في سورة الإسراء: أرضان ووعدا أخرة!
مصطفى إنشاصي
المسلمون تاريخاً وحاضراً غفلوا عن الغاية من اعطاء الله تعالى لبني إسرائيل واليهود في القصص القرآني كل تلك المساحة الواسعة التي لم يحظى بها غيرهم من الأقوام ولا الإمبراطوريات، على قلة حجمهم وتأثيرهم الظاهر في التاريخ والحضارة الإنسانية، على الرغم من انكشاف مدى تأثير اليهود في خراب العالم!
غاية الخطاب القرآني هي لفت انتباه المسلمين وتحذيرهم من خطورتهم في كل زمان ومكان إلى أن يتم القضاء المبرم عليهم مع المسيح الدجال، وبعد أن اتسعت مساحة المتهودين عالمياً يبقى بنو إسرائيل هم الأصل كذهنية وعقلية ونفسية وطباع شريرة مخالفة للفطرة الإنسانية، فهم الذين وضعوا خيوط المؤامرة في السبي البابلي، وحَرفوا رسالة نبي الله موسى عليه السلام عن أصلها السماوي إلى الوثنية، وحشدوا فيها كل عقدهم النفسية وحقدهم وكراهيتهم للبشرية، وأطماعهم وطموحاتهم السياسية إلى نهاية العالم!

أشد الناس عداوة!
ذلك أن الله تعالى لم يترك أمته دون أن يُعرفها بأشد أعداءها خطراً عليها، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ {البقرة:35}.
وفي الوقت نفسه حذرهما من الشيطان بأنه عدو لهما فلا يخرجهما من الجنة، قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾ {طه:117}.
وحذر المؤمنين من الأشد عداوة لها من بني البشر، قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ﴾ {المائدة:82}.
عندما يخبرنا رب العالمين أن أشد الناس عداوة لنا هم اليهود؛ لا نقول أن الغرب أو أي طرف آخر استغل اليهود، ونبرئ اليهود وتجعلهم ضحية استغلال الغرب لقادتهم، واستغلال قادتهم للتوراة لتسخيرهم لخدمة المشروع الغربي ضد وطننا وأمتنا، بل اسأل نفسك كيف هم الأشد عداوة؟ وما هي غاياتهم؟ والله تعالى بخبرنا:
أنهم ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ {آل عمران:112}.
وأنهم مثيري الفتن والحروب والمفسدون في الأرض: ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ {المائدة:64}.
ومن صور غضب الله عليهم وعذابه لهم، التي لا ترتبط بزمن معين لكنها مصاحبة لهم إلى يوم القيامة، قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ {الأعراف:167،168}.
وآيات كثيرة تبصرنا بمعرفة أعمالهم التي تجعل منهم الأشد عداوة للمؤمنين، وللفطرة السليمة والإنسانية جمعاء، وأعوان للشيطان!

محاولة لفهم الواقع في ضوء آيات سورة الإسراء
أخبرنا الله تعالى في الآيات العشرة الأولى من سورة الإسراء أن بني إسرائيل يفسدون في ﴿الْأَرْضَ﴾ مرتان، وفي المرة الثانية ذكر تدمير إفسادهم بـ﴿وعد الآخرة﴾، وقال تعالى في نهاية سورة الإسراء: ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ {104}. ذكر ﴿اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ﴾. والآيات ميزت معالم كل حالة من الحالتين عن الأخرى، ولا تطابق بينهما:
الأولى بفعل اليهود أنفسهم، فالصهيونية بمفهومها السياسي الديني الحالي تأسست في السبي البابلي، حيث وضع حزقيال أحد وجهاء اليهود المسبيين في السبي البابلي الأول، وكان زعيماً روحياً لهم في السبي لمدة عشرون عاماً، أول خيوط المخطط السياسي للتوراة المحرفة في سفره الذي هو أول سِفر كُتب في السبي، رؤياه أو نبوءته كما يسميها دارسي سفره، وصاغها في شكل عقيدة دينية لسيطرة اليهود على العالم وحكمه نهاية الزمان! ومجملها:
"أن السبي إلى بابل ليس سوى أسلوب (يهوه) في تطهير إسرائيل المتمردة والملحدة والمتفسخة ولتكون جاهزة للسيطرة على العالم عن طريق حكومة يهودية عالمية تقوم على دين يهوه". التوراة تاريخها وغاياتها، ص25. ونص النبوءة موجود في سفر حزقيال نهاية الإصحاح (39: 25-29).
وتقول موسوعة فنك أند فاغنلز: "الفصول (38-40) من سفر حزقيال وضعت النظام الديني الفريسي اليهودي، وكذلك التفاصيل الدقيقة للعبادات والصلاة" بنيامين فريدمان ص17.
وتؤكد الموسوعة اليهودية: "أنه أعيد وضع كل تاريخ اليهود من وجهة نظر فريسية بعد حزقيال، كما أعيد وضع جميع الكتب المقدسة السابقة المخالفة للنصوص الجديدة". بنيامين فريدمان، ص27.
أما الدكتور آرثر روبين، وهو من جيل الصهيونية الأول، وعالم اجتماع، يقول: "وقد فرض على القبائل الصغيرة الاعتقاد بأنها عرق نشأ وترعرع خلف الجدران المحصنة (أحياء الجيتو) وعليه أن يكون دوماً على أهبة الاستعداد بحيث أصبح انعزال اليهود واقعاً كاملاً وأزلياً"! بنيامين. ص18.
ويؤكد أنه: "أثبت التاريخ أن كتبهم المقدسة قد أتمت غايتها على أكمل وجه. وكانت الأرثوذكسية هي المسيطرة، لأنها خلافاً لغيرها من المعتقدات، لم تكن ديناً صحيحاً بمعنى الكلمة، بل منظمة قتالية تلبس لبوس الدين وغاياتها الاحتفاظ بنقاوة (الشعب اليهودي) الفيزيولوجية والثقافية). بنيامين فريدمان، ص18.
والقارئ للعهد القديم والمتأمل لمضمون أسفاره وكلها التزمت بما وضعه حزقيال، يجد أنها وضعت بطريقة تخدم المؤامرة والهدف المنشود وهو السيطرة على العالم، وفيها دروس وتوجيهات لليهود في تعاملهم مع الأغيار، والاستفادة من كل شيء لمصلحة دينهم وغاياتهم، ويجد أن "كل هذه الكتب تنبأت بقيام مملكة (يهوه) حيث يسيطر اليهود على شئون العالم ويرثون الأمم". بنيامين فريدمان، ص42.
نبوءة حزقيال هي هدف الصهيونية الأخير، وما يحدث في الأقصى، والاختلاف بين الأحزاب الصهيونية ليس لأن هناك مَنْ لا يؤمن بها، لكن خلافاً على أسلوب وطريقة تحقيقها!

قبل أن نذكر الفارق بين معالم كل مرحلة دعونا نذكر ببدايات سورة الإسراء:
قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ {الإسراء:1–3}.
الآية الأولى أكد الله فيها على العلاقة الدينية والتاريخية بين المسجدين، البيت الحرام والمسجد الأقصى، وبشر بأن المسلمين سيفتحون القدس والمسجد الأقصى فتحاً مادياً بعد الفتح المعنوي ليلة الإسراء والمعراج.
والآيتان الثانية والثالثة الله لم يضعهما في هذا الموضع عشوائياً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما لينفِ فيهما أساسا العلو والإفساد:
في الآية {2} نفي أفضليتهم وزعمهم أنهم (شعب الله المختار) بعد أن ظلموا أنفسهم واتخذوا من دون الله وكلاء وليس وكيلاً واحداً، وحرفوا التوراة وحولوا رسالة موسى عليه السلام السماوية إلى ديانة بشرية وثنية!
وفي الآية {3} نفى زعمهم (كذبة السامية)، بتأكيده على أن أصل سكان الأرض من نوح عليه السلام و﴿ ُذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾، التي اختزلت في كذبة أن البركة أعطيت لـ(سام بن نوح) وذريته، التي اختزلت في اليهود فقط. كما أنها أكدت على وحدة الأصل البشري من كل سلالة أبينا آدم عليه السلام ورفض اختزاله في عرق خرافة، رفضا لنهج الاستئصال والإبادة الجماعية للجنس البشري (كذبة السامية)، التي ترعب العالم اليوم! فلولا تلك المنظومة التوراتية التي أصبحت عقيدة لدى بعض النصارى، ومنظومة معرفية للعالم في مجالات علمية عدة ما كانوا بلغوا ما هم عليه الآن!

الفارق بين معالم الإفساد والعلو (الصهيونية) ومعالم العودة مع المسيح الدجال:
• قال تعالى في الإفساد والعلو: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ﴾. وفي العودة مع المسيح الدجال، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ من بعد موسى عليه السلام.
• في الإفساد قال تعالى: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ﴾، والأرض هنا هي الأرض المباركة، المقدسة، التي مركزها المسجد الأقصى، وفسادهم وجرائمهم فيها وفي المسجد الأقصى شارف على بلوغ نهايته ليتحقق وعد الآخرة، مع المسيح قال تعالى: ﴿اسْكُنُوا الْأَرْضَ﴾، كل الأرض، والسكن إشارة إلى إقامة طويلة، ليتحقق ما أخبر به تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾، إلى أن يأتِ زمن المسيح الدجال ويتحقق وعد الآخرة أيضاً ويعودوا معه سلمياً ويتم القضاء عليهم قضاءاً مبرماً لا عودة بعده.
• في الإفساد قال تعالى: ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾، إشارة إلى إقامة دولة والعيش فيها فترة من الزمن يفسدوا ويعلو، أما مع المسيح الدجال لا يوجد فترة زمنية لإقامة دولة، كما جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح بـ(رقم 2934)، قول الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (عَلَامَتُهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَنْهَلٍ).
• في الإفساد أمور لا توجد عند عودتهم مع المسيح الدجال:
﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾، رد للكرة القوة والغلبة وإقامة الدولة، بدعمهم سياسياً واقتصادياً وإمدادهم بالمال والبنين، وبكثرة عددهم (نفيراً).
﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾، منحهم فرصة لِتَغُيروا إحساناً لأنفسهم ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾!
• في الإفساد قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ:
لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾، مَنْ هم الذين سيسيؤوا وجوههم؟ هم ﴿عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾، مع المسيح الدجال سيكون المهدي المنتظر والمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
• في الإفساد قال تعالى: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، تحرير المسجد الأقصى الذي يريدون هدمه الآن وبناء ما يزعمونه (الهيكل الثالث)، مع المسيح الدجال لا يوجد مسجد، بل إن المسيح لا يدخل المسجد الأقصى ولا تطأ قدماه أرضه، كما جاء في حديث الإمام أحمد قال رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لَا يَأْتِي أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: الْكَعْبَةَ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ، وَالْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَالطُّورَ).
﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾، أي يدمروا إفسادهم وعلوهم المادي والمعنوي في فلسطين والعالم، مع المسيح الدجال لا يوجد إفساد وعلو وصراع، الصراع بين كفر وإسلام، ينتهي بالقضاء التام على المسيح الدجال ومَنْ معه ومن يهود وغيرهم.
• في الإفساد قال تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾، ممكن الإفساد والعلو يتكرر، مع المسيح الدجال هي مرة واحدة لا تتكرر يتم فيها إنهاء شيء اسمه يهودي نهائياً، قال رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيهود فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ اليهودي مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يهوديٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيهود". صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، ج4/2239، رقم2922.
• في الإفساد إشارة لفرصة أن يحسن اليهود ويتبعوا القرآن الكريم: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾، مع المسيح الدجال لا يوجد أي إشارة لفرص.
• في الإفساد قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، كثير من المسلمين لا يعلمون أن اليهود لا يؤمنون بيوم آخر ولا قيامة ولا بعث ولا نشور ولا حساب ولا جنة ولا نار، ولا أي حياة بعد الموت، ويؤمنون أن اليهود كلهم يدخلون الجنة ولا تسمهم النار، والنار عندهم (الشعور بعدم الراحة النفسية) إلا أيام لليهودي الذي لم يلتزم بالدين، ثم يرتاح مثله مثل اليهودي الذي قضى عمره ملتزماً بالشريعة والشعائر).

﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾
في الآية الكريمة يخبرنا الله تعالى بصغر نفسية اليهود والذل والهوان الذي هم عليه بعد غضب الله عليهم وانقطاع مدده لهم لكثرة ما ارتكبوا من معاصي وقتل لأنبياءهم، فلم يبقَ لهم بعد انقطاع حبل الله تعالى إلا حبل من الناس. وذلك ما عمل عليه اليهود قرون طويلة من تقطعهم في الأرض وتشتتهم، عملوا فيها على مسارين:
الأول: اختراق عقائد الشعوب، وتدمير وتفكيك مجتمعاتهم أخلاقيا وقيمياً,..
الثاني: تطوير مفهوم الخلاص المسيحاني من العودة مع المسيح الدجال آخر الزمان إلى العودة بجهود اليهود أنفسهم، وذلك ما حققه فكر حركة القبالاه اليهودية.
القبالاه حركة يهودية بدايات نشأتها في الأندلس في القرن التاسع لمواجهة بعض اليهود الذين بدأوا يتخلون عن العقائد العنصرية اليهودية تحت تأثير غزو الحضارة والثقافة الاسلامية لعقولهم وعقائدهم، وتدعو لمحاربة الاندماج، وتؤكد على امتياز اليهود على غيرهم ممن هم في منزلة دون منزلتهم، وأن خلط الدم بالزواج عصيان لله تحل عقوبته في الأولاد والأحفاد حسب نقاء سلالتهم، وهاجمت الشتات وألحت على ضرورة عودة صياغة الروح الصهيونية وتجميع اليهود في فلسطين، وتُشكل رؤاها الدينية للخلاص الخلفية الدينية والفكرية للحركة الصهيونية.
كان القباليون قبل الطرد من أسبانيا يصبون اهتمامهم حول كيفية بداية الخليقة، محاولين الوقوف على مكوناتها الأولية وجذورها الأساسية. وكان الخلاص عندهم هو معجزة خارقة تؤدي إلى خلاص العالم عندما يظهر المسيح ويشع بضوءه على العالم بأركانه الأربعة.
أما بعد الطرد من أسبانيا فقد فسرت القبالاه طردهم كما فسر (حزقيال) الابتلاء بالسبي البابلي، أنه هو فلسفة (يهوه) إله اليهود في تطهير (شعبه المختار) قبل إعادته إلى فلسطين. وكذلك القبالاه قد اعتبرت الطرد من أسبانيا بدايات آلام مخاض المسيح التي ستنهي التاريخ وتبشر بالخلاص، وأن الطرد هو أسلوب الرب (يهوه) في تطهير (شعبه المختار).
وقد جاء تطوير فكرة الخلاص المسيحاني من العودة آخر الزمان مع المسيح الدجال سلمياً إلى العودة على بجهود اليهود على يد إسحق لوريا أحد القباليين الأسبان الذين هاجر إلى مدينة صفد بفلسطين. حيث وضع تفسيره لكيفية بداية الخلق التي خلص فيها إلى معرفة الكيفية التي سيحدث بها الخلاص. والتي سيلغي فيها دور المسيح اليهودي وإن كان سيبقى على رمزيته، ولم يجعل عودته شرطاً للخلاص! كما ستلغي قبالاه لوريا دور المسيح اليهودي في تحقيق الخلاص فإنها سوف تضع الأسس الأولى لعقيدة الاسترجاع النصرانية!
تدعي القبالاه "أن كافة شعوب الأمم الأخرى يتلقون ضياءهم في هذا العالم دفعة واحدة إلا أن ذلك الضوء ينسحب عنهم تدريجياً حتى تقوى إسرائيل وتدمرهم. وعندما تذهب روح الدنس عن العالم ويشع نور الرب على إسرائيل حينئذ ستعود كل الأشياء إلى أصولها الأولى في حالة الكمال التي كان عليها الكون في بداية الخليقة". دعوة إلى إبادة الشعوب الأخرى أو تقليل عدد سكان الأرض كما يحاولوا الآن!
وتصل قبالاه لوريا إلى ذروة الاستعلاء والعنصرية حينما تربط مصير الكون كله بمصير بني إسرائيل. مدعية "أن العالم الحاضر يقع في حالة من الشتات وأن ذلك مرتبط بشتاتهم، وبالتالي يجب على بني إسرائيل أن تصلح ذلك الصدع الكوني وهو شيء يمكن أن يقوم به كل يهودي وذلك بإتباع التوراة ووصاياها".
وبعد أن كانت عودة اليهود إلى فلسطين عودة سلمية مع المسيح آخر الزمان لم يعد مجيء المسيح الدجال شرطاً لتحقيقها، وأنه يمكن أن تتحقق بجهود اليهود!
وبعد أن كانت عودة المسيح في عقيدة النصارى أيضاً عودة سلمية آخر الزكان، بعد أن نجح اليهود في اختراق وأحدثوا الانشقاق الكبير في الكنيسة الكاثوليكية على يد مارتن لوثر وآخرين، وأسسوا المذهب البروتستانتي النصراني ظاهراً والتوراتي باطناً، وتبنى رؤية حركة القبالاه اليهودية أساساً اعتقادياً له، أصبحت عودة اليهود (شعب الله المختار) إلى (أرضه المختارة الموعودة) شرطاً لعودة المسيح آخر الزمان، وبدء زمن الألفية السعيدة، ودخول اليهود بعدها في النصرانية!
وهكذا انقسم العالم الغربي اليهودي النصراني إلى طائفتين:
طائفة يهودية تؤمن بالعودة السلمية مع المسيح آخر الزمان، وطائفة نصرانية تؤمن بعودة المسيح بإرادة إلهية آخر الزمان، وهو لا يؤمنون بالصهيونية ولا يدعمونها.
وطائفة يهودية تؤمن أنه ليس شرطاً مجيء المسيح ليعيدنا إلى فلسطين لكن نستطيع العودة بجهودنا، وطائفة نصرانية (البروتستانت) يؤمنون بأن إعادة اليهود إلى فلسطين شرطاً لعودة المسيح.
وصدق الله تعالى عندما أخبرنا أن اليهود والنصارى ليسوا كلهم سواء وحذرنا من الموالاة والتحالف بين بعضاً من النصارى وبعضاً من اليهود، وهذا البعض وذاك البعض هم الصهاينة التوراتيين المؤمنون بخرافات التوراة عن (العودة) و(إقامة الدولة) و(هدم المسجد الأقصى) و(إعادة بناء الهيكل المزعوم) و(نصب العرش) و(اعتلاء ملك يهودي من نسل داود ليحكم العالم)!
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ {المائدة:51}.
إن كانت قراءتي وفهمي لآيات القرآن الكريم وصياغتها في هذه الرؤية صحيح فذلك توفيق من الله، وإن كانت خطأ أو جانب بعضها الصواب فهو تقصير وقلة علم مني، وفوق كل ذي علم عليم ...