العطش الى النفط ..
ماذا تفعل أمريكا لضمان أمنها النفطي؟
تأليف: إيان ترتيلدج ـ ترجمة: مازن الجندلي
الدار العربية للعلوم: 312 صفحة.
عرض: عماد الدين حلمي عبد الفتاح/ الأمانة العامة لجامعة الدول العربية
الى أي مدى يؤثر نمط الحياة الأمريكية على سياسة الولايات المتحدة الخارجية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي؟
في كتاب العطش الى النفط يتقصى (ترتيلدج) مدى ارتباط الاقتصاد الأمريكي المتأثر باستهلاك النفط بسياسة الولايات المتحدة واقتصادها ومجتمعها، وهو يناقش اعتماد الولايات المتحدة المتفاقم على استخدام الآليات السيارة، الأمر الذي أدى الى نشوء أسلوب حياة مرتفع الاستهلاك للنفط أثر على سياستها الخارجية في العقد الحالي. ويؤكد الكاتب في تقديم كتابه أن الحرب على العراق لم تكن حربا لأجل الحرية أو الديمقراطية أو مؤامرة لسرقة النفط العراقي، بل كانت محاولة لإنشاء محمية نفطية موثوقة ومتفهمة في الشرق الأوسط تتعهد تأمين طلب الأمريكيين المتصاعد للنفط.
في الفصل الأول، يبين الكاتب الى أي مدى باتت أمريكا تعتمد على إمدادات النفط الأجنبي، ويرجع ذلك الى طبيعة قطاع النقل الأمريكي.
في الفصل الثاني، يرجع الكاتب ذلك الى القرارات الحاسمة التي اتخذها السياسيون وقادة الشركات في النصف الأول من القرن العشرين الى (موترة) مدنها [أي أن تجعل كل شيء يسير يعتمد على الآلة (الموتور) هذه الآلة التي لا تدور إلا عن طريق النفط، بشكل مباشر أو محول الى كهرباء. وقد ظهر قطاع السيارات كقطاع مهم شره للنفط. فتوجهت أمريكا لنفط الشرق.
في الفصلين الثالث والرابع، يشير الكاتب الى اضطراب العلاقات مع الشرق الأوسط، خصوصا في أعوام 1973 و1978 ، حيث انخفضت إمدادات نفط الشرق الأوسط بمقدار 3.3 مليون برميل و 3.5 مليون برميل على التوالي. وقد خفضت السعودية إنتاجها عام 1985 ليصبح 3.6 مليون برميل، بعد أن كان 6.7 مليون برميل/يوميا عام 1982. ولكن في عام 1988 في يناير/ كانون الثاني رفعت كل من السعودية والكويت إنتاجهما لتهبط أسعار النفط الى أقل من 50% (12.97 دولار/برميل)، مما جعل العراق يفسر هذا السلوك بأنه مخصص لإيذاء العراق، الذي تزايدت ديونه لتصبح 70 مليار دولار نتيجة للحرب العراقية الإيرانية، وقد صعد العراق من طرق انتقاده للدولتين، فاتهم الكويت بالتعدي على نفط حقل الرميلة ومن ثم اعتبر الكويت جزءا من العراق، فغزاها. ويقول المؤلف: لم تكن أصابع أمريكا بعيدة عن هذا السيناريو، واعتبرت غزو الكويت أفضل هدية لها لتحقيق أحلامها السابقة في إحكام السيطرة على منطقة الخليج والعراق معا.
في الفصل الخامس يركز الكاتب على ثلاثة شخصيات سيقومون بتحريك الأحداث لمدة عشر سنوات، وهم (بوش الابن، وكوندليزا رايس، وديك تشيني) ويظهر الكاتب الى أي حد كان هؤلاء الثلاثة يمثلون محور النفط في الإدارة الأمريكية، والأهداف التجارية لشركاتها الكبرى، وهي الأهداف التي تتربع الآن بفخر على الأجندة السياسية للإدارة الأمريكية.
الفصول السادس والسابع والثامن ينتقل اهتمام الكاتب فيهم الى النظر في السياسة الأمريكية التي باتت الآن تقليدية، في محاولة تنويع مصادر الإمداد النفطي بعيدا عن الخليج العربي، والتوجه بالاهتمام الى نفط كندا وفنزويلا والمكسيك ومنطقة بحر قزوين. لكن يخلص الكاتب الى فشل هذا التوجه وعدم جدواه. لكن مع إبقاء هذا الاهتمام قائما، لا بد من البحث عن مصدر آخر وفير، وأين يكون هذا المصدر؟ إنه في العراق.
يعود الكاتب في الفصل التاسع الى (موترة) المجتمع الأمريكي، ومدى تغلغل النفط في كل جانب، فيذكر أن هناك واحدا من كل ستة أمريكيين يتعاملون بشكل عام مع السيارات والشاحنات، صنعا، أو قيادة مهنية، أو تأمينا، أو ترخيصا، أو عاملا في بناء أو صيانة الطرق العامة المخصصة للسيارات. وخلص أن السيارة ليست مجرد تكنولوجيا أو وسيلة نقل، إنها عامل محدد أساسي للاقتصاد.
ثم ينتقل الكاتب في هذا الفصل الى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن الولايات المتحدة مسئولة عن44% من انبعاث ثاني أكسيد الكربون المتصلة بالطاقة من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) المصنعة، وبالرغم من أن بوش طرح في حملته الانتخابية أنه ينحاز الى التوافق مع بروتوكول (كيوتو) إلا أنه سرعان ما تراجع بعد فوزه، تحت ضغط الشركات المستفيدة من الوضع.
في الفصل العاشر، يبرز الكاتب هواجس الإدارات الأمريكية من بروز قوى اقتصادية مهمة في العالم تحتاج الى النفط، الصين 1.3 مليار نسمة وقوة اقتصادية متصاعدة، كذلك دول أخرى كالهند والبرازيل وغيرها. وإن كان العالم كله يحتاج الى 74.9 مليون برميل يوميا عام 1999 فإن حاجته ستتخطى 119.6 مليون برميل عام 2020، وسيكون نصيب الولايات المتحدة 22% من هذه الكمية، فكيف السبيل الى الحفاظ على هذه الأحقية الواجب ديمومتها؟
أما الفصل الحادي عشر، فيتناول غزو واحتلال العراق، بنية إقامة محمية بترولية صديقة في تلك المنطقة المضطربة، من خلال نوع من الإمبريالية الديمقراطية، وحسب الدلائل المتوافرة حتى كتابة هذا الكتاب، يرى الكاتب أن أمريكا خاضت في العراق حرب نفط وخسرتها. وقد كان الثلاثي الذي يقود الولايات المتحدة الأمريكية (بوش، تشيني، رايس) أن النجاح في هذه الحرب، سيحقق لهم السيطرة على ما بين 54 و67% من نفط العالم والتحكم في توزيعه.
كان من بين الأهداف الخفية، أن يتم ضرب طوق على إدارة المملكة السعودية في إبقاء قرارها النفطي والسياسي مرهونا بإرادة الإدارة الأمريكية، بإيجاد محطة قوية منافسة نفطيا وسياسيا في العراق. لكن أين هذا الطوق وكل محاولات ترميم فشل الولايات المتحدة بالعراق قد تبددت، فالحرب على العراق خاسرة بكل المقاييس.
هامش
ـــ
تم التصرف بالعرض المقدم من قبل (عماد الدين حلمي عبد الفتاح) ليكون بحجم المقالات القابلة للقراءة في الإنترنت. والمقالة نشرت في مجلة شؤون عربية/ العدد133/ والمطبوعة بمطبعة جامعة الدول العربية/ ربيع 2008/ صفحات 218ـ 224.