى،وإن كان المؤلف أهداه للملك فيصل – رحمه الله – مما يشي بأنه طُبع قبل 1394هـ.
عموما لا أستطيع أن أخفي أن ظلالا من (شك) طه حسين قد طافت بخاطري! فهل قالت المرأة هذا الشعر فعلا؟ وعندما راجعت نفسي لم أجد سببا يحول دون أن تكتب المرأة هذا الشعر الجميل. فأين المشكلة؟! المشكلة تكمن في صورة المرأة المقموعة الذليلة ..إلخ. تلك الصورة التي تم الترويج لها حتى غطت على ما سواها،حتى أن أختنا المرأة أصبحت ترزح تحت ضغوط تلك الصورة،وهذا لا يعني أنني أنفي أن ظلما وقع على المرأة،فلا يمكن لأحد أن ينفي أن المرأة قد ظُلمت كثيرا .. ولكنني أعنتي تجاهل الإيجابيات لمصلحة السلبيات.
وعلى سبيل المثال .. قبل يومين تُوفيت الدكتورة / سهير القلماوي – رحمها الله – وقد تم تأبينها على أنها،كانت ضمن أربع فتيات كن طليعة دخول المرأة إلى الجامعة المصرية،ولعل ذلك كان عام 1930م،كما كانت أول مصرية تحصل على الدكتوراه. وهذا كله صحيح – والعهدة على كاتبه – ولكنه أتى على حساب تعليم المرأة في الأزهر،والذي سبق دخول الدكتورة سهير،وزميلاتها إلى الجامعة المصرية.
(( يقول الأستاذ محمد أبوالعنين بمجلة الهلال – نوفمبر 1934م- كانت لجنة الامتحان العالمية تطوف على المعاهد الملحقة بالأزهر لامتحان طلبة الشهادة فيها. فسافرت لجنة من علماء الأزهر إلى معهد طنطا سنة 1911م لامتحان طلبته وتقدمت الشيخة / فاطمة العوضية للامتحان،وكان موضوع درسها في علم الأصول (لا تكليف إلا بعقل) من كتاب (جمع الجوامع) وهو باب عويص ثقيل،وفيه إشكالات وتعاقيد وقليل من النابهين من يحذقه أو يجوزه بسلام)) { محمد رجب البيومي : هل تعلمت المرأة في الأزهر القديم؟ / مجلة الهلال / أكتوبر 1992م}. فمن يتذكر فاطمة العوضية؟ أو فاطمة الأزهرية؟ أو ستيتة الطبلاوية؟ { الأخيرتين حضرت دروسهما الشاعرة عائشة التيمورية).
إذا أردنا أن نعود إلى الكتاب الذي بين أيدينا،فإنه يقع في 413 صفحة،ويحتوي على أكثر من ألف بيت من الشعر الجيد (إن لم نقل الممتاز) لأكثر من مائة شاعرة.
يقول المؤلف في المقدمة :
(( إن بنت البادية تتمتع بحرية واسعة في القيام بدورها الفعال في حياة بني قومها،والتعبير عن أحاسيسها { يُقال لنا أن المرأة المتعلمة لا تستطيع أن تعبر عن أحاسيسها!} فهي ترتجل الشعر (..) وتهبط مع قومها الأسواق،وتشاركهم في الرأي والعمل،وتختار زوجها،الذي ترضاه من الرجال لكفاءته ومروءته ..)){ ص 12}.
والآن إلى بعض ملامح الكتاب :
أ – تختار زوجها :
رغبت الشاعرة مريفة السليطية الزواج برجل بخيل فرفض أخوها ذلك،ولكنها ألحت على أخيها وخيرته بين أمور ثلاثة : إما أن يحبسها في بيته فلا تتزوج أبدا،أو يقتلها إذا أراد،أو يزوجها ممن تحب،فرضخ أخوها،ولكنها اكتشفت بخل زوجها،بعد أن أنجبت منه .. فغادرت إلى بيت أخيها { ص 136}.
أما الشاعرة الدحملية من قبيلة مطير،فهي تمدح الفارس برجس العنزي،وتتمنى لو كانت زوجته :
ليتي حليلة برجس وأصير أنا أم عياله { ص 119}
وهذه الشاعرة عجائب الصخرية،ترد خطابها من شيوخ القبائل،وتفضل ابن عمها،تُفضله على باشة حلب – كما تقول قصيدتها – وعلى ابن شعلان وعلى (الجربا)، تقول :
ما أريد أنا (الجربا) ولو ساق الأظعان لو جاب غرسات الحسا للشمال
وما أريد أنا (باشة) حلب و (ابن شعلان) ماني حليلتهم ولا هم رجالي
أريد أنا ولد (الخريشا سليمان) ذابح طوابير العساكر قبالي{ ص 127}
ومثلها الشاعرة كنة الشمرية،والتي رفض أهلها تزويجها،بعبد الله الشمري لفقره،ولكنها أصرت على موقفها،فاستجاب أهلها لرغبتها،بعد أن قالت أبياتا منها :
لعيون من قال لعيونه يجري اخلاف الرديات {ص 161}
وهذه الشاعرة مويضي الدهلاوية،والتي تزوجت جديع العنزي،ولم يكن أهلها راغبون في ذلك : (( وإنما وافقوها عليه تلبية لرغبتها الشديدة)) { ص 290}.
ب – المرأة تطلب الطلاق :
يقول المؤلف :
(( ومن شاعرات قبيلة شمّر امرأة رأت من زوجها ما لا يعجبها فقالت،تهجوه { كلمة تهجوه هنا،ليست دقيقة،ما لم يكن الهجاء قد حُذف} :
يا شوق ما طلقن وأجزاك عدك بنا عامل طيب
يوم أنا عيني تبي لا ماك ما طعت أنا كل خطّيب
واليوم عيني تبي فرقاك دايم دموعي على جيبي
تلقى العوض عاشقة تشهاك وألقى عشير يهلي بي { ص 190}
و يقول أيضا : هذه شاعرة من شمر حدث بينها وبين زوجها عدم انسجام،وقد عذلها والدها بأن تصالح زوجها ولكنها رفضت المشورة وأنشدت قائلة :
والله ثمان أيمان للشوق ما أسير لو تستوي فرقاه والفضيحة
ما هو كريم تمناه المسايير ولا فارس نصبر على شين ريحه
يفوح من صدره كما فايح الكير يابوي خطو العفن ما أشين فحيحه
أنا كما (وضحا) بوسط المغاتير العين نجلا والمحاجر مليحة}ص 284}.
جــ - مداعبة الزوج :
قالت شاعرة من شمر لم يذكر الراوي اسمها،تداعب زوجها :
يا شوق أنا بخنقي يفداك مرجانها ضايع كله
علمي بها يوم أنا وياك يوم نتهرج ورا الحلة
يا شوق بس النظر يرعاك رعي المصلّح لذود له {ص 52}.
أما الشاعرة منيرة بنت ثعلي،فقد قالت تمازح زوجها بعدما كبر سنه،ويظهر أنه كان قبل ذلك،يريد أن يتزوج عليها :
العام تبغي لك من البيض ثنتين أيضا وتبغي عليهن زيادة
مثلك إذا ما أنه وصل عام ستين يصير مخه مثل مخ الجرادة
ما ينطح اللازم ولا يقض الدين ولا تقبل منه حتى الشهادة
والله ما أذم (العود) مير الكبر شين (العود) جاته خلته من زناده
(العود)لو ينحط في محجر العين مثل الرديف اللّي يخلي شداده { ص 209}.
د – المرأة ... والكتابة والقراءة :
يظهر أن بعض نساء البادية كن يعرفن القراءة والكتابة،تقول شاعرة لم يُذكر اسمها :
لو شفت دموع عيوني اللي تراعيك هلت على المكتوب ساعة قريته { ص 216}.
وتقول نورة الحمود،تعاتب زوجها على طلاقه لها :
ساعة قريته فر قلبي وكاد جاني مثل يعقوب حاسد ونمام {ص 224}
هــ - تنصح زوجها :
فهذه الشاعرة غزيل الظفيرية تنصح زوجها بترك الدخان :
لا تشرب التتن يا المملوح يخرب ثناياك يا الغالي {ص 248}
كما نصحت الشاعرة نورة الحمود زوجها ( ابن هذال) أمير العمارات،من عنزة،أن يترك التدخين :
يا شارب الدخان شاربك لا طال إياك ويا واحد جاز دونه
مع بيت آخر،فغضب زوجها فقالت تسترضيه :
شرابة التنباك فيهم سعة بال واللي طويل شاربه يقصرونه
مع بيت آخر { ص 138 – 139}.
و – جرأة أم بحث عن الحقوق؟!
هذه شاعرة من قبيلة شمر تزوجها رجل يقال له ( هقاش)،ثم اتضح أنه (عنين)،فقالت :
حظ الندم جاب لي هقاش وأنا من البيض مقرودة
لا هو كريم ولا هواش والخيل ما صقلت عوده
شاف الفريش فرش وانحاش يبغي منام ورا ذوده
يا يوه أنا بانهزم وانحاش ما ني على الذل مردودة {ص 195}
وهذه شاعرة أخرى تزوجت رجلا عنينا،وبعد أن صبرت عليه عدة سنوات،قالت تناجي أخاها :
يا خوي يا ريف الركاب المزاميل مقدم مهار عجّهن مقتفيهن
أنشدك عن رجل شرى له معاميل ذا له ثمان سنين ما دق فيهن
إما يسوي السوات الرجاجيل وإلا يخليهن لمن يعتنيهن
((وما أن علم الزوج بمقصد هذا الكلام،حتى بادر إلى تسريحها بإحسان ونفس راضية)) { ص 215}.
ز – مساجلات :
جرت مساجلة بين الشاعرة نورة الحمود والشاعر سليمان العبد الله ابتدأته قائلة :
العفو يا حبك لقرب الخوندات لو كنت شايب بك شلايا الهبال
فرد عليها قائلا :
ضربتني يا ناب الأرداف بهواة أذكر دوا ما شفت لو غالي
قلبي خضر لو كان بالراس شيبات أبغي التسلي وما ني بسالي
فردت عليه بقولها :
غرك هروجي والعلوم الطريات أنا بعيدة غوص يا (هم لالي)
ترى الهوى والنفس وإبليس خطرات يا ما رمن من عالي للسفالي
إن طعتني فاندم على كل ما فات ليته يكفر منك ما مضى تالي{ص 237 – 238}
كما جرت مساجلة بين شاعرة من قبيلة ( سليم) وشاعر لم يُذكر اسمه { ص 282}.
حــ - تُفضل زوجا تضربه :
الشاعرة مويضي في حوار الشعري مع أختها (بنا) تفضل زوجا :
لو أضربه مشدة في كراعه ما هو بشاكيني ولا الناس دارين { ص 178}
ط – العشق ... وما أدراك :
وردت عبارة : قالت فلانة تتغزل في معشوقها،بشكل لاف للنظر،فقد وردت أكثر من عشرين مرة،مثل :
1 - (( وهذه الشاعرة (مرسى) العطاوية العتيبية المشهورة تتغزل في رجل كانت تحبه) { ص 18}.
2-(( وهذه شاعرة من بني علي من قبيلة (حرب) تدعا (وضحا المشعان) تتغزل في معشوقها "سعود البسيسي" ..)) { ص 28}.
3- (( وهذه شاعرة تدعى (نافعة) من ذوي عون من قبيلة مطير تتغزل في معشوقها المدعو " هلال" ..)) { ص 36}.
4- وهذه شاعرة – لم يتمكن المؤلف من معرفة اسمها- تقول لمعشوقها :
إن كان قلبك باين به رقوم امسح على القصة وتبرا مكاويه
انظر لردف مثل شط الردوم وأذيال شقر فوق المتين تكسيه
ثم تقول له :
مرخوص مني في جميع العلوم إلا الجسد خله لراعيه
أما سبب ذلك :
وأما أنت عندي غالي ومحشوم وأدري حساب الرب عن شي أسويه { ص 61}
يــ - عشق حتى .. الرثاء :
تقول الشاعرة المشهورة شلشا البقمية ترثي معشوقها متلع القبع،وتخاطب أخاها أبا جدي :
يا (بو جدي) قلبي من الود ملهوف والود هذا من قرادة نصيبي
(( ويُذكر أنه زاد غرامها بـ(متلع) حتى توقعت بأنها ستراه ولو بعد موته ..وقد ارتجلت بعض الأبيات من الشعر حين توفيت زوجة جارها (أبو زيد) من سكان بلدة الدوادمي من نجد،منها :
وجدي على (متلع) كما وجد أبو زيد على (لطيفة) يوم دنوا كفنها
ونعتذر عن بقيتها لأن الرواة لم ينقلوا لنا سوى هذا البيت)) { ص 347}.
لا ينفك الشعر أن يكون (ذائقة) قد يسحرك بيت،ولا يحرك ساكنا في متذوق آخر للشعر.. فيا لله كم هم ساحر،بل ساحق هذا البيت :
وجدي على (متلع) كما وجد أبو زيد على (لطيفة) يوم دنوا كفنها
يا لله كم وُفقت الشاعرة في جعل (أبا زيد) يرتدي ثوب (الأسطورة)... فبيت الشعر يقدمه على أنه حزن حزنا لم يحزنه أحد قبله،أو هكذا يُفترض،وإلا لما ضربت به الشاعرة (المثل)،متجاوزة حزنها،الذي يعد (أسطوريا) والذي وصل بها حد (الجنون) –حين توقت أن ترى "متلع" بعد موته ... كما أن البيت يعطينا – يعطيني أنا على الأقل – انطباعا بأن كل الناس تعرف مدى حزن أبي زيد... ويا لله كم وفقت الشاعرة في قولها ( يوم دنوا كفنها) .. فتلك لحظة الحقيقة – أو القمة – فما قبلها قد يكون الإنسان فيه على أمل أن يكون الأمر مجرد إغماءة،وما بعدها – الدفن – تبدأ مرحلة العد التنازلي للحزن.
وهذه الشاعرة وضحا المشعان الحربية تتوجد على معشوقها وترثي لحاله لما أصابه مرض الجدري :
حن قلبي يا ( علي) حنة الخور تواردن عين قليل شرايه
القلب كنه بالمسامير مسمور سمر الحديد مجود في ضبابه
على عشير يا (علي) قيل مجدور قلب العنا من صاحبي وا عذابه { ص 340}
وختاما .. هذا ملخص قصة الشاعرة نورة الصنيدح،من قبيلة مطير والتي هجاها أحد الشعراء،واسمه (فرج)،وهو لا يعرفها،وذكر أنه لا يمكن أن يتمناها،أو تخطر على باله :
لو تشمرخ بالذهب وتصير دره ما تهقواها ولا تطرا علي { ص 21}
فلما زار الشاعر ( فرج) صديقا له تعرفه ( نورة)،ذهبت إليهم وسألت عن الشاعر (فرج) فقيل لها أنه بالداخل :
(( فدخلت عليهما متجملة وتقدمت إلى (فرج) وصافحته قائلة :
" إنني طالما تمنيت رؤيتك وقد شغفت حبا بك" ..)) { ص 212}. ودار بينهما حوار شعري ولم تزل به حتى وقع في حبها :
(( وأخيرا حضرت إليه وأخبرته عن صنيعها وأن ما صدر منها لم يكن بدافع الإخلاص،وإنما كان انتقاما انتصرت به لقاء هجائه لها،ولكنه بلغ به حبها مبلغا لا يستطيع منه فكاكا ومن آخر ما قال فيها :
الصبر مني يريش العين كمّل والهقوة أن الدوب يبدي بحالي { ص 213}
أجزم أن هذه الأشعار لو تمت دراستها بعمق – ونُشر ما لم يُنشر – لتغيرت بعض مفاهيمنا عن المرأة،ومكانتها،ودورها .. ولكن من قال أننا نريد تغيير مفاهيمنا ( الله لا يغير علينا) وأختم الحديث عن هذا الكتاب ببيت مشهور،غناه أحد كبار المطربين لدينا،ولم أكن أعلم أنه لإحدى الشاعرات،والبيت هو :
اللّي يبينا ما نبغيه واللّي نبي عجز البخت لا يجبه { ص 23}
وهو للشاعرة نورة الهوشان.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر،فهذا كتاب آخر عن شعر المرأة،وهو كتاب :
(( الفراعن : شعر نساء الحجاز)) لمؤلفته الأستاذة / طاهرة عبد الحفيظ السباعي،ومن نشرها - سنة 1986م – وتوزيع شركة الربيعان،بالكويت،ويقع الكتاب في 54 صفحة من القطع الصغير. هذه أولا إطلالة على فهرسة الكتاب :
المقدمة.
الباب الأول.
الباب الثاني : الفراعن.
الباب الثالث : زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
الباب الرابع : أغاني الخليف.
الباب الخامس : تتريب العروس.
الباب السادس : شعر الأفراح.
أما ما دفع الكاتبة لجمع هذه الأشعار، فهو أن كاتبا مغربيا، ألف كتابين هما (( رباعيات نساء فاس)) و (( العروبيات)) قد ذكر ..(( عن الشعر النسائي في كل من المغرب واليابان،على أنهما النوعان الوحيدان في الآداب العالمية)) { ص 1 }.
{لدى المرأة الموريتانية،أيضا شعرها الخاص وزن"بحر" اسمه (التبراع) خاص بالمرأة}
تقول المؤلفة :
(( وكان الغناء في الأربعينات حتى السبعينات أو بعدها ممنوع مع آلات الطرب،كالعود،والقانون وغيرها من الآلات،ما عدا الغناء بالدفوف لزفت { هكذا بالتاء المفتوحة } العروس التي تعتبر سنة،وكان { هكذا في الأصل،ولعلها ولكن } هذا المنع لم يستطع أن يوقف محاولتهن مقاومته بشتى الوسائل كوضع السجاجيد على النوافذ لكي لا يسمع الصوت،كما كان الذهاب خارج المدن من إحدى هذه الوسائل أيضا)){ص 8}.
وهذه بعض الفراعن،وهي بالمناسبة جمع (فرعي) :
طبيقة :
بالله يا ريح إن هبيت في الوسط الحبايب وديني
أمس العصر كانت عندي في البيت تباشر بالحب وتسقيني
* * *
أمس العصر كنت أبيع تفاح وكل تفاحة بغازية
وريحتو في المجلس فاح ما ياكلوه إلا الكبارية
* * *
بالله أسألولي الفداوية بالذي طولو الأبعاد
هو يتم الصفا ليا ولا يذوب الحشا وينكاد
* * *
طبيقة :
يا اللي سألتو الفداوية وحبكم في حشا يقاد
إن قدر الله وجيتونا اللي جرى بيننا يعاد { ص 31}
* * *
قالت امرأة علمت أن زوجها قد تزوج عليها ( حسب كلام المؤلفة ) :
مثلي لمثلك ما ينخضاع إن كنت بدر بالجمال مبرقع
إن كنت مكة والحطيم وزمزم ومشاعر الله العظام الأربع
لم عاد قلبي يتخذك صاحب كلا ولا لكثر كلامك أسمع
إني وهبتك للذي صاحبته وهبت كريم في العطا لا يرجع { ص 33}
أغاني الخليف
قبل نقل كلام المؤلفة، أشير إلى أن الدكتور عبد الله الغذامي ذكر أن للدكتور أبو بكر باقادر بحثا باسم :
(( القيس مهرجان نسائي غنائي تنكري في مكة " بحث مخطوط" ..)) { المرأة واللغة / د. عبد الله الغذامي / هامش الصفحة 116}.
والقيس هو نفسه الخليف،تقول المؤلفة :
(( أغاني الخليف عبارة عن حكومة لمدة ثلاثة أيام في مكة،تمثلها النساء من يوم الوقفة (بعرفات) إلى يوم العيد،وتبدأ السيدات قبل الحج بعدة أشهر اختيار من التي تقوم بدور الشريف حاكم مكة،واختيار من يقوم بدور الضباط والجيش وشيخ الحارة،ويكون لهم حرية الخروج إلى بعد منتصف لليل،ويتنكرن بملابس الرجال الذين يقومون بدورهم،وتكون الثلاثة أيام مهرجان غنائي وتنكري.)) { ص 39}.
أغني القيس :
(( وعندما يبدأ دق الطبول،ينقسم الحاضرون إلى مجموعتين،المجموعة الأولى،والمجموعة الثانية،ثم يبدأ الإنشاد،المجموعتان تغني ويصفقون بأيدهم :
يا قيسنا يا قيسنا هيا معانا بيتنا
نسقيك من شربيتنا ونطلعك في بيتنا
ونرخي الستاير عليه
أسمر ولد جارية
محلى المشالي عليه
شيخ الحارة،شيبش يا الحربي حامي ديرته
المجموعة الأولى :
وإن جا يهرجين ما أبغى أهرجه
المجموعة الثانية :
وإن جا يكلمني ما أبغى أكلمه
المجموعة الأولى،تغني للشريف :
أبو الصومادا والعقال من يوم شفته عقلي طار
المجموعة الثانية، تغني للعسا،وإذا كان نائم على كرسي شريط يرفعوه أربع نساء على رؤوسهم ويغنوا هذه الأغنية :
يا قيس يا قيس يا شخص يا تيس
الناس حجوا وأنت قاعد ليش
قوم روح بيتك قوم أخبز العيش
{ رواية الغذامي،نقلا عن باقادر :
يا قيس يا قيس يا دقن التيس
الناس حجوا وأنت قاعد ليش { المرأة واللغة ص 117}
المجموعتان ترحب بالقادمين :
حبا حبا باللي جا
يا مرحبا باللي جا
شيخ الحارة وقد انتصف الليل :
هيا هيا على البيت
هيا هيا زي الطير { ص 41}
والليلة غلقت
والسنة الجية بخير
المجموعتان :
والليلة والله ما نروح
والليلة عند أبو صلوح
الليلة ندبح الخروف
والليلة عند أبو علي
والليلة ندبح الطلي
وقد وقف شيخ الحارة أمام الشريف يرقصون معا
والليلة يا الخيزرانة
في منى ميلوكي
ويلو إن ميلوكي
ما لت الروح معاكي
وزمام سيدي
طاح في يمة البير
ويلو وزعقت زعقة
خليت الما يظهر من البير
ريحانة دوري ديرة
ريحانة يا صغيرة
ريحانة من بيت الشريف
ريحانة عودك ظريف
وعند الفجر في آخر ليلة من ليالي العيد :
شيخ الحارة :
هيا هيا على البيت
القيس غلق هيا على البيت
المجموعتان :
وبعودة يا محلى الصفا
وبعودة ومن العايدين.
ويتفرق بعدها الجميع)) { ص 42}.
من أغاني الغمرة
(( ويله عروستي يا عنبر وسط صندوق
ويله لا تعرف المسعى ولا تعرف السوق
ويله عروستي يا جاهلة يا صغيرة
ويله في العب شمامة وفي الفم هيلة
ويله عروستي قومي ما أحلى قيامك
ويله الموز لحمك والمشبك عظامك
ويله والله لو ما سنها سيد الكون
ويله ما اسخى بها لو كوموالي الدهب كوم)) { ص 45}.
وقد قامت المؤلفة بحذف أسماء الأشخاص،ووضعت بدلا عنها (فلانة الفلانية) وما شابه ذلك :
(( وهذا فرح قامت واحدة من سيدات المجتمع ولها شهرة في مكة وجدة والطائف قالوا فيها :
أسمعوا هذه البلية
وشوفوا فلانة الفلانية
قتلت الحجي والحجية
وودتهم على الصحية
وآخذت الكمر وعملتبو
جوز فلانة الفلانية
رجولها تعا تعا
ويديها كرابيج الأغا
كومها مخروق
وأياديها تكنس السوق
شوفو هذه القوية
وكرتتها تكنس الحميدية .
أجابت صاحبة الفرح التي قالوا فيها هذا بعدة أجوبة،ومنه هذا الجواب،قبيح جدا أنقصت وغيرت بعضا منه :
اربطوا ألسنتكم بشريط
يا قرود يا عفاريت
يا عفريتة مخفية
كنت في أي أوضه مزوية
كيف عرفتي
بالحجي والحجية.)) { ص 48 – 49}.
(( فرح لعائلة راقية،وقد زوجوا بناتهم من عائلات من الطبقة العاملة،وقالوا :
هذه السنة من تهاويل الزمان
جوزوا بنات فلان على أولاد علان
أبو العروسة يا غلبان جرا عليك الزمان
تزوج بناتك أولاد علان.)) { ص 50}.
(( بعض الش
...